صابئة العراق... شعراء وأدباء وصاغة همشتهم الحكومات

صابئة العراق... شعراء وأدباء وصاغة همشتهم الحكومات

19 ابريل 2019
طقوس تعميد للصابئة في أربيل (ماركو دي لورو/Getty)
+ الخط -

فتح تصويت البرلمان العراقي، يوم السبت الماضي، على إضافة ممثلين عن المكونات العراقية المسيحية، والأيزيدية، والصابئة المندائية إلى لجنة الأوقاف والشؤون الدينية، بالإضافة إلى ممثلي الطوائف المسلمة، باب الحديث مجدداً عن حقوق المكونات العراقية غير المسلمة والأضرار التي لحقت بهم من جراء غزو البلاد عام 2003.

ذلك الاحتلال تبعته عمليات تهجير وقتل على الهوية، وتهميش من قبل القوى السياسية التي تولت زمام الحكم في السنوات الماضية. ولعلّ أبرز من عاشوا التهميش هم أتباع الصابئة المندائية، وهي من أقدم الديانات في بلاد الرافدين، والذين يعتقد ممثلون عنهم أنّهم مغيبون سياسياً على الرغم من وجودهم التاريخي في العراق قبل بقية الأديان.
تكاد الحقوق السياسية للصابئة المندائيين في العراق تكون معدومة باستثناء ممثل واحد في البرلمان لجميع المحافظات العراقية، وفقاً لما يؤكده زعيم ديني صابئي، يقول لـ"العربي الجديد"، مبيناً أنّ بدايات العملية السياسية في العراق عام 2005 كانت تسير باتجاه منح الصابئة ثلاثة مقاعد في مجلس النواب الاتحادي، موضحاً أنّ هذا التوجه تحول بمرور الوقت إلى حبر على ورق.
يتابع أنّ نائباً صابئياً واحداً فقط يمثل جميع المحافظات العراقية، فلا يمكنه وحده المطالبة بحقوق الصابئة، مؤكداً أنّ المكون ينتشر في محافظات جنوب وغرب وشمال العراق بالإضافة إلى العاصمة بغداد. ويلفت إلى أنّ مشاكل الصابئة المندائيين لا تقتصر على الحقوق السياسية، فهم لا يمتلكون اليوم سوى ستة معابد فقط في جميع أنحاء العراق بعد التعدي على قسم منها وتجريفه أو الاستيلاء عليه خلال السنوات الماضية. ويشير إلى غياب الدعم الحكومي للصابئة، ما دفعهم للاستعانة بميسوري الحال من أبناء المكون لاستئجار أماكن للعبادة والتعميد. والتعميد عند الصابئة، هو مجموعة من الطقوس الخاصة التي تعطي للصابئي المندائي مشروعية مندائيته، وغالباً ما تجري العملية على ضفاف الأنهر.

سنوات من التهميش

يعبّر رئيس مجلس أعيان الصابئة المندائيين في العراق، غانم هاشم، عن أمله في أن تكون خطوة البرلمان الأخيرة جدية، وأن يكون للصابئة دور في لجنة الأوقاف البرلمانية. يلفت إلى أنّ التهميش طاول أيضاً حصة الصابئة في دائرة الأوقاف العراقية، مؤكداً أنّ لديهم فقط مديراً عاماً واحداً بالوكالة مع أربعة أو خمسة موظفين.
ويشير في حديث لإذاعة محلية تبث من العاصمة بغداد، إلى أنّ الأمر يصل بالصابئة أحياناً إلى عدم قدرتهم على دفن موتاهم، مبيناً أنّهم يضطرون أحياناً لنقل الموتى من محافظة إلى أخرى من أجل الدفن.

