الخروج من الـ"تابو"

الخروج من الـ"تابو"

22 مايو 2019
الحرب زادت الانتهاكات بحق النساء (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
في العام 2012، وفي إحدى الدراسات التي قمنا بإعدادها حول الأسباب الأساسية التي دفعت النساء والأسر إلى ترك سورية، كان الاغتصاب والعنف الجنسي، كأحد أدوات الحرب الممنهجة، هو السبب الرئيسي. حينها، عشرات المقابلات كانت قد تمّت مع النساء والشابات، وفي جميع المقابلات، كانت الإجابة عامة ومشتركة: "سمعنا عن امرأة سمعت عن امرأة أخرى أنه قد حصل معها كذا وكذا...". حين نُشِرت الدراسة، أراد أحد الصحافيين الأجانب "المتحذلقين" إجراء مقابلة حولها، ولوقاحته، بدأ بأن تساءل عما إذا كان الاغتصاب كسلاح حرب هو مجرد "خرافة أو أسطورة حضرية" بما أنه لم يتم توثيق أية حالة بصددها. لعل امتيازاته الذكورية والعرقية حالت دون معرفة مدى صعوبة وربما استحالة إعادة إحياء حادثة الاغتصاب والعنف الجنسي لدى النساء الضحايا والناجيات لا سيما في ظل مجتمع لا يزال فيه المجرمون يتمتعون بالحصانة، وطرق تحقيق العدالة غالباً ما تكون مسدودة.

اليوم، وبعد ثماني سنوات، لا يزال من الصعب جداً على الضحايا والناجيات من الاغتصاب في سورية التحدث عن الأمر. ما تعرضت وتتعرض له النساء والشابات في سورية، أكان في السجون والاعتقال على أيدي النظام أو أثناء مداهمة المنازل أو على الحواجز ومن قبل الشبيحة، لا يمكن وصفه. لكن اليوم، بدأت النساء بالتحدث عن الأمر. باتت لدى بعض النساء القوة لتقديم شهاداتهن. وبدأ المجتمع، وإن بشكل خجول وتدريجي، بتغيير مواقفه تجاه الأمر.

لن يكون التغيير تلقائياً ولا راديكالياً. ولن نتوقع من المجتمع أن يحتضن الضحايا، جميع الضحايا، وأن يقوم بمحاسبة المجرمين سواء كانوا أنظمة أو أفراداً. لا تزال هناك الكثير من الأسر التي تسعى إلى قتل بناتها إذا كن معتقلات سابقات تحت مسمى "جرائم الشرف". لكن في المقابل، ثمة بعض النساء القويات. نساء قررن المواجهة الذاتية والموضوعية في ظل بيئة قانونية وقضائية واجتماعية وثقافية لا تزال قاصرة عن تحقيق العدالة. بعض الأسر في المجتمعات المحافظة السورية، بتن يعتبرن أن الناجيات من الاغتصاب هن ضحايا وجرحى حرب. الحالات لا تزال فردية، وتعتمد إلى درجة كبيرة على قدرة النساء وحظهن. قدرتهن على المواجهة، وحظهن بأن ينتمين إلى بيئة أسرية واجتماعية أكثر انفتاحاً نسبياً، وبأن يحظين بشبكة دعم نسوية قادرة على تمكينهن ودعمهن.




لم يعد مسموحاً النكران الجماعي لحصول جرائم الاغتصاب سواء بعدم التحدث عنه وتسمية المجرمين، أو بـ"طمطمة" الأمر والسكوت عنه من قبل الأسر، أو بقتل النساء الضحايا. يبقى الرهان أن تخرج المسألة من كونها حالات فردية، وأن يُحاسب النظام وكل المجرمين على العنف الجنسي لتحقيق العدالة المطلقة للناجيات.

*ناشطة نسوية

المساهمون