مكافحة التحرّش... توعية استباقية بين معتصمي السودان

مكافحة التحرّش... توعية استباقية بين معتصمي السودان

الخرطوم

عبد الحميد عوض

avata
عبد الحميد عوض
18 ابريل 2019
+ الخط -

في تحرّكات سابقة أتت في سياق الربيع العربي، سُجّلت حالات تحرّش مختلفة بين المنتفضين، غير أنّ الأمر يبدو مغايراً اليوم في ثورة السودانيين.

في موقع الاعتصام الشعبي أمام مقرّ الجيش السوداني في الخرطوم، يجول الشاب السوداني ملهم الهادي حسين برفقة أحد أصدقائه وهما يحملان ثلاث لافتات، كُتب على الأولى "الكنداكة مثل أختك لا تضايقها"، وعلى الثانية "لا تسمح لأحد بأن يضايق أختك الكنداكة"، أمّا اللافتة الثالثة فتنصح كل شابة أو امرأة سودانية في حال تعرّضها لتحرّش بأن تخبر أقرب شاب إليها وتطلب مساعدته. وكلمة "كنداكة" التي تتكرر أخيراً في السودان، لقب يدلّ على المرأة السودانية وكان يُطلَق على الملكات في عهود سابقة.

منذ السادس من إبريل/ نيسان الجاري، يشارك مئات آلاف السودانين في اعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني في العاصمة السودانية، وقد نجحوا من خلاله في إسقاط نظام الرئيس عمر البشير وإجبار رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجديد، عوض بن عوف، على الاستقالة. ويصرّ هؤلاء على المضيّ في اعتصامهم حتى استكمال تنفيذ بقية شروط نجاح الثورة في البلاد، وأبرزها تصفية "الدولة العميقة" التي أسس لها نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

لم تُسجَّل حالات تحرّش كثيرة في موقع الاعتصام ومحيطه، مثلما حدث في بعض ميادين بلدان الربيع العربي، غير أنّ ناشطين سودانيين حرصوا على أخذ الحيطة والحذر، فأطلقوا حملة تهدف إلى التصدّي لأيّ حالة تحرّش جنسي، مع وسم #اعتصام_خالي_من_التحرش. وهذه الحملة هي التي دفعت ملهم الهادي حسين وعشرات الشباب الآخرين إلى حمل لافتات تحارب التحرّش وتتوعّد المتحرّشين بمحاسبة فوريّة. كذلك عُلّقت في السياق ملصقات على الجدران ترشد النساء إلى ما يمكنهنّ القيام به في حال تعرّضنَ للتحرّش.





يقول حسين لـ"العربي الجديد" إنّ "الفكرة تعود إلى شابة في منطقة جبرة، جنوبيّ الخرطوم، تعرّضت للتحرّش من قبل أحد الشبان، فكان ردّ فعلها وضع خطة لنشر الوعي وسط الشبان من أجل أخواتهم المشاركات في الاعتصام حتى يتمكّن من الصمود فيه"، مشدداً على أنّ "ثورة الشباب الحالية هي ثورة للوعي قبل أن تكون ثورة لإسقاط نظام". تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الحملة ليست الوحيدة في هذا السياق، وهو ما يظهر واضحاً من خلال منشورات لناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى ضمان عدم وقوع أيّ حالات تحرّش في الميدان. ومن الممكن ملاحظة شعار "إلزم حدك من أجل اعتصام خالٍ من التحرّش".

من جهتها، تقول سارة، وهي شابة مشاركة في الاعتصام، لـ"العربي الجديد": "حرصت على المشاركة بصورة يومية في الاعتصام، وطوال 11 يوماً لم أتعرّض لأيّ نوع من أنواع التحرّش، الأمر الذي يؤشّر إلى وعي كبير وسط الشباب"، مؤكدة أنّ "أيّ ثائر في ميدان الاعتصام يعامل أيّ ثائرة معاملة أخته وأكثر. فالشبان والشابات مجتمعون على هدف واحد هو التغيير". وتتّفق خديجة أحمد مع ما ذهبت إليه سارة، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّها التزمت بالاعتصام لأيام عدّة "ولم أواجه أيّ مشكلة". وتشيد بـ"الحملة في حدّ ذاتها وما يمكن أن تحقّقه للحدّ من حالات التحرّش".

أمّا خالدة فائد فتخبر "العربي الجديد" أنّ "الشابات والنساء عموماً، كنّ في البداية حذرات وخائفات، إلى حين إطلاق الحملة التي تُعَدّ خطوة موفقة من قبل الشباب السوداني الثائر. وهو ما أزال كل المخاوف، خصوصاً بعد تأليف فرق لحماية الثائرات والتعبير عن كلّ الودّ والاحترام لهنّ في خلال سعيهنّ إلى إثبات حقوقهنّ المشروعة". وتشدّد على "عظمة الشعب السوداني"، مؤكدة أنّ "الذين بادروا إلى تلك الخطوة (الحملة) يستحقّون الشكر والتقدير لحمايتهم أخواتهم الثائرات".

