شباب تونسيون يجمّلون مناطقهم

شباب تونسيون يجمّلون مناطقهم

04 ابريل 2019
هكذا زينت بعض الجدران (العربي الجديد)
+ الخط -
حملوا الفُرش والألوان والأفكار التي يريدون رسمها على جدران قنطرة ساحة الجمهورية في العاصمة تونس، بعد طلائها باللون الرمادي، والتي كانت عليها رسومات لأكثر من 100 شاب. واختار عشرات الشباب إعادة تلوين أعمدة قنطرة القرش الأكبر تحت شعار "تونس الألوان"، في تحدٍّ لقرار وزارة التجهيز التي أذنت بطلاء الجدران باللّون الرمادي، ما أدى إلى استنكار عدد كبير من المواطنين ورفضهم طمس معلم فني ساهم فيه عدد كبير من الشباب لإضفاء جمالية على المكان.

ردّة فعل هؤلاء الشباب لقيت استحسان غالبية سكان العاصمة. ولم تكن تلك أوّل مبادرة تقوم بها مجموعة من الشباب لتغيير شكل المكان وتلوين جدرانه أو أرصفته.

وتكرّرت المبادرات التي ينظّمها شباب خارج أي إطار حزبي أو أي تحضير أو استعداد لتظاهرة ما في مناطق ومحافظات عدة. وهذه مبادرات عفوية تقرر فيها مجموعة من الشباب تغيير شكل حي أو منطقة من مدينتهم، سواء من خلال طلاء الأرصفة أو تشجير بعض الحدائق أو تنظيم حملات نظافة أو إصلاح بعض المؤسسات العامة. وقبل أيّام، تطوع عدد من شباب معتمدية سبيطلة في محافظة القصرين للقيام بعملية تنظيف وترميم ما أتلف في مسجد العبادلة في المنطقة، إثر نشوب حريق في الجزء المخصص للنساء لأداء الصلاة. وتكفّلت تلك المجموعة بكلّ مواد التنظيف والطلاء والتجهيزات الكهربائية، ليعود المسجد كما كان خلال أقلّ من أسبوع ومن دون الحاجة إلى تمويل حكومي.



في مدنين في الجنوب التونسي، أرادت مجموعة من شباب المنطقة في عام 2017 تلوين أرصفة الطرقات. اختاروا الألوان والزينة والزخارف نفسها لرسمها على بعض أرصفة الشوارع الرئيسية للمدينة. يقول محمّد فرحاني، أحد الشباب الذين شاركوا في تلك الحملة لـ "العربي الجديد": "اشترك في تلك الفكرة نحو عشرين شابا من مختلف الأعمار، تكفلوا بشراء الألوان ولوازم الطلاء، واستمر العمل نحو أسبوع". وفي وقت لاحق، قرر بعض سكان المنطقة التبرّع بالمال لشراء المزيد من الطلاء، والمشاركة في التزيين.

في منطقة القيروان، زُينت بعض أبواب عشرات المنازل بالألوان نفسها، وهُيّئت أحياء المدينة العتيقة بمشاركة مجموعة من شباب الجهة، ووضعت الأزهار والنباتات على امتداد بعض شوارع المدينة. وجمع هؤلاء الشباب بعض الأموال من تبرعات العائلات لشراء غالبية ما يلزمهم. وخصصوا يوماً في الأسبوع لتنظيف المكان، خصوصاً قرب جامع عقبة ابن نافع.

خلال العمل (العربي الجديد) 


صفوان ميدلاد أحد شباب المنطقة شارك تلك المجموعة في معظم ما قامت به، وباشر في تزيين بعض القباب والجدران بواسطة الخطّ العربي، علماً أنّ المنطقة تعد من أشهر المناطق التونسية التي تقام فيها بعض الاحتفالات الدينية على غرار المولد النبوي وليلة القدر. وباتت غالبية قباب المنطقة وبعض جدران العديد من المعالم الدينية ملوّنة بالخط العربي، بعدما اختار الشاب اعتماد أربعة ألوان لرسم تلك الخطوط العربية على حد قوله. يضيف أنّه ساهم في تزيين معالم عدة خلال نشاطات سابقة. كما شارك في نشاط لتجميل بعض شوارع القيروان تطوعاً، لأنّها منطقته التي يعيش فيها.

حملات التطوّع لم تشمل فقط الحدائق العامة أو الشوارع أو الأرصفة. اختارت مجموعات أخرى من الشباب في العديد من الجهات التونسية العمل على تحسين أشكال بعض المدارس أو دور الثقافة أو بعض المراكز العمومية. يقول سيف الدين الجلاصي لـ "العربي الجديد" إنّه اختار مرافقة مجموعة من الشباب لتنظيم مبادرة "نحن هنا"، والتنقل إلى مدارس عدة في جهات مختلفة لتحسين بعض المدارس ودور الشباب والثقافة، لا سيما في المناطق الحدودية أو تلك التي تعاني نقصاً وتغيب فيها أيّة نشاطات تثقيفية أو ترفيهية.



على صعيد آخر، يشير إلى أنّ مبادرته استهدفت المدارس بشكل أساسي نظراً لما تشكوه من بنية تحتية سيئة وانهيار. وعمل برفقة مجموعة من الشباب المغرمين بالمسرح على القيام بجملة من العروض المسرحية النقدية والتوعوية داخل المدارس، لا سيما في المناطق الحدودية قرب الجبال التي تتمركز فيها الجماعات الإرهابية لمكافحة كلّ أفكار التطرّف.

أكبر تلك المبادرات الشبابية ساهم فيها أكثر من ألف شاب من مؤسسات شبابية من مختلف محافظات الجمهورية، بهدف التدخل والمساهمة في عملية تنظيف عدد من المؤسسات والمساكن في محافظة نابل، التي تضررت من جراء الفيضانات الأخيرة، خصوصاً في سبتمبر/ أيلول الماضي. غالبية المدارس التي تضررت بسبب السيول استحقت موارد بشرية كبيرة للتدخل لتنظيفها من الأوحال، الأمر الذي يستغرق أياماً من تعطيل الدروس. وبمشاركة ألف شاب، نظّفت المدارس والمعاهد خلال وقت قصير، لتعود الدروس بعد أقل من أسبوع من انقطاعها. واستمرت أعمال ومساهمات هؤلاء الشباب حتى خارج أسوار المدارس، من خلال تنظيف بعض الشوارع والمحلات التجارية.

وبيّنت وزارة الشباب والرياضة أنّ بعض الشباب، الذين ساهموا في بعض تلك المبادرات، ينتمون إلى نوادي التربية على المواطنة والعمل التطوعي في المؤسسات الشبابية في مختلف المحافظات.