التجربة الماليزية لتشغيل الخريجين

التجربة الماليزية لتشغيل الخريجين

11 مايو 2019
تجربة تنموية مذهلة (مود رسفان/ فرانس برس)
+ الخط -
هناك كثير من التجارب التي يمكن أن نستفيد منها - نحن العرب - في أرجاء هذا العالم. وهي تجارب تؤكد أنّ هناك إمكانات متاحة لتحقيق التقدم والتنمية واللحاق، إن لم يكن بركب الدول الأكثر تقدماً، فالأقل منها بدرجات، وبالتالي مواجهة المشكلات العديدة التي تعترضنا، بما فيها مشكلة بطالة الخريجين.

يبلغ عدد سكان ماليزيا أكثر من 31 مليون نسمة وفيها أصول عرقية متعددة هي: الماليزية، والصينية، والهندية، ولديها عقائد متنوعة: الإسلام، والمسيحية، والبوذية، والهندوسية. ويصل معدل النمو السنوي الإجمالي إلى نحو 4.1 في المائة، ونصيب الفرد من هذا الناتج هو 8800 دولار أميركي.

من خلال مسار نهضتها وقضائها على البطالة، اعتمدت البلاد على تحسين رأس المال البشري من خلال تنمية الأوضاع المعيشية والتعليمية والصحية للسكان الأكثر حاجة. فقد انتهج مهاتير محمد سياسة تعتمد على تنمية متوازنة لمختلف المناطق والقطاعات والأعراق، ما أدى إلى تقليص الاختلالات والفوارق الاجتماعية، ونهض بالتعليم وأرسل بعثات طلابية إلى الخارج، خصوصاً إلى اليابان لتعلم التكنولوجيا الحديثة، واستحضر خبراء يابانيين لتوفير تدريب نوعي ومتقدم للعناصر والكوادر الماليزية.

قادت هذه السياسة بموجب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الماليزية إلى انخفاض نسبة البطالة إلى نحو 2.9 في المائة، وهو ما يشير إلى خلو البلاد من البطالة بحسب المعايير الدولية التي تعتبر أيّ دولة خالية من البطالة إذا قلّت نسبة العاطلين من العمل فيها عن 4 في المائة. ويحصل نحو 60 في المائة من طلاب الجامعات على عمل حال تخرجهم، خصوصاً من درسوا مجالات الهندسة والحاسوب والتكنولوجيا، في حين يتأخر الباقون بسبب انخفاض الطلب على تخصصاتهم.

وكي تبلغ ماليزيا هذا المستوى خصصت صندوقاً بقيمة 83 مليون دولار للتدريب ضمن برنامج إنماء اقتصادي يهدف إلى تطوير مهارات العمال وتقليل معدلات البطالة، ورصدت 2.2 مليار دولار لتنمية الاقتصاد بفروعه ما يستوجب تطوير مهارات العمال ويقلص من البطالة. وعملت الحكومة والجامعات على تطوير التوأمة مع نظيراتها في الدول المتقدمة، لا سيما في اليابان وبريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، مع تركيز مضاعف على المعاهد والكليات التقنية والهندسية والاقتصادية والإدارية.




كذلك، تبنت الحكومة حزمة قوانين متعاقبة تنظم بيئة العمل، وتضمن حقوقاً منصفة للقوى العاملة، وسعت إلى تصدير عمالة ماهرة إلى الخارج لغرض امتصاص التسرب الناتج عن تسريح هذه العمالة من المشاريع المتعثرة. وحالياً توفر الحكومة محفزات ضريبية للشركات المحلية مقابل استيعاب أكبر قدر ممكن من القوى العاملة، وهو ما ينص عليه قانون التحفيز الوظيفي للعام 1972، الذي يتضمن حسومات ضريبية تتناسب وحجم التوظيف. وتتمتع هذه الشركات بمنح حكومية وتسهيلات في جزئيات التدريب ورفع قدرات موظفيها، لا سيما في قطاعات الصناعات الإلكترونية الفائقة. وتدعم الحكومة وكالة التوظيف التابعة لوزارة الموارد البشرية الماليزية ووكالات التوظيف التابعة للقطاع الخاص التي يزيد عددها عن 800 وكالة مرخصة رسمياً، وجميعها تسعى إلى تأمين العمل للخريجين.

*باحث وأكاديمي

دلالات

المساهمون