الحاجة إلى جمهور

الحاجة إلى جمهور

22 ابريل 2019
لهم موقف في كلّ قضية مهما كانت(باسكال بافاني/فرانس برس)
+ الخط -
على مواقع التواصل الاجتماعي تكررت حوادث لشخصيات بات يطلق عليها لقب "مؤثّرة" تكشف عن "أخلاقيات مذمومة ومواقف مرفوضة وأخطاء لا تغتفر لها"، ما أثار غضب قطاعات عريضة من مستخدمي تلك الوسائل، وامتد الأمر أحياناً إلى الإعلام التقليدي والإلكتروني في ما يعرضه عن تلك المواقع.

التصنيفات السابقة هي ابنة مجتمعها بالتأكيد، فما قد يكون خطأ لدى فلان قد لا يكون خطأ لدى آخرين. مسألة النسبية طاغية في هذا المقام، والبنية الاجتماعية لبلد وثقافة ما تختلف عنها في بلد وثقافة أخرى، وإن كان هناك اتفاق شبه عام، أو شبه إجماع على بعض الأمور، بدعوى الدين، أو الأخلاق العامة، أو الإتيكيت، أو الحس المشترك، أو القوانين، أو غيرها من المحركات الرئيسة في كلّ مجتمع، وعبر المجتمعات.

أيّ رأي، سيقابل رافضين ومؤيدين، سواء كانوا رافضين ومؤيدين عن قناعة وعلم وخبرة ومعايير ثابتة، أم عن مواقف مسبقة وانحياز وعاطفة وانقياد وتمييز وجهل. قس على ذلك حتى النظريات الكونية الكبرى؛ أكبر النظريات على الإطلاق... بل أبعد من الثقب الأسود، وحدود الكون التي لا نعرفها أساساً.

لكنّنا في هذا المقام لا نناقش في النسبية وما فيها، وفي بنية المجتمع وما تحمل من تأويلات ويرتبط بها من مواقف وتمثيلات اجتماعية. النقاش هو حول هؤلاء "المؤثّرين" بالذات. فمن هم؟ هم فنانون، وسياسيون، وإعلاميون، ورياضيون، وربما يكون من بينهم أكاديميون، وخبراء في مجالات عدة، لكنّ أكثرهم يحملون صفة "ناشطين على السوشال ميديا" وهي صفة تشمل كلّ من يمضون وقتاً طويلاً على تلك المواقع يعرضون خصوصيات حياتهم، ويتحدثون في الشؤون العامة، ولا يغيبون عن أيّ قضية من القضايا، إذ لهم في كلّ منها موقف ينسجم مع توجهاتهم العامة وخلفياتهم ونظرة المتابعين إليهم، وإن فاجأوا هؤلاء أحياناً، يسقطون فجأة في نظرهم، وتنقسم الشاشات الإلكترونية ما بين مؤيد وغاضب وشاتم ومقاطع.

هي لعبة لها طرفان؛ الشخص "المؤثّر" والمستخدم المتلقي، فكلّما ازدادت الإعجابات والمشاركات والردود على الطرف الأول من جانب الطرف الثاني، كبر أكثر وباتت مواقفه أكثر غزارة وتصلباً وتشدداً، حتى لو كانت الردود منتقدة مهاجمة، فالأصل أنّ له مؤيدين أيضاً بالرغم من المنتقدين.




الصورة الأكثر وضوحاً هي لدى هؤلاء "المؤثّرين" لكنّ الأمر لا يقتصر عليهم بل يمتد حتى إلى ميادين مختلفة، فالطرفان على حالهما، وحضور الجمهور هو الأساس، حتى يحسب أستاذ جامعي مثلاً أنّ فيه "انطوى العالم الأكبر" وهو يستعرض كلّ ما يعرف من مفاهيم ونظريات في مهاجمة طالب... فقط لأنّ الجلسة شهدت حضور جمهور كبير متنوع المشارب.

المساهمون