أطفال سوريون في عراء إدلب

أطفال سوريون في عراء إدلب

09 مايو 2019
في أحد بساتين زيتون أطمة (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أنّ الشقاء مكتوب على أطفال سورية. كأنّما الفزع الذي عاشوه من جرّاء القصف لا يكفيهم، فراحوا يختبرون النزوح والحياة في العراء... تجارب ثقيلة على أعوامهم المعدودة.

يتواصل النزوح من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي من جرّاء عمليات قصف قوات النظام السوري والقوات الروسية. مئات آلاف المدنيين نزحوا وما زالوا من بلداتهم ومدنهم في الوطن المأزوم، فيما يكثر الأطفال بينهم. هؤلاء وجدوا أنفسهم وقد تقطّعت بهم السبل في العراء، تظللهم أشجار زيتون في أطمة، على الحدود السورية التركية، مفتقرين إلى أبسط مقوّمات الحياة، في ظل غياب شبه كامل للمنظمات الإنسانية.

ريم، في الثامنة من عمرها، تجلس على حصيرة من البلاستيك تحت شجرة زيتون، وإلى جانبها شقيقها هادي ابن الأعوام الستّة وشقيقتها هدى التي لم تكمل عامها الأوّل بعد. تشكو ريم لأمّها إحساسها بالبرد والجوع، فالمنطقة تعرف في هذه الأيام انخفاضاً في درجات الحرارة مع رياح باردة، الأمر الذي يفاقم معاناة الصغيرة وعائلتها وكذلك معاناة جميع النازحين من ريفَي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي. تقول ريم لـ"العربي الجديد": "أنا بردانة... وبدّي إرجع لعند بابا... لسّا ما إجا وأنا عن استنّاه". تضيف ريم التي تصرّ على العودة إلى بيتهم، أنّه "لا يوجد حمّام هنا. لا أريد البقاء هنا"، مشيرة إلى أنّهم منذ وصولهم إلى هذه البقعة لا يأكلون سوى الزيتون والخبز". يُذكر أنّ ريم وأفراداً من إخوَتها ووالدتها رافقوا شقيق والدتها إلى أطمة هرباً من القصف الذي طاول بلدتهم، في حين بقي والدها في البلدة، علّه يستطيع أن يحضر بعض ما يحتاجون إليه من منزلهم، غير أنّ الاتصال انقطع معه قبل ثلاثة أيام، الأمر الذي يزيد من الضغط النفسي على العائلة. وتخبر والدة ريم "العربي الجديد": "خرجنا من منزلنا بعدما طاول القصف الشارع حيث نسكن. كان صوت القذائف قويّاً جداً، فيما تحطّم زجاج النوافذ وتخلّعت الأبواب. كانت لحظات من الرعب لن أنساها في حياتي". وتشير إلى أنّ "ريم وهادي يستيقظان من نومهما ليلاً وهما في حالة من الفزع الشديد".




من جهته، يلعب عبد الله عمر، وهو في العاشرة من عمره، بالقرب من شجرة زيتون تستظلّ بها عائلته. تحت تلك الشجرة، وضعت عائلته ما حملته معها من أواني المطبخ، فيما فرشوا "حِراماً" على الأرض وجلسوا عليه ووضعوا بعض الأغطية فوق الشجرة حتى لا تتسخ. وعبد الله يلعب مع أطفال آخرين، فيرمون حجراً في الهواء قبل أن يهربوا من تحته محاولين الاختباء خلف أشجار قريبة أو رمي أنفسهم على الأرض. وعند سؤاله عن لعبتهم تلك، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا الحجر هو برميل متفجّر ونحن نختبئ منه".

