أطفال داعش... جدال سياسي وحقوقي في أوسلو

أطفال داعش... جدال سياسي وحقوقي في أوسلو

08 مايو 2019
"ثمّة مخالفة لحقّ الناس بالعيش في أسرة" (فرانس برس)
+ الخط -

منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي، تُثار عودة أطفال مقاتلي داعش وزوجاتهم إلى النرويج كقضية ساخنة على الساحتَين السياسية والإعلامية. ثمّة من يعبّر عن معارضة تامة لذلك، وثمّة من يحاول إيجاد مخارج مناسبة.

تفيد تقارير رسمية نرويجية بأنّ نحو 18 طفلاً ومراهقاً إلى جانب عدد من النساء، ممّن هم على علاقة بالنرويج يقيمون في مخيّم الهول الواقع في شمال شرقي سورية، حيث جُمع أطفال المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش وكذلك زوجاتهم أو أراملهم. أمّا الأوساط الأمنية والإعلامية في أوسلو فتقدّر العدد الإجمالي بنحو 40 شخصاً، منهم أشخاص يملكون الجنسية النرويجية.

منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي، أثير سجال بين الحقوقيين والسياسيين حول رفض الحكومة بداية أيّ نقاش حول استعادة النرويج للأطفال. وتحت ضغط التقارير الإعلامية، خصوصاً التي بثّتها القناة التلفزيونية الرسمية حول واقع هؤلاء في مخيّم الهول، اضطرت رئيسة الوزراء إيرنا سولبيرغ، في 23 إبريل/ نيسان، إلى التراجع عن رفضها السابق، تاركة منفذاً من الباب لاستعادتهم "من دون أهاليهم الذين لا نريد رؤيتهم على أراضينا لما يمثّلونه من خطر على أمننا".

موقف رئيسة الوزراء فجّر جدالاً نرويجياً، ما دفع في 27 من الشهر نفسه مسؤولة ديوان المظالم المعني بحقوق الطفل في أوسلو، كاميلا كايد، إلى وصف هذا الموقف بأنّه "مخالف لحقّ الناس بالعيش في أسرة، وهو واحد من أبرز حقوق الطفل". وتحدّثت عن "وجوب التغلب على المشكلة (رفض عودة الأمهات اللواتي ما زلنَ على قيد الحياة) لأنّ فصل الأطفال عن الوالدَين سوف يؤدّي إلى مأزق لدى الحكومة النرويجية". بموقفها هذا وضعت كايد حكومة سولبيرغ في حَرج قانوني، لا سيّما حين عدّت فصل الأطفال عن ذويهم "أشبه بخرق لالتزامات النرويج إزاء اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان". وقد أضافت كايد في تصريحاتها للقناة التلفزيونية الرسمية أنّها تشعر "بخيبة أمل إزاء انتظار الأطفال كل هذا الوقت قبل الذهاب لمساعدتهم في عودتهم إلى النرويج".




تجدر الإشارة إلى أنّ الأطفال المعنيين وُلدوا في النرويج أو في "مناطق النزاع المسلح"، سورية والعراق، لوالدَين أو أحدهما من الحاصلين على حقّ الإقامة في النرويج من دون أن يكونوا من الجنسية النرويجية. وتصرّ رئيسة الوزراء - وتحالف يمين الوسط - على رفض عودة أمهات الأطفال، وقد صرّحت في نهاية الأسبوع المنصرم بأنّ "الأولوية هي لإحضار الأطفال اليتامى الذين فقدوا ذويهم في الحرب، وذلك من خلال التعاون مع دول أوروبية أخرى في هذا السياق".

في محاولة للتخفيف من حدّة السجال القائم، أعلن وزير العدل النرويجي، يوران كالمير، في الرابع من مايو/ أيار الجاري، عن توصّل حكومة أوسلو إلى اتفاق حول آليات التعاطي مع أطفال مقاتلي "داعش" الموجودين في مخيّم الهول السوري أو الأفراد المتبقين من أسر المقاتلين. وفي خطابه أمام مؤتمر حزب التقدّم، (يمين الوسط)، ذكر كالمير أنّ حكومته قررت "تجريد البالغين الذين سافروا للانخراط بتنظيم داعش من إقامتهم المؤقتة والدائمة ومنع عودتهم إلى النرويج"، مكرراً أنّ هؤلاء الذين سافروا إلى سورية والعراق وحملوا السلاح "يمثّلون خطراً على الحياة في المجتمع النرويجي وقيمه. بالتالي لن يُستعاد أيّ شخص منهم بمساعدة من سلطات بلدنا".

بإسقاط الإقامة عن البالغين تسقط كذلك حقوق أساسية لهم في النرويج، وتصير استعادة الصغار من دون من بقي من الأهل على قيد الحياة أمراً وارداً، على الرغم من السجالات حقوقية التي بدأت تظهر بعدما وجّه وزير العدل إلى دائرة الهجرة، أوّل من أمس الإثنين، في السادس من مايو/ أيار، ما سمّاه "تعليمات ينبغي الالتزام بها لمنع أيّ تواصل مستقبلي أو مطالبة بالأطفال المقررة استعادتهم". وعلى الرغم من إقرار كالمير بـ"الحق القانوني في لمّ الشمل بين الأطفال وآبائهم"، فإنّه شدّد على أنّهم "أمام حالة خاصة". وبهدف استعادة الصغار من مخيّم الهول، تتّجه أوسلو، بموجب التعليمات الجديدة، إلى إجراء تحاليل الحمض النووي للتأكد من صلة هؤلاء الصغار بالنرويج. وتركّز حكومة أوسلو، بحسب كالمير، على قطع الطريق المستقبلي أمام عودة أيّ من الوالدَين إلى البلاد، "فنحن لا نريد أن يُقال إنّ أحدهما قُتل في المعارك وفجأة يظهر ليطالب بالالتحاق بأطفاله وممارسة حقّ الحضانة على أراضينا، فمن شأن ذلك التأثير سلباً عليهم (الأطفال) وعلى مستقبلهم".

وفي حين صرّح كالمير بأنّه "غير متأكد من العدد الكامل للذين سوف يُجرّدون من الإقامة ويُمنعون من العودة إلى البلاد"، تشير تقديرات إعلامية، نقلاً عن جهاز الاستخبارات النرويجي، عن نحو 30 بالغاً "من دون توفّر معلومات دقيقة حول عدد الذين قُتلوا"، بحسب الجهاز الأمني. لكنّ كالمير أكّد في السياق أنّ "من يحمل الجنسية النرويجية لن يُجرَّد منها".



في سياق متصل، تواجه أوسلو معضلة أخرى مع أطفال مواطنيها الموجودين كذلك في المنطقة. فتقديرات السلطات تشير إلى نحو 15 طفلاً من الذين يحمل أحد ذويهم الجنسية النرويجية، من دون أن يُعرف مصير ذوي هؤلاء. هل قتلوا أم أنّهم ما زالوا على قيد الحياة؟ من جهة أخرى، يعلو صوت حزب الشعب المسيحي المشارك في الائتلاف الحكومي، المطالب بـ"ضرورة استعادة أمهات الأطفال اللواتي سافرنَ مع أزواجهنّ". ويطالب الحزب بما سمّاه "انتهاج مبادرة تسمح لهنّ بالعودة مع الأطفال وثمّ عرضهنّ أمام محاكم عادلة للبحث في ما جرى".