صراخ ولوح ذكي

صراخ ولوح ذكي

28 ابريل 2019
اللعب أساسي لنمو الأطفال (مارتن آيم/ Getty)
+ الخط -

صغارٌ يتحدّثون في ما بينهم أنّهم لا يحبّون مدرّسة اللغة العربية، على الرغم من كلّ النجوم التي تحويها دفاترهم. هم لا يحبّونها لأنّها تصرخ كثيراً. أطفال في عام 2019 ما زالوا يشكون بسبب مدرّسة تصرخ كثيراً، من دون أن تكون "لحظة الغضب" هي المبرّر أو السبب.

وبعد الصراخ، تُمسك الصغار من قمصانهم وتجرّهم إلى مقاعدهم. وللحفاظ على الهدوء في الصفّ، تطلب من أحد التلاميذ أن يكتب أسماء زملائه الذين يتكلمون على الّلوح. وفي لغتنا الدارجة، نقول إن فلان "يُفسّد" على زميل له، أو يشي به بسبب ما تعتقد المدرّسة أنه خطأ. إذاً، يفترض أن يجلس الصغار في الصف في انضباط تام ومن دون أي حركة. ويفترض أن يستمرّ ذلك ثماني ساعات حتى لا يستفزّ صراخهم أو همساتهم المدرّسين أو المدرّسات.

ويحدث أن تشجّع مدرّسة أو مدرّسين زملاء على الوشاية ببعضهم بعضاً في القرن الواحد والعشرين، وفي عام 2019. الفارق أن الاسم يكتب اليوم على اللوح الذكي.

الحديث في المفهوم التربوي لا يتعلّق بالأدوات فقط. ليس الطبشور ما يجعل التعليم تقليدياً أو حديثاً، بل المقاربة. كلّ وسائل التكنولوجيا لن تجعل الأطفال في مزاج جيّد ومقبلين على التعلّم إذا لم تكن حقوقهم مراعاة في الفصل. يحقّ للطفل أن يكون جزءاً من العملية التعليمية، وأن يكون صوته مسموعاً، وألّا يكون ممنوعاً من الحركة. بل يتوجب على المدرّسين إدخال الألعاب الحركية كجزء من التعليم أو ما يُسمّى الألعاب التحفيزية.

سابقاً، كانت لعبة الكراسي تقوم على الإقصاء. تدور مجموعة من الأطفال حول كراسٍ تنقصهم عدداً. وما إن تتوقف الموسيقى، يتوجب على كلّ طفل إيجاد كرسيّ يجلس عليه. والطفل الذي لا يستطيع إيجاد كرسي فارغ، يخسر ويخرج من اللعبة. حالياً، ووفق منظار حقوقي، بات الهدف من هذه اللعبة الإشراك والمساعدة. أي لا يخرج أحد من اللعبة حين يزال الكرسي تلو الآخر. بل على المشاركين في اللعبة التفكير في كيفية مساعدة بعضهم بعضاً والجلوس جميعاً على الكراسي المتوفرة.




المشكلة هنا ليست حصراً بالمناهج التربوية المعتمدة أو المدارس والمدرّسين. إذ إن نسبة لا بأس بها من الأهل ما زالت ترى في بعض الأساليب التربوية القديمة، على الرغم من قساوتها، أساساً سواء في البيت أو المدرسة.

لكنّ حين يستنكر طفل صراخ مدرّسة، قائلاً إنه قادر على الفهم أو التجاوب لو خاطبته بصوت منخفض، فهذا يدل على أن الأطفال تعبوا من هذه الأساليب المكررة، والتي لا تعكس تربية بل مجرّد وظيفة. المشكلة أنّها ستؤثّر في ما بعد على نفسيات أطفال سيكبرون.

المساهمون