المجتمعات المحلية وحماية الحياة البرية

المجتمعات المحلية وحماية الحياة البرية

01 مايو 2019
عرفت به نوعاً من غزلان الجبال النادرة (Getty)
+ الخط -
استوقفتني قبل عدة أشهر حادثة الظبي المنفلت وسط الشارع الإسفلتي، تطارده الصيحات والأبواق والسيارات الصغيرة. يشهق المارة دهشة إثر قفزاته الرشيقة، ولفتاته الخائفة، ووقع حوافره الصغيرة على الإسفلت وهياكل السيارات. راقبتهم يحاصرونه والفزع يتملكه حتى أمسكوا به، فاقتربت لأعرف به نوعاً من غزلان الجبال النادرة. من أين جاؤوا به؟ وكيف؟ ولماذا يُقحم في بيئة لا تشبه بيئته الأصلية؟ أسئلةٌ ما كنت لأجد من يجيبني على أيٍ منها، إلا أنها حياتنا البرية المهملة مثلما هي حيوات أخرى.

كانت هذه الظباء، وأنواع أخرى من الثدييات الصغيرة كالأرانب والثعالب، وعدد من السنوريات وغيرها تشاركنا سُكنى الحقول والغابات، ومجاري المياه والتلال والمساحات حول القرى. لا يروّعها وجودنا إلا قليلاً، ولا يثير وجودها فينا إلا الدهشة. قفزت إلى ذهني صورة السيارات المجهزة بأدوات الصيد، وعلى متنها بجانب السياح القادمين من خارج البلاد عدد من أفراد قوة عسكرية معنية بحماية الحياة البرية، والعشرات من الحيوانات والطيور هي حصاد رحلة صيد يُدفع في مقابلها ما يمحو فقرات من قانون الحماية، ويفتح الطريق نحو المحميات الطبيعية. يومها قرأت في عيون المستخدمين لتلك العبّارة النيلية رفقة عربات السياح كثيراً من الغبن والمرارة. ومنهم من أكد أن هؤلاء ذهبوا برفقة الجنود، وإلا لما مكّنهم السكان هناك من فعلهم هذا. وطُرح يومها سؤال "لماذا تحمي الحكومة من يسرق حقوقنا، ويروِّع حيواتنا الوحشية والأليفة على حدٍ سواء؟".

في الدليل الإرشادي حول إدارة الموارد في الأراضي الجافة الصادر عن المعهد الدولي لإعادة بناء الريف الكثير من الصور التي تقتضي الوقوف عندها، واستلهام الدروس منها للحفاظ على ما تبقى من الموارد. فقد أورد الدليل العديد من الوسائل لحماية الحياة البرية بواسطة المجتمعات المحلية التي تفتخر بإحساس ملكيتها للموارد. فسكان المناطق الجافة تكيّفوا مع النظام البيئي القاسي، وعاشوا لقرون مع الحياة البرية، وقاموا بحمايتها وفق موروثاتهم، والطرق المحلية للسيطرة على الموارد، وكيفية استغلالها.




تكمن المشكلة الرئيسية في مناهج الحماية الفوقية المعتمدة على إقصاء السكان المحليين رغم أنهم يدركون أكثر من سواهم تفاصيل حياتهم ومواردهم بما فيها من حياة برية، كما يملكون وسائلهم الخاصة في بناء السياجات الاجتماعية حول مصادر مواردهم، فحياتهم هي الأكثر تأثراً باختفاء الأنواع وخلخلة التوازن البيئي. ففي الصومال مثلاً، اكتشف السكان المحليون أن الإبقاء على الظباء الوحشية حيّة يمكن أن يجلب لهم فوائد أكثر من صيدها، ذلك بعد تكثيف حملات التوعية للحفاظ على ظباء الدنكر والبوكيرك النادرة في مراعي البوران.

*متخصص في شؤون البيئة

دلالات

المساهمون