ملصقات عراقية... تعبير عن الرأي بكلمات غريبة

ملصقات عراقية... تعبير عن الرأي بكلمات غريبة

26 ابريل 2019
بعض الملصقات تحمل عبارات دينية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
تتخذ الكتابة على الجدران والسيارات، في الفترة الأخيرة، في مدن العراق، منحى آخر يسخر من الواقع الذي تعيشه البلاد، بالإضافة إلى الرسائل التي يرغب صاحبها في إيصالها على طريقته الخاصة، سواء لعبارات يؤمن بصحتها أو لأمثال يراها تنطبق على واقعه أو واقع مجتمعه.

وبالرغم من تلويح شرطة المرور، في أكثر من مناسبة، بفرض غرامات مالية تصل إلى 50 ألف دينار (نحو 40 دولاراً أميركياً) لمن يضع عبارات أو شعارات على سيارته فالأمر تعدى سيارات الأجرة والنقل العام إلى السيارات الخصوصية في كثير من الأحيان، وصولاً إلى الحافلات والشاحنات وماكينات الإنشاء، وأيّ جسم حديدي متحرك، على حدّ وصف أحد ضباط شرطة المرور ممن اعتبروا الأمر ردّ فعل شعبي ووسيلة تعبير عن الرأي.

"نفيت واستوطن الأغراب في بلدي"، و"اثنين سبب خراب حياتي مرتي (زوجتي) والحكومة"، و"مو كلتلك كبل لا تموت (ألم أقل لك قبل أن تموت) ارجع خذهم يا بوش" في إشارة إلى الساسة الجدد في العراق بعد الاحتلال وحدث وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، وكذلك "المنطقة الخضراء والمشروبات الروحية مصطلحات تحتاج إلى إعادة نظر" و"كوم حجار ولا هالجار".

"عضة أسد ولا نظرة حسد" عبارة مشهورة في العراق، يقولها الناس ضمن أحاديثهم أو على سبيل المزاح، ولشهرتها واعتزازهم بها واعتقادهم بأنّها تعبر عن واقع حالهم، يكتبها بعضهم بخطوط جميلة ويعلقونها في محالهم أو سياراتهم.

وتشير هذه العبارة في مضمونها إلى تفضيل الشخص أن يعضه أسد على أن يتعرض للحسد، لكنّ المثير للاستغراب أنّ مجيد عبد الحسن، الرجل الفقير الذي يعمل في سوق بيع الأغراض المستعملة في منطقة الميدان بوسط بغداد علّق العبارة ذاتها على عربته، التي يحمل فيها بضاعته. عربة مجيد مصنوعة من الخشب، وهي بثلاث عجلات، وهي متهالكة كونها قديمة ويعمل عليها مجيد منذ سنين طويلة، فضلاً عن كون بضاعته التي يحملها في هذه العربة ويعرضها للبيع وسط السوق بضاعة قديمة رخيصة، وهي عبارة عن مواد منزلية مستعملة، وما يثير الاستغراب هنا، علامَ سيُحسد مجيد؟ فهل على عربته المتهالكة؟ أم بضاعته الرخيصة؟

لكنّ مجيد، الذي بات سبعينياً في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الحاسدين موجودون في كلّ مكان، حتى أنّ بين زملائه في المهنة من يحسدونه. يضيف: "أنا أحصل على بضائع جيدة وبأسعار رخيصة وأحياناً أحصل عليها مجاناً. بعضهم يعطفون عليّ ويعطونني مواد منزلية مستعملة وأنا أبيعها وأستفيد منها. بعض زملاء المهنة ينظرون إليّ بحسد وأنا أفترش بضاعتي في السوق وأجني ربحاً أكثر مما يجنون من عملهم". ما يجنيه مجيد من أرباح في اليوم الواحد من عمله الذي يستمر لنحو ثماني ساعات ما بين 5 و10 آلاف دينار (4- 8 دولارات)، وهو أجر ضئيل جداً، لكنّ مجيد يعيش وحيداً ويسكن داراً متهالكة بالقرب من مكان عمله، فهو لم يتزوج، ويقول إنّه لا يملك أقارب، وما يجنيه يكفيه للمعيشة".

