فنجان قهوة

فنجان قهوة

27 مايو 2019
ماذا بعد شرب القهوة؟ (إدوين ريمسبيرغ/ Getty)
+ الخط -
لم تعتد شرب القهوة. وهي من الأشخاص الذين يفضّلون رائحتها فقط. والرائحة كافية بالنسبة إليها لتعديل المزاج. لكنّها شربت فنجانها كاملاً، وقلبته، وانتظرت أن تُرسم الخرائط التي ستخبرها إلى أين تأخذها الحياة.

كانت تضع يديها على الفنجان محاولة التأثير على نياته. ماذا يخبّئ لها البنّ بعد غليانه على النار؟ بقاياه ستحكي عن بقايا في داخلها وعن البقايا التي تركتها لها الحياة. كثيرون ممن عرفتهم أو لم تعرفهم، أخذوا معهم تفاصيل كانت تريدها لها. منذ اللحظة التي ولدت فيها، قيل لها إن الحياة لن تعطيها الكثير. والبشر فيها أنانيون والغلبة لهؤلاء القادرين على السير فوق أجساد أحياء آخرين.

لكنّ الفنجان قد يحمل لها بقعة ضوء. لا بد أن تكون موجودة في مكان ما. في صغرها، كانت تسمع كثيراً عن الفرج القريب. ولطالما شعرت بأنه يقف إلى جانب سريرها، كأنه ينتظر إشارة منها.

***

اعتادت شرب القهوة يومياً. هي من الأشخاص الذين لا يستطيعون بدء يومهم قبل تناول فنجانين على الأقل من القهوة المغلية بشكل جيّد. ويفاجَأ زوّارها لكثرة ما تغلي القهوة. وكأنها تفعل ذلك عن قصد، من دون أن يكون للأمر علاقة بمذاق القهوة. عادة ما لا تترك مجالاً للتأويلات. لا تترك حبة بنٍّ فيه علّها تأخذ مساراً في المساحة الصغيرة وترسم لها حياة أو تعيد رسمها.

وحين تُعرّف عن نفسها، تقول إنها عادة ما تسبق الأحداث في حياتها. وبكلام آخر، تعيش ذلك التحدّي مع الحياة، وترفض أن تكون أحداث حياتها رهن مزاجيّة الكواكب ومواقعها ودورانها. ثمّة دور لها في كل ما يحدث وسيحدث.

والفرج؟ لا تنتظره. تدرك أنّه لا وجود له، وقد اخترعه البشر بهدف تغذية قدرتهم على الصبر.

***

تعيشان في عالم واحد يعترف كثيرون فيه بقدرات القهوة الهائلة. الأولى تلجأ إلى القهوة لتعيش المستقبل، والثانية تلجأ إلى القهوة لتعيش اللحظة. وفي هذا، ينصح المعالجون النفسيون بالتكيّف مع اللحظة. فالدماغ ليس في حاجة دائماً إلى الغوص في الماضي أو المستقبل. وكأن هذا ليس من شأنه. عليه إذاً العيش في زمن واحد، من أجل راحة أكبر وبشرة أكثر نضارة.




وإلا، فهي (الأولى) على موعد مع الكثير من القصص ستخبرها إياها الكثيرات من القادرات (على حد قولهن) على قراءة المستقبل، بعد هذا التلاقي بين القهوة والفنجان والشفتين والأنفاس والروح.

وكلّ قارئة ستخبرها شيئاً منها، وكأنها ستعيش في ماضيهن ورغباتهن. وقد تستمرّ في تناول قهوة لم تحبها يوماً من أجل الفرج، الذي يبدو أنه تسلّل من شرفتها إلى مكان ما.

المساهمون