جامعات بريطانيا... تعاطي المخدرات منتشر بين الطلاب

جامعات بريطانيا... تعاطي المخدرات منتشر بين الطلاب

25 ابريل 2019
ضغط الدراسة عامل أساسي (Getty)
+ الخط -

تعرف بريطانيا بكونها من أعلى دول أوروبا في تعاطي المخدرات، وفي الوفيات المرتبطة بها، ما يشكل أزمة كبيرة، خصوصاً مع انتشار المنتجات المتنوعة للمخدرات في أوساط الشباب، ودخولها إلى الجامعات.

يتعاطى الشباب في بريطانيا الكوكايين، أكثر من أي وقت مضى. ستة في المائة ممن تتراوح أعمارهم بين 16 عاماً و24، من الجنسين، جرّبوا المادة البيضاء. ومن المرجح أيضاً أن تكون الأرقام التي أعدتها وزارة الداخلية، تقلل من أهمية استخدام الكوكايين لأنّها غالباً ما تستثني الطلاب والسجناء والمشردين، الذين يستخدمون عادة مخدرات غير مشروعة، بمعدّل يفوق المتوسط.

تواصلت "العربي الجديد" مع منظمة "شينج غرو لايف" المتخصصة في التدخل عند إساءة استخدام هذه المواد الضارة وفي العدالة الجنائية في إنكلترا وويلز، للتعرّف على أسباب ارتفاع نسبة استهلاك الكوكايين في البلاد. يقول الدكتور برون بيجرال: "شهدنا زيادة في درجة نقاء الكوكايين على أساس سنوي، مما أدى بدوره إلى زيادة في الطلب وزيادة في التوافر وانخفاض الأسعار". يضيف أنّ "الكوكايين يؤثر على الناس بأشكال مختلفة. وعلى الرغم من أنّ المستخدمين يبلغون عن إحساس بالنشوة والفرح، فإنّ كثيرين يقولون أيضاً إنّه يمكن أن يشعرهم بالاكتئاب والقلق، ويمكن أن يؤدي إلى ظهور مشكلات نفسية سابقة تؤثر على الصحة العقلية. كذلك، يمكن أن يكون الجمع بين الكوكايين والكحول خطراً بشكل خاص. فالكحول يشكل عامل إحباط بينما الكوكايين عنصر مثير، لذلك فإنّ الجمع بينهما يمكن أن يضع ضغطاً كبيراً على القلب والجهاز العصبي، وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي إلى نوبات قلبية. ويمكن أن يحدّ خلط الكوكايين بعقاقير أخرى من قدرة الناس على الإحساس بالمخاطر أو تفاديها، مما يعني أنّهم أكثر عرضة لأن يصبحوا في وضع خطير أثناء تعاطيهم للكوكايين. وتشمل المخاطر الأخرى لاستخدام الكوكايين الضرر الذي يلحق بالأنف والأذنين، وقد ارتبط هذا المخدر بشذوذ الدماغ لدى المستخدمين المنتظمين".

وجد مسح الجريمة لعام 2017 في إنكلترا وويلز أنّ واحداً تقريباً من كلّ خمسة بالغين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً قد تناول المخدرات في العام الذي سبق الإعلان عن الأرقام. لكنّ الرقم أعلى بكثير بالنسبة لطلاب الجامعات، إذ إنّ 2 تقريباً من كلّ خمسة طلاب جامعيين يتعاطيان المخدرات، بحسب دراسة صادرة عن اتحاد الطلاب الوطني. أمّا المخدرات الأكثر استخداماً، وفق دراسة استقصائية شملت 2800 طالب، فهي الحشيش، وحبوب النشوة (إكستسي)، وأوكسيد النيتروز، والكوكايين. ولم يتجاوز العقاب الذي اتخذته الجامعات بشأن تعاطي المخدرات، التحذير الرسمي الذي كان الأكثر شيوعاً، كإجراء تأديبي. ووجد تقرير اتحاد الطلاب، أنّ تعاطي المخدرات "سلوك شائع" إذ يستخدم 39 في المائة من الطلاب المخدرات، خصوصاً القنّب (الحشيش).




وفي محاولة للتعامل مع قضية انتشار تعاطي المخدرات على نطاق واسع في جامعات المملكة المتحدة، فرضت جامعة واحدة، سياسة خالية من المخدرات بين طلابها، فقد أعلن نائب رئيس جامعة "باكنغهام"، السير أنتوني سيلدون، أنّ الجامعة ستصبح الأولى في المملكة المتحدة، التي تطلب من الطلاب التوقيع على عقد يعد بعدم تعاطي المخدرات في ممتلكاتها.

"تعاطي المخدرات في الجامعات ليس أمراً جديداً" يقول نيل (57 عاماً) لـ "العربي الجديد". يتابع: "تعاطيت الحشيش مرة، وكان تأثيره سيئاً إذ شعرت بالإرهاق، بينما كان تأثيره مختلفاً على أصدقائي، إذ دخلوا في موجة من الضحك. لم أجرّبها مرّة أخرى لأنّني لم أرغب بذلك، لكن حين التحقت بجامعة هدرسفيلد (غرب يوركشير)، كانت هي المكان الذي اختبرت فيه أيضاً أنواعاً أخرى من المخدرات، مثل سبيد (ميثامفيتامين) وشعرت بطاقة خارقة وقدرة على الركض من دون توقف والتحدث بنشاط وحيوية لم أعهدهما في حياتي. أدركت مخاطر تلك المواد آنذاك ولم أتناولها مجدّداً". يضيف: "أدمنت بعدها الكحول لكنّي توقفت عن المخدرات". يستعيد ذكرى رحلة إلى سومطرة في إندونيسيا، وفيها جرّب ما يعرف باسم الفطر السحري، وبدأ يتخيل أنّ الأشجار تتحدّث إليه. يعلّق: "لست شخصية تدمن هذه المواد فضلاً عن أنني أدركت مخاطر الإدمان عليها".