بدوره، يلصق صفاء مهاوي، على الزجاج الخلفي لباصه عبارة "ناس تأكل دجاج وناس تتلقى العجاج (الغبار)" وهو مثل شعبي عراقي معروف، يصف في مضمونه من له حظ جيد ومرتاح البال بوصفه يأكل الدجاج، ومن يعاني من حظ سيئ مشغول البال بوصفه يتعرض للغبار.

مهاوي وهو طالب جامعي، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ هذا المثل ينطبق عليه بـ"التمام والكمال"، مبيناً أنّ أقرانه تخرجوا منذ ثلاثة أعوام من الجامعة، لكنّه حتى اليوم ما زال طالباً في السنة الثالثة. يضيف: "أجبرتني ظروف عائلتي على ذلك، فقد تركت الدراسة عامين في المرحلة الثانوية، ومثلهما في المرحلة الجامعية. احتياج عائلتي للمال بسبب مرض والدتي وحاجتها لإجراء عملية اضطرني للعمل ساعات طويلة في الباص لكي أسدد ديون جراحتها، ولكي أسدد نفقات المعيشة، خصوصاً أنّي بت المعيل الوحيد لعائلتي بعد وفاة والدي الذي كان يعمل على الباص نفسه". يستطرد: "أنظر إلى أصدقائي إنهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي. يمضون المساء في المقهى، وأحياناً يخرجون للتنزه أو يتزاورون، ويطلبون مني أن أترك العمل قليلاً وأخرج معهم، فأجيبهم بهذا المثل: "ناس تأكل دجاج وناس تتلقى العجاج، فيضحكون".

عبارات متنوعة تباع في متاجر زينة السيارات، لكنّ بعض الأشخاص يرغبون في لصق عبارات خاصة على سياراتهم أو دراجاتهم، وهنا يأتي دور الخطاطين. الخطاط علي حسن، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ بعض العبارات تصيبه بنوبة من الضحك، كونها غريبة ومضحكة في الآن نفسه، في حال ألصقها أحدهم على سيارته، مشيراً إلى أنّ "زبوناً يستمر في تغيير العبارات التي يبتكرها ليلصقها على دراجته النارية ولاحقاً على سيارته". يوضح: "هذا الشخص عرفته منذ أكثر من سبع سنوات، كان يملك دراجة نارية وربما فاق عدد العبارات التي كتبتها له وألصقها على دراجته الخمسين. قبل نحو عامين اشترى سيارة وباع دراجته ولم يترك عادته تلك، وباستمرار يأتي إليّ لأخطّ له عبارة جديدة بحسب ما يطلب".

من بين العبارات التي خطّها حسن لهذا الشاب "موت الكرفك (دعاء على شخص بالموت)"، و"غمض (أغمض) خشمك (أنفك)"، و"أحبك يا حمار" و"أنت صابونة حياتي" و"حمرة (حمراء) يا طماطة (يا طماطم)"، وغيرها. يضيف: "يقول لي إنّه أحياناً يوجه رسالة إلى شخص ما من خلال هذه العبارات وأحياناً يكون في حالة نفسية خاصة فيخرج بعبارة غريبة يحبها، فينوي كتابتها وطبعها ولصقها على سيارته، أو دراجته في السابق".


من جهتها، تقول غيداء سبهان لـ"العربي الجديد" إنّها تستمتع كثيراً وهي تقرأ عبارات ألصقها السائقون على سياراتهم، مشيرة إلى أنّ "مثل هذه العبارات أحياناً تنسيني هم الازدحام وأنا أجلس في الباص في أثناء عودتي من العمل إلى البيت".

ولا تختلف زينة عبد الخالق، في الرأي، إذ تلتقط صوراً بكاميرا هاتفها للعبارات التي تعجبها حين تصادفها على سيارات أو دراجات. تقول لـ"العربي الجديد": "غالباً ما تكون العبارات ملفتة ومضحكة، لذلك ألتقط لها الصور. أعتقد أنّ مثل هذه الكتابات إن لم تكن مسيئة للذوق العام أو للآخرين فهي جميلة وممتعة".