سودانيات وسودانيون معاً في الميدان (محمود حجاج/ الأناضول)

إلهام عشري من اللواتي يشاركنَ كذلك في الاعتصام، تقول إنّ "ثمّة تحذيرات كانت تصلنا منذ البداية حول كيفية التعامل مع أيّ حالات تحرّش وكيفية التبليغ عن ذلك"، مضيفة أنّ ثمّة "أماناً يُسجَّل ورفقة بين الثائرين والثائرات، حتى من بين الذين لم تجمعنا بهم سابق معرفة". وتؤكد أنّ "الشبان يظهرون كل الاحترام والتقدير للشابات، كذلك ثمّة احترام لمكانة الجيش، الأمر الذي يجعل الثورة السودانية في منتهى الطهر. وهي التزمت بكل معايير الأعراف والتقاليد والعادات السودانية وهو أمر استثنائي".

في هذا الإطار، يقول مجاهد محمد سعيد وهو أحد المسؤولين عن الخدمات العامة في الاعتصام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الكلام عن وجود تحرّش غير صحيح". ويخبر: "أنا أشرف مباشرة على مطبخ يتضمّن خمس فرق شابات ينهضنَ عند الساعة الخامسة من صباح كل يوم لإعداد الشاي للمعتصمين ويواصلنَ عملهنّ حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني. ويأتي التعامل بينهنّ وبين الشبّان العاملين في المطبخ بكلّ احترام". يضيف سعيد أنّ "الأمر نفسه يحدث في العيادات حيث تعمل عشرات الطبيبات مع أطبّاء على مدار الساعة من دون تسجيل أيّ سلبيات. وتأتي الصورة مشابهة في برنامج نظافة الميدان". بالنسبة إليه، فإنّ "الثورة غسلت الضمائر قبل أن تغسل البلاد من النظام البائد".

في السياق، تقول لبنى عبد الله، وهي صحافية تهتم بشؤون المرأة في صحيفة "الجريدة" السودانية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الشباب السوداني أثبت أنّه على درجة عالية من الوعي، وقد صار مدرسة قدّمت دروساً عظيمة في خلال الاعتصام، الأمر الذي أوجب على الكبار التعلّم منه. هو نجح في بثّ روح القيم والفضيلة". تضيف أنّ "الثوّار السودانيين استفادوا من كل أخطاء ثورات الربيع العربي السابقة، بما في ذلك التحرّش في أثناء التظاهرات والاعتصامات"، لافتة إلى أنّ "مبادراتهم لمكافحة التحرّش في موقع الاعتصام كله تمثّل مبادرة ذكية في ظلّ معرفتهم بعقلية النظام البائد الذي من المحتمل أن يحارب تجمعاتهم بكلّ السبل، بما في ذلك استغلال تمسّك المجتمع السوداني بعاداته وقيمه من أجل رسم صورة سلبية لمبيت الشابات في ميدان الاعتصام. بذلك، تمنع الأسر بناتها من المشاركة. لكنّ المبادرة أتت لإغلاق الباب أمام ذلك، من خلال توعية الشباب أوّلاً وتحذير المتحرّشين من العقاب، فنجحت في استباق أيّ بلبلة في هذا الموضوع ونفي كل الشبهات المحتملة، خصوصاً أنّ ثمّة أفرادا من حزب المؤتمر الوطني الحاكم (سابقاً) عمدوا إلى تصوير الشابات في خلال نومهنّ في الاعتصام، وذلك في خطوة غير أخلاقية هدفها إجهاض الثورة منذ بدايتها. لكنّ الشباب كان أكثر وعياً".




إلى جانب حملة #اعتصام_خالي_من_التحرش، أُطلقت حملات توعية عدّة انتشرت خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وهدفها كلها الحرص على عدم وقوع أيّ حالة تحرّش في ميدان الاعتصام السوداني. شباب السودان يصرّون على إبقاء تحرّكهم وساحته "نظيفَين"، على الرغم من أنّ تحرّكات مماثلة لا تسلم عادة من حوادث من هذا النوع.

ذات صلة

الصورة
أطفال سودانيون في مخيم زمزم في ولاية شمال دارفور في السودان (الأناضول)

مجتمع

أفادت منظمة أطباء بلا حدود بأنّ طفلاً واحداً على الأقلّ يقضي كلّ ساعتَين في مخيّم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور غربي السودان بسبب سوء التغذية.
الصورة
نازحون سودانيون في مدرسة في وادي حلفا 1 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

مجتمع

في فناء رملي لمدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين في شمال السودان، يلعب أطفال بالكرة. من حولهم، ينتظر عشرات الأشخاص المنهكين الفارين من الحرب، منذ أشهر، تأشيرة دخول الى مصر.
الصورة
تشاد (مهند بلال/ فرانس برس)

مجتمع

فرّ مئات الآلاف من السودانيين من الحرب في بلادهم إلى تشاد، ووجدوا الأمان في أكواخ هشّة في مناطق صحراوية، لكنّهم باتوا أمام تحدٍّ لا يقلّ صعوبة وهو إيجاد الرعاية الطبية والأدوية للبقاء على قيد الحياة.
الصورة
مطار إسطنبول الدولي (محمت إيسير/ الأناضول)

مجتمع

استغاثت ثلاث عائلات مصرية معارضة لإنقاذها من الترحيل إلى العاصمة المصرية القاهرة، إثر احتجازها في مطار إسطنبول الدولي، بعدما هربت من ويلات الحرب في السودان عقب سبع سنوات قضتها هناك، مناشدة السلطات التركية الاستجابة لمطلبها في الحماية