في المقابل يقول أليكس (49 عاماً) وهو لبناني بريطاني لـ"العربي الجديد" إنّ الجامعة كانت المكان الذي اختبر فيه جميع أنواع المخدرات، وبما أنّه لم يمتلك ثمنها راح هو أيضاً يروّج لها ويجلب الزبائن كي يحظى بمخدرات مجانية. يلفت إلى أنّه يتعاطى حبوب النشوة، أحياناً، كما يتعاطى الحشيش منذ ثلاثين عاماً وبشكل يومي، لكنّه لم يدمن على أي نوع آخر من المخدرات التي جرّبها على اختلاف أنواعها. يضيف: "لم يكن للكحول مكان في حياتي، منذ عشر سنوات، لأنّ المخدرات كانت تحلّ مكانه". ويشير إلى أنّ بعض أنواع المخدرات التي كانت تمنحه الطاقة حين كان أصغر سناً باتت تشعره بالإرهاق حالياً. لا يعتبر أليكس نفسه مدمناً لأنّه يرى أنّ التوقف عن تعاطي القنّب لا يحتاج إلى أكثر من بضعة أيام، إن لم يكن من النوع الذي أضيفت إليه مواد إليه تجعله أكثر قوة. لكنّ العلاج من إدمان الكوكايين أو الهيرويين يحتاج إلى وقت طويل وإعادة تأهيل ويدمن عليه أي شخص خلال الأسبوع الثاني من تعاطيه. يعلّق أنّ متعاطي الكوكايين هم في أغلبهم من سائقي الشاحنات كونه يساعدهم على البقاء مستيقظين طوال الليل، وكذلك المحامين والأطباء، وبشكل عام طبقة المجتمع العليا.

طلاب في تظاهرة سابقة بلندن (تولغا أكمن/ فرانس برس)

من جهتها تقول نينا (23 عاماً) طالبة علم الجريمة، إنّ هناك أسباباً كثيرة لتعاطي الكثير من الأشخاص المخدرات، قد تكون لأسباب اجتماعية مثل تعاطي أصدقائهم لها أو بسبب ضغوط. تتابع أنّ مسؤولي الجامعة يدركون بأنّ هناك مشكلة مخدرات فيها، لذلك يحاولون عبر النظام الأمني وكلاب خاصة تقصي المخدرات للقضاء على هذه العادة، أو الحدّ منها على الأقل. تتابع: "بحسب معلوماتي، جرى توجيه إنذارات إلى بعض الطلاب لكنّي لا أعرف إن كان هناك طلاب فصلوا من الجامعة". تضيف نينا أنّها تعمل حالياً على مشروع عن المخدرات وبالتحديد عن القانون البريطاني الذي يطرح خيارين أمام متعاطي المخدرات في بعض الحالات: إمّا دخول السجن أو الخضوع للعلاج. وترى أنّ السجن ليس الحل لمتعاطي المخدرات كما لا يمكن إجبار أي شخص على العلاج، بل ينبغي البحث عن السبب الكامن وراء تعاطي المخدرات وحلّ تلك المشكلة كخطوة أولى.

ومن منطلق رأيها الخاص، ترى أنّ بعض أنواع المخدرات ينبغي أن تصبح مشروعة مثل كندا حيث شرّع استخدام القنب، وفي البرتغال حيث لا يجرّم أي نوع من المخدرات. وعلى الرغم من ذلك تظهر الإحصاءات أنّ نسبة التعاطي لم ترتفع بل في الواقع قد انخفضت، كما تقول. تتابع أنّه في عام 2009، جرت إقالة البروفيسور ديفيد نوت، كبير مستشاري المخدرات في الحكومة البريطانية، بعد يوم من زعمه أنّ معظم أنواع المخدرات أقل خطورة من الكحول. عبّر نوت عن خيبة أمله آنذاك بهذا القرار لكنّه ربطه باعتبارات سياسية، وقال: "السياسة هي السياسة والعلم هو العلم، وهناك نوع من التوتر بينهما في بعض الأحيان".



كذلك، وجد استطلاع، أجرته مؤسسة يوغوف أنّ 77 في المائة من جميع الطلاب أفادوا بإحساسهم بالخوف من الفشل، واعتبروا أنّ السبب الرئيس لتعاطي المخدرات هو ضغط الدراسة الجامعية. هذا الخوف من الفشل والرغبة في الحصول على درجات عالية، يؤديان إلى استعداد بعض الطلاب لفعل أي شيء، بالترافق مع استخدام "العقاقير الذكية" مثل مودافينيل وريتالين وأديرال التي تنتشر بين طلاب الجامعات، وفقاً لبعض التقارير. ويدّعي الطلاب أنّ استخدامهم لهذه المخدرات يعني أنّهم يستطيعون الدراسة لفترات طويلة ومكافحة الإرهاق. كذلك، وجد الاستطلاع، أنّ أكثر من ربع الطلاب أفادوا بوجود مشكلة صحية عقلية، وكان الاكتئاب والقلق، الأكثر شيوعاً. وتظهر هذه الدراسات أنّ استخدام المخدرات هو جزء كبير من تجربة الطلاب. وبالنظر إلى أنّ تناول المخدرات يحدث في الجامعات لأسباب عديدة، فإنّ الحظر الشامل على المواد ليس هو الحل. بدوره، يفيد موقع "ذا كونفيرسيشن" ويدعو الجامعات إلى اعتماد سياسات تهدف إلى تقليل التأثيرات الضارة، بدلاً من إدانة الطلاب أو حظر المخدرات ببساطة.

المساهمون