روس يتعلمون لغة الضاد في منبعها

روس يتعلمون لغة الضاد في منبعها

09 ابريل 2019
لوحة للفنان العماني سامي الغاوي (توماس لونز/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد فوزها بمسابقة في اللغة العربية نُظمت بالتعاون بين السفارة القطرية بموسكو والمدرسة العليا للاقتصاد، تستعد الطالبة دينارا يانبيكوفا للسفر إلى الدوحة لمدة عام لدراسة لغة الضاد في جامعة قطر وتتطلع من خلالها إلى تعميق المهارات اللغوية، والاندماج في الحياة اليومية لبلد عربي. لم يكن الطريق إلى الفوز بالمسابقة سهلاً، وفق ما توضح دينارا، لـ"العربي الجديد": "كان وقت الاستعداد ضيقاً، فلم يبق لي خيار سوى أن أخصص 14 ساعة يومياً للاطلاع على المواد والكتب، ووصلت بي الحال إلى عدم استيعاب المعلومات، لكنّني بذلت أقصى جهدي".

لن تكون قطر أول بلد عربي تزوره دينارا، إذ سبق لها السفر إلى كلّ من المغرب ولبنان وفلسطين والأردن ومصر. تصف انطباعاتها عن تلك الزيارات: "لم يكن أيّ بلد يشبه الآخر، بالرغم من أنّها جميعاً تنتمي إلى المنطقة نفسها، فكلّ بلد له هويته الخاصة في ظل اختلاط المكونات القبطية واليونانية والعثمانية والإسلامية والفرعونية وغيرها". تضرب مثلاً على ذلك في مصر التي تجمع ثقافتها في آنٍ معاً بين التراث الفرعوني والمقدسات المسيحية والمساجد الإسلامية وعمارة تعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني. بعد نحو خمس سنوات من تعمقها في دراسة لغة الضاد، باتت الثقافة العربية جزءاً لا يتجزأ من شخصية دينارا، ففي لحظات الحزن والحنين، تتذكر أبيات الشاعر الفلسطيني محمود درويش، صاحب القصيدة الشهيرة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". جاءت مسابقة اللغة العربية التي حلّت فيها دينارا بالمرتبة الأولى، في ختام عام الثقافة القطرية الروسية في 2018، وأسفرت عن فوز ثلاثة طلاب روس بمنح للدراسة بجامعة "قطر" لمدة عام دراسي كامل.

لا تمنع صعوبة اللغة العربية بعض المستشرقين الروس من إتقانها بشكل تام والالتحاق بالعمل في مجالات الترجمة والصحافة والبحث العلمي، بعدما سافروا بشكل متكرر إلى بلدان عربية خلال مسيرتهم الأكاديمية والمهنية. المترجمة الروسية كسينيا واحدة من هؤلاء، إذ سبقت لها زيارة كلٍّ من فلسطين، ولبنان، وسورية قبل اندلاع الحرب عام 2011، ومصر عدة مرات. تقول لـ"العربي الجديد": "كانت فلسطين أكثر بلد أثار إعجابي، بينما أبهرني لبنان بتنوعه. لكنّ أطول تجربة بين الدول العربية كانت لي مع مصر، إذ درست بجامعة حلوان لمدة ثلاثة أشهر، وتدربت بمكتب إحدى وكالات الأنباء الروسية الكبرى في القاهرة، وتجولت بين مختلف المدن المصرية". بعد عودتها إلى موسكو، واصلت كسينيا مسيرتها مع اللغة العربية بين التدريس بالجامعة التي تخرجت فيها، وعملها محررة ومترجمة بالأقسام العربية بوسائل الإعلام الروسية الرائدة، وهو ما مكّنها من الوصول إلى مستوى لا يتيح لها الترجمة من العربية فحسب، بل إليها أيضاً من دون أيّ أخطاء لغوية أو نحوية.

لمّا كان نحو 20 مليوناً من سكان روسيا من المسلمين، يسعى العديد منهم لتعلم اللغة العربية والسفر إلى المنطقة العربية، إذ يجدون ثقافتها قريبة من هويتهم الإسلامية. عبد الكريم، شاب يقيم في موسكو منذ صغره تعود أصوله إلى جمهورية قبردينو - بلقاريا في شمال القوقاز، بدأ مشواره مع اللغة العربية بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، وتخللته زيارتان إلى بلدين عربيين، وهما لبنان والأردن، للدراسة والتدريب اللغوي. يقول لـ"العربي الجديد": "تركت الزيارتان انطباعات إيجابية جداً، إذ شعرت بطيبة سكان البلدين وقرب الحضارة الإسلامية، لكنّني واجهت صعوبة في فهم اللهجات المحلية واحتجت إلى وقت لتجاوزها". وحول نتائج زيارتيه، يضيف: "كانت الزيارتان مفيدتين للغاية في ما يتعلق بتطوير مهاراتي في اللغة العربية، إذ ساعدتاني في تجاوز الخجل عند التحدث بالعربية، كما تمكنت من تطوير حسي اللغوي والارتقاء بحصيلة الكلمات".




روسيا معروفة تاريخياً بمدرسة استشراق عريقة تمتد جذورها إلى الحقبة القيصرية وقد تطورت في الفترة السوفييتية وسط تمدد الاتحاد السوفييتي في مختلف بلدان الشرق الأوسط. وهناك حالياً أقسام للغة العربية في عدد من الجامعات الروسية الكبيرة. ومع انفتاح روسيا على العالم العربي، بات بإمكان الدارسين في تلك الجامعات السفر إلى الدول العربية لإحداث نقلة بمهاراتهم اللغوية والإلمام بالثقافة والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة التي تخصصوا فيها. تجدر الإشارة إلى أنّ اللغة العربية تدرَّس في عدد من الجامعات الروسية الرائدة، بما فيها "معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية"، و"معهد بلدان آسيا وأفريقيا" التابع لجامعة "موسكو"، و"المدرسة العليا للاقتصاد"، و"الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب"، و"الجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية" وغيرها، في موسكو ومدن أخرى.