فرح عبد الله تسير نحو حلمها

فرح عبد الله تسير نحو حلمها

09 ابريل 2019
في محلها الصغير (العربي الجديد)
+ الخط -
في مخيّم نهر البارد (شمال لبنان)، البعيد عن عجلة الحياة اليومية في مدينة بيروت، تعيش فرح عبدالله (29 عاماً)، مع زوجها وابنها الصغير الذي يلازمها في عملها. تحاول أن تبني لنفسها أرضاً تنطلق منها إلى العالم الأرحب الذي يستوعب كثيرين. لدى هذه المرأة طموح. على الرغم من الظروف القاسية، بدأت تسير نحو تحقيق حلمها.

من أجل ابنها الذي يبلغ من العمر سنة وسبعة أشهر، تعمل طيلة النهار لتستطيع بناء مستقبل يعينها على تخطي الحياة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها. تحلم فرح بتصميم الأزياء، هي التي ولدت من قلب المعاناة، وعاشت في مخيم البداوي مع والدتها التي اضطرت للعمل بعد وفاة زوجها في فرن للمناقيش لتعيل أولادها. كانت فرح أكبر أشقائها، وما زالت تذكر المعاناة الناتجة عن وفاة والدها.

"سنترال"

نجحت فرح في الحصول على شهادة البكالوريا الرسمية اللبنانية، وكانت حينها تعمل في "سنترال" لتعيل نفسها، وتساعد أمها في تأمين مصاريف أخرى. وقد عملت في السنترال لمدة أربع سنوات. تقول فرح: "بعد نجاحي في الشهادة الرسمية، لم أتمكن من الالتحاق بالجامعة، لأن أمي لم تكن قادرة على تأمين مصاريفي. لذلك، اغتنمت فرصة قدمتها لي أنيرا، التي تساعد في تأمين نفقات التعليم. بالفعل، ذهبت إلى مركز الصمود في مخيم البداوي، لأتقدم بطلب لهذه المنحة. قدّمت الطلب ونجحت في الحصول على منحة تعليمية لمدة سنتين. بالفعل، التحقت بجامعة الكفاءات المهنية في بيروت بتخصص تصميم الأزياء".

تتابع فرح: "قدمت لي أنيرا كامل التسهيلات، بدءاً من بدل إيجار السيارة التي كانت تقلني إلى المعهد، مروراً بالمواد التي اشتريتها من أجل التعليم والدفاتر والأقلام والقماش والخيطان والطعام وغيرها". وتوضح: "واجهت تحديات كثيرة، خصوصاً من قبل أهلي الذين عارضوا انتقالي إلى بيروت. كنت أنام في المعهد من الإثنين وحتى الجمعة. لكنني صمّمت على الالتحاق بالمعهد والتعلم من أجل تحقيق هدفي. وأمام إصراري، وافق أهلي ضمن شروط معينة. لذلك، كنت أبيت في الجامعة. وفي حال أردت الخروج من الجامعة، كانت الإدارة تتصل بأهلي للحصول على موافقتهم. لكن هذا الأمر زال بعد نجاحي".

تضيف: "واجهت مشكلة في الجامعة لأنني كنت المحجبة الوحيدة. كانت الفتيات ينتقدنني ويستهزئن بي، لكنني لم أهتم. وعلى الرغم من انزعاجي من بعض الأمور، كنت أدرك أن علي تحقيق هدفي". وتتابع: "اخترت دراسة التصميم لأنني أحب هذا التخصّص، علماً أن في الجامعة تخصصات عدة".

دار أزياء

بعدما أنهت فرح دراستها، فكرت في فتح محلٍّ للخياطة والتصميم. وتطمح لأن تكون قادرة على فتح محل كبير في المستقبل. حصلت من صديقة على أربعة ملايين ليرة لبنانية (نحو 2670 دولاراً)، واشترت ماكينات حتى تعمل عليها. ولأنّ دخل محل الخياطة لا يكفي، اضطرت إلى العمل في عيادة طبية. تعمل من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، بعدها، تعود للعمل في محل الخياطة حتى التاسعة مساء.

ومن خلال العمل في الخياطة، نجحت في سدّ نصف المبلغ الذي كانت قد استدانته، علماً أنّها تدفع بدل إيجار شهري لمحلها. تتابع فرح أنها بدأت العمل قبل أن تتزوج لأنها تحب أن تكون فاعلة في المجتمع. وفي ما يتعلّق بالمحل، تقول إنّها تعمل على تطويره. لذلك، أضافت إليه الشالات وملابس النوم والملابس الداخلية. تضيف أن "من يرغب في تطوير نفسه يجب عليه أن يقتصد في المصاريف حتى يستطيع أن يطور نفسه. لذلك، لا أستطيع التبذير أو صرف ما أتقاضاه من المحل. وبالكاد أشتري بعض الحاجيات الضرورية".



تحلم فرح بأن تصبح لديها دار أزياء ضخمة. وعلى حدّ قولها، ستواصل العمل حتى تصل إلى هدفها، علماً أنها اختارت أن تفتح محلاً لتكون حرة. برأيها، "العمل عند الناس مذلة، وقد تعبت من العمل في أماكن مختلفة". بدأت فرح العمل عندما كانت في الصف التاسع أساسي، وتابعت العمل والتعليم من أجل أن تصل إلى هدفها، الذي لن يثنيها عنه شيء. هدفها اليوم تسديد المبلغ المتبقي من الدين الذي حصلت عليه من صديقتها، لتوفر مبلغاً يعينها على تطوير عملها، وشراء ما تحتاجه من أقمشة ومواد الخياطة، بهدف تصميم الملابس وبيعها في محلها.

رفضت فرح الاستسلام على غرار كثيرين. تؤمن أنّ تحقيق أي حلم يتطلّب تضحيات، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في المخيمات. وطالما أنها تعرف طريقها، تُدرك أن النجاح ممكن، ولو بعد حين.

المساهمون