يتابع أنّ للصابئة في العراق طقوساً وحقوقاً لا يمكنهم أداؤها بسبب سياسات التغييب التي مورست بحقهم، موضحاً أنّ المعبد الرئيس للمكون في حي الجادرية ببغداد، مؤجّر، وليس لديهم مكان خاص بهم للعبادة.
يشار إلى أنّ الصابئة المندائيين يتركزون في بغداد، ومحافظات جنوب العراق، والأنبار، وبشكل متفرق في المحافظات الشمالية، ويتخذون من محافظة ميسان (جنوباً)، عاصمة تاريخية لهم، ويتحدثون اللغة المندائية التي تعد واحدة من أقدم اللهجات الآرامية التي تعتبر من اللغات العراقية الأولى بعد السومرية.
ولا إحصائية دقيقة لهم بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، إذ يقدر عددهم بالآلاف فقط، بعدما كان عددهم قبيل الاحتلال نحو ربع مليون عراقي صابئي. وقد عرفوا بتجارة الذهب والمجوهرات، وبرع منهم أساتذة للغة العربية والنحو والشعر والصرف، كما انضموا إلى العمل العسكري في العهد السابق للاحتلال.
بدوره، يعبر زعيم الصابئة المندائيين في البصرة (جنوب العراق)، مازن نايف، عن انزعاجه وأسفه من الإهمال الذي يتعرضون له من قبل الحكومة المحلية هناك، مطالباً في تصريح صحافي، بتخصيص مقعد (كوتا) في مجلس المحافظة.
يتابع أنّ الصابئة يشعرون بالتهميش وعدم الاهتمام من قبل حكومة البصرة المحلية، خصوصاً خلال العامين الماضيين، مشيراً إلى عدم وجود أيّ مسؤول محلي من بينهم. يضيف أنّ "الإخوة المسيحيين أقل عدداً، لكنّ لديهم مقعد كوتا في مجلس المحافظة. في ضوء قرب تنظيم انتخابات مجالس المحافظات، فإنّنا نجدد مطالبنا بتخصيص مقعد كوتا للصابئة المندائيين في مجلس محافظة البصرة"، مؤكداً أنّ هذا المطلب موجه إلى قادة الكتل السياسية.

وكان الصابئة قد حصلوا على مقعد واحد في مجلس محافظة البصرة بانتخابات عام 2005 شغله الزعيم الديني رعد الزهيري، الذي استقال عام 2006 للتفرغ للعمل الديني، قبل أن يتوفى عام 2009، ليبقى مكان المكون شاغراً في الحكومة المحلية بالبصرة منذ ذلك الحين.
من جهته، يقول عماد فارس، وهو من الصابئة الذين كانوا يسكنون في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار (غرب)، قبل أن ينتقل إلى العاصمة بغداد بعد اجتياح تنظيم "داعش" لعدد من مدن المحافظة عام 2014، إنّه يرغب بالعودة إلى مدينته، مستدركاً "لكنّ الأوضاع ما زالت غير مطمئنة في ظل عدم الاهتمام بقضية منح الصابئة حقوقاً سياسية، ومكانة اجتماعية كبقية العراقيين".
ويؤكد أنّ أقاربه كانوا يمتلكون أكبر محلات الذهب بالفلوجة، لكنّهم اضطروا للمغادرة إلى إقليم كردستان، أو خارج العراق بعد تدهور الأوضاع الأمنية، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد".
وبحسب تقرير نشرته منظمات أوروبية نهاية العام الماضي، فإنّ الصابئة المندائيين في محافظة الديوانية (جنوب العراق)، يعانون من التهميش السياسي والحرمان من توافر أرض يدفنون فيها موتاهم، ما أجبرهم على المغادرة إلى محافظات أخرى، أو الهجرة إلى خارج البلاد، لتنخفض أعدادهم بالمحافظة إلى 32 أسرة، بعدما كان عدد الأسر يتجاوز 100 حتى عام 2014.
والمندائية أقدم الديانات التوحيدية، وهي ديانة غير تبشيرية، ولا تؤمن بدخول أحد إليها، وتحرّم الزواج من خارجها. ومن بين عقائدها الصلاة، والصوم، والصدقة، والتعميد، وهو أحد أهم أركان هذه الديانة.
ويعتبر كتاب "كنزا ربا" (الكنز العظيم) أقدس الكتب والمخطوطات عند الصابئة المندائيين ومصدر التشريع والوصايا والتعاليم. ويحتفل الصابئة بعيد رأس السنة المندائية، المعروف بـ"الكرصة" أو "الكراص"، بالاعتكاف طوال 36 ساعة متواصلة في منازلهم لا يغادرونها أبداً، وذلك في يوليو/ تموز من كلّ عام.

دلالات