فرنسا تشهد تراجعاً في التبرعات الخيرية

فرنسا تشهد تراجعاً في التبرعات الخيرية

13 مايو 2019
وجهات التبرعات مختلفة (آلان بيتون/ Getty)
+ الخط -

تراجعت التبرعات للجمعيات الخيرية فجأة في فرنسا إلى أدنى مستوى منذ عقدين، على الرغم من الانطباع المعروف عن الفرنسيين بأنّهم متبرعون بسخاء، وذلك يعود إلى ظروف اقتصادية مختلفة

الفرنسيون يتبرعون بسخاء عادة. يكفي للتأكد من هذا رصد عدد الجمعيات والمؤسسات الخيرية في فرنسا، وتلك الفرنسية الناشطة في الخارج. لكنّ العام الماضي سجل انخفاضاً في التبرعات. وهو انخفاض غير مسبوق في البلاد منذ عشرين عاماً، فقد تدنى مستواها بنسبة 4.2 في المائة، بحسب موقع "فرانس جينيروزيتي" الذي يعتبر الناطق باسم النقابة المهنية للجمعيات والمؤسسات التي تجمع التبرعات، ويرصد عمل الجمعيات الخيرية وتفاعل الفرنسيين معها.

من الأمور التي تفسر الأمر، الإصلاحات الضريبية، فقد انخفضت الهِبات التي تصل إلى المنظمات والجمعيات الخيرية تبعاً لـ"الضريبة على الدخل" وبلغت نسبة الانخفاض 54 في المائة مقارنة مع 2017. وقدّرت هذه الخسارة بما بين 130 و150 مليون يورو.




بالإضافة إلى هذا، فقد سجّل عزوف كثير من المانحين الأوفياء عن التبرع. ويتعلق الأمر بمواطنين أخبروا المنظمات والجمعيات التي كانوا يتبرعون لها، بانتظام، وقف هباتهم، لأسباب مالية، أي نقص إمكاناتهم. كذلك، فإنّ إجراءات إيمانويل ماكرون التي فرضت ضريبة "المساهمة الاجتماعية المعممة" حتى على المتقاعدين، ساهمت في الوضع الحالي، بشكل رئيسي. وقد شهدت فرنسا، بشكل استثنائي، بعد فرض هذه الضريبة، خروج متقاعدين للاحتجاج على الإجراءات الحكومية.

يورد موقع "فرانس جينيروزيتي" إحصاءات مقلقة، تكشف أنّ 18 في المائة من المانحين المتقاعدين، بدأوا، من شهر أغسطس/آب الماضي، تقليص تبرعاتهم، بسبب وطأة هذه الضريبة الجديدة عليهم، فيما كشف 20 في المائة عن نيتهم تقليص تبرعاتهم.

وعلى الرغم من أنّ الفرنسيين، عموماً، ما زالوا أسخياء، فالمنظمات والجمعيات التي تقوم بجمع هذه التبرعات تجد صعوبة في الوصول إلى مانحين جدد، بسبب ما ترى أنّه "سياق ضريبي واجتماعي غير مسبوق". ويعرف الفرنسيون جيداً، بسبب الشفافية التي تحرص المؤسسات والجمعيات على إبدائها، أنّ أموالهم تذهب إلى المكان الذي يرغبون فيه. وهي متعددة، تشمل مساعدة المعوزين والأشخاص ذوي الإعاقة، وأيضاً الأقليات، كما تشمل حماية البيئة والحيوانات، بالإضافة إلى تعزيز البحث حول الأمراض النادرة، والبحث حول إيجاد علاجات لأمراض منتشرة كالسرطان والسكري وفقدان المناعة المكتسب (إيدز) وغيرها.

وحتى تحثّ الفرنسيين على مواصلة التبرع، تذكّر "فرانس جينيروزيتي" بأنّ المؤسسات والجمعيات في حاجة إلى هذه التبرعات بسبب الاحتياجات المتزايدة لها. وتستعرض أرقاماً ونسباً تكشف حجم التبرعات في قطاعات متعددة. فالقطاع الطبي-الاجتماعي والإيواء الاجتماعي تبلغ التبرعات فيه 4 في المائة من مجموع مليارين و360 مليون دولار أميركي. وفي قطاع البحث العلمي والطبي، تبلغ التبرعات 49 في المائة من مجموع 674 مليون دولار. أما قطاع التربية والتكوين، فتبلغ التبرعات فيه 23 في المائة من مجموع 582 مليون دولار. وفي قطاع الصحة، تصل التبرعات إلى 20 في المائة من مجموع 739 مليون دولار. أما التضامن الدولي فتصل التبرعات فيه إلى نسبة 41 في المائة، من مجموع مليار و460 مليون دولار، بينما تصل نسبة التبرعات في قطاع التضامن داخل الأراضي الفرنسية، إلى 67 في المائة من مجموع 449 مليون دولار. وأخيراً، بالنسبة للحقوق الإنسانية، يتبرع الفرنسيون بنسبة 76 في المائة من مجموع 35 مليون دولار، في حين تصل التبرعات من أجل حماية البيئة والحيوانات إلى 73 في المائة من مجموع 118 مليون دولار.

وتعرف الجمعيات والمنظمات أنّ حثّ الفرنسيين على التبرع يجب أن يتواصل، فلا شيء نهائياً، وبالتالي، فثمة أمل في استرجاع المانحين الأوفياء، والذين يمكنهم التأقلم مع المستجدات الضريبية والعودة إلى التبرع. وتكشف عن بعض الملامح لهذه العودة، ومنها تراجع الرئيس إيمانويل ماكرون، بسبب أزمة "السترات الصفراء" عن بعض الإجراءات الضريبية، ومنها إعفاء كثير من المتقاعدين من ضريبة "المساهمة الاجتماعية المعممة" وربطها بالتضخم بالنسبة للبقية ممن يؤدون هذه الضريبة. وبما أن المنظمات والجمعيات تشغل قطاعات واسعة، من محاربة الفقر إلى التعليم والتكوين إلى الصحة والبحث الطبي والعلمي إلى حماية الحيوانات والبيئة، فهذا الانخفاض لم يشمل جميع القطاعات ولم يكن بنفس الحجم والدرجة.




الجاليتان العربية والمسلمة، وهما وراء معظم التبرعات التي تتلقاها جمعيات خيرية عربية وإسلامية في فرنسا، تعانيان أيضاً من أوضاع اقتصادية وضريبية حادة. لكنّ هذا الانخفاض الذي عرفته جمعيات ومنظمات فرنسية، ليس له انعكاس مباشر على عمل الجمعيات العربية والإسلامية، إذ إنّ الجمهور الذي يتبرع، كما يفسر لـ"العربي الجديد" الباحث الفرنسي علي بوكبوس "له، في معظم الأحيان، قناعات دينية، وهو غالباً ما يتبرع وإن كان فقيراً. وغالباً ما تكثر التبرعات في شهر رمضان، وفي أيام الجمعة في المساجد، إذ يأتي ممثلو الجمعيات لشرح غايات التبرعات، ومؤخراً، جرى التبرع لحفر آبار في دول أفريقية". يشير بوكبوس إلى أنّ تبرعات المسلمين، غير منتظمة، إذ "من النادر رؤية متبرع يقدم، بصفة شهرية، مبلَغا معينا لجمعية معينة"، وبالتالي فإنّ "التبرعات خارج الصدقات والزكاة والنذور نادرة، وهو ما تفطّنت له الجمعيات فبدأت، منذ فترة قصيرة، تنظّم حفلات خيرية، تحقق مداخيل أكثر".