سريلانكا الألوان الزاهية

سريلانكا الألوان الزاهية

26 ابريل 2019
لأرواح من سقط ضحيّة حقد ضغين (فرانس برس)
+ الخط -
نكبة في سريلانكا. ما زالت أرقام الضحايا القتلى إلى ازدياد. الضحايا الجرحى كثر، والذين يعانون إصابات حرجة من بينهم كثر كذلك. الصور الفوتوغرافيّة المتداولة بالآلاف. بعضها لجثامين على أفرشة بيض تخلّلتها أزهار ملوّنة، في حين أُلبِسَت النساء أثواباً تقليديّة بألوان زاهية، أمّا الفتيات الصغيرات فبياض أثوابهنّ ضاهى نصاعة الأفرشة. اللون الأسود لم يطغَ على المشهد، مثلما اعتدنا في حالات الحداد ببلداننا العربيّة، ليختلط الأبيض بألوان ومزيد من الألوان... سريلانكا، تلك الجزيرة الخضراء، موطن للألوان الزاهية.

لقطات أخرى تصوّر مواكب نعوش في شوارع المناطق المفجوعة، وقد استهدفها حقد ضغين. وجهتها واحدة: مثوى أخير يرقد فيه ضحايا ذلك الحقد. الدموع غزيرة. رجال ونساء وأطفال يذرفون تلك الدموع. وأتذكّر دموع أنوريه وهو يودّع فرجينيا وميلاني، زوجته وابنتهما، لمّا رُحّلتا من لبنان إلى جزيرتهما الخضراء. يبدو أنّ دموع الرجال ليست عيباً في تلك البلاد. وتوثّقها الصور الفوتوغرافيّة.

ميلاني... عندما عادت فرجينيا إلى لبنان، لم تكن برفقتها. هي أودعتها لدى عمّتها، وقصدتْ مرّة أخرى البلاد التي رحّلتها. هدفها أوحد: جمع المال اللازم لتوفير تكاليف تعليم وحيدتها. ربّما كانت ميلاني في إحدى تلك الكنائس المستهدفة... ربّما أصيبت في أحد أنحاء جسدها الطريّ... ربّما قضت من جرّاء شظيّة. وماذا عن فرجينيا؟ وأنوريه؟ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عمّة ميلاني بوذيّة، غير أنّها لم تعترض يوماً على رغبة الوالدَين في ممارسة ابنتهما الطقوس المسيحيّة، لا سيّما أنّ أنوريه - شقيقها الذي تحبّه حبّاً جمّاً - تحوّل إلى المسيحيّة وقد وقع في غرام فرجينيا.

وأتردّد في الاتصال بصديقة وعدتني قبل أربعة أعوام بأنّها سوف تعود. حدث ذلك في مطار بيروت، من خلف الحاجز الفاصل المليء بالثقوب في سيارة الترحيلات، وهي تحاول الحفاظ على ابتسامتها المعهودة على الرغم من دموعها. هي وفتْ بوعدها، غير أنّني أخشى الاتصال بها. هل أهاتف أنوريه؟ لو وقع سوء لميلاني، لكانت أعلمتني بالتأكيد. ربّما هي في حالة انهيار. ربّما ليست بكامل وعيها. أعجز عن ردع نفسي عن تخيّل ميلاني في ثوب ناصع البياض ممدّدة على فراش أبيض كذلك تتخلّله أزهار ملوّنة، كما هؤلاء الفتيات في الصور الفوتوغرافيّة.




إنّها الساعة التاسعة والنصف مساءً. الانتظار طال. فرجينيا تبكي. ميلاني بخير. لم تكن في أيّ من تلك الكنائس. لكنّ خال فرجينيا وزوجته في عداد المفقودين. ابنهما المراهق لم يرافقهما إلى القدّاس، فنجا. في اليوم التالي، عُثر على الزوجَين. لم يُدفنا بثيابهما التقليديّة الملوّنة... كانا مجرّد أشلاء. للمرّة الأولى، تبدّدت ابتسامة فرجينيا. سوف أسجّل هذا التاريخ: 21 إبريل/ نيسان 2019.

دلالات

المساهمون