والدة عبد الله جهّزت وجبة الإفطار، تناديه، يسرع في الحضور ويقف إلى جانب أفراد العائلة البالغ عددهم سبعة بالإضافة إليه. تسكب له والدته قليلاً من شوربة الأرزّ التي طهتها على نار حطب جمعته من بستان الزيتون. يخبر والد عبد الله "العربي الجديد" أنّهم وصلوا إلى هذا المكان "الأسبوع الماضي، بعدما نفد البنزين من سيارتي. لم أعد قادراً على إكمال الطريق". يضيف: "ونحن كنّا قد أحضرنا معنا قليلاً من المواد الغذائية التي كانت في المنزل، إلا أنّها لن تكفينا إلا لأيام معدودة. أمّا المياه، فأجلبها في عبوة بلاستيكية من مزرعة قريبة من هنا، لكنّها بالكاد تكفينا. لا أعلم ماذا سوف أفعل بعد ذلك، فأنا لا أملك المال ولم نجد مكاناً نأوي إليه". ويتابع: "لم نحصل حتى على خيمة، ولم تحضر أيّ منظمة إنسانية لتساعدنا في مصيبتنا هذه. نحن خسرنا منزلنا وأرضنا، بعدما كنّا نستعد لجني المحصول". ويؤكد: "اليوم ضاع كل شيء، ولا أعلم ما يخبّئ لنا الغد". ويشير والد عبد الله إلى أنّ "الجوّ يصير بارداً في الليل، فأشعل النار بالقرب من الأولاد علّهم يحظون بقليل من الدفء، فيما نضع عليهم ما لدينا من أغطية، وأسهر إلى جانبهم طوال الليل"، متسائلاً: "كيف تغمض عيني وأطفالي ينامون في العراء؟".

عدي في السابعة من عمره، وقد لجأ كذلك مع عائلته إلى أرض زراعية في أطمة، لكنّه يعاني بحسب ما يخبر والده "العربي الجديد" ارتفاعاً في الحرارة وسعالاً حاداً. يضيف الوالد: "توقّعت حضور فريق طبّي إلى المكان أو منظمة إنسانية ما في خلال اليومَين الماضيَين، علّهما يهتمّان به أو ينقلانه إلى مستشفى قريب، لكنّ أحداً لم يأتِ". ويتابع: "أخبرني أحدهم أنّ ثمّة نقطة طبية تبعد عنّا نحو ثلاثة كيلومترات، لذا سوف أقصدها في الصباح الباكر، على أمل الحصول على علاج لعدي".




في السياق، يقول عضو منظمة "منسقو الاستجابة" طارق الإدلبي لـ"العربي الجديد" إنّ "قضيّة النازحين ضخمة جداً. في خلال 13 أسبوعاً، نزح أكثر من 300 ألف شخص، وقبلها نحو 76 ألفاً، أي ما يقارب 400 ألف نازح منذ توقيع اتفاق سوتشي". يضيف أنّ "مئات العائلات في العراء، أفرادها بمعظمهم من الأطفال، فيما نحن في شهر صيام وهم يفتقرون إلى كلّ الخدمات اللازمة"، مقرّاً أنّ "ثمّة ضعفاً في الاستجابة بسبب العدد الهائل وعدم استقرار هؤلاء النازحين كلهم". ويزيد "الأمر يتسبّب في سوء تغذية الأطفال، وعدم التحاقهم بالمدارس، بالإضافة إلى احتمال لجوء العائلات إلى تشغيل أطفالهم والدفع في اتجاه الزواج المبكر في حال طال وجودهم في مناطق النزوح". ويشير الإدلبي إلى أنّ "ثمّة مراكز طبية في كل المناطق. وفي حال وُجدت حاجة كبرى، يمكن التواصل مع بعض المنظمات الطبية لتحريك عيادات متنقلة. لكن حتى الساعة لم تسجّل حاجة إلى ذلك". تجدر الإشارة إلى أنّ ناشطين كثيرين ناشدوا المنظمات الدولية الإنسانية القيام بدورها وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للنازحين، في مقدّمتها الخيام، لا سيّما مع العجز الواضح لدى المجالس المنظمات المحلية في الاستجابة إلى حاجة هؤلاء النازحين الذين يتزايد عددهم يومياً نتيجة القصف الذي يستهدف بلداتهم ومدنهم.