قطر تطالب بمرصد لمساءلة الجناة

قطر تطالب بمرصد لمساءلة الجناة

15 ابريل 2019
المري خلال كلمته (معتصم الناصر)
+ الخط -

افتتحت الدوحة أمس مؤتمراً دولياً على درجة عالية من الأهمية، لإنصاف ضحايا العنف والحروب، دعت فيه قطر إلى إنشاء مرصد دولي للوقاية، والمساءلة، وعدم الإفلات من العقاب

طالبت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، بجعل تحقيق المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب أولوية للمجتمع الدولي، وبضرورة معالجة مظالم المجتمعات التي تعاني من الصراعات أو تلك التي تسيطر عليها أنظمة استبدادية، وبالقيام بالمزيد من العمل لتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة وحماية الضحايا.

وأضافت في كلمة مسجلة ألقتها في "مؤتمر الآليات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة" الذي افتتحه رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، بالدوحة، أمس الأحد، أنّ المفوضية تتلقى روايات مباشرة عن رجال ونساء وأطفال تعرضوا لأبشع الجرائم، بما في ذلك المذابح والتعذيب والعنف الجنسي والتهجير والتجويع، والحرمان من الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والتعليم.




وأكدت باشليه أنّ لهؤلاء الضحايا الحق في معرفة الحقيقة والعدالة والتعويض، وأنّ ذلك أمر مهم ليس للضحايا أنفسهم فحسب بل للمجتمعات ككلّ لتحقيق السلام والمصالحة المستدامين. وقالت: "على الرغم من أنّ الطريق نحو العدالة قد يكون محفوفاً بالتحديات، فما زال من الضروري لتلك المجتمعات أن تتعافى، فقد أثبتت التجارب المختلفة أن لا مجال للسلام في غياب العدالة، وأنّ تحقيق المساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب شرطان أساسيان لتحقيق السلام الدائم. واعتبرت المساءلة ركيزة أساسية لاستراتيجية المفوضية السامية، والتي ركزت بشكل خاص على تعزيز آليات العدالة. فمن خلال تعزيز العدالة وسبل الإنصاف من الانتهاكات السابقة، فإننا نسعى إلى منع تكرار تلك الانتهاكات في المستقبل. واتخاذ إجراءات وقائية من خلال تقديم البيانات عن انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها بشكل فعال يمكن أن يسهم في عدم تكرارها.

وأكدت على "ثلاثة جوانب أساسية في معالجة المساءلة، أولها الحاجة إلى النظر باستمرار إلى المساءلة بطريقة شاملة. فالعدالة الجنائية ضرورية للتعامل مع ما تعرض له الضحايا من ظلم في الماضي، وتحتاج العائلات والناجون إلى معرفة ما حدث لأحبائهم من أجل المضي قدماً في حياتهم وإعادة بنائها، كما يتعين إصلاح المؤسسات لجعل الدولة تعمل لصالح جميع شرائح وأطياف المجتمع، وليس فقط لصالح شرائح معينة". تابعت: "لقد واجهنا هذه القضايا في بلدي، تشيلي، حيث تعلمنا أنّ العدالة قد تتأخر، لكن لا يمكن إنكارها إلى الأبد، وثانياً، أشجع على إمعان النظر في أوجه التوافق بين المساءلة والوقاية، والتي تنعكس في أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك الهدف 16 بشأن المجتمعات السلمية والعادلة والشاملة، إذ يشارك مكتب المفوضية بصورة كاملة في دعم تنفيذ هذا الهدف بالغ الأهمية، وثالثاً، تتطلب معالجة الصراع أن ننظر إلى أسبابه الجذرية، التي غالباً ما ترتبط بعدم المساواة والتمييز المنهجيين وكذلك الإقصاء الاجتماعي، فالمجتمعات التي تسعى جاهدة لدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون توفر ضمانات تمنعها من الانجرار إلى العنف والتطرف وعدم الاستقرار".

مرصد دولي
وكان رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر علي بن صميخ المري، قد دعا في كلمته في الجلسة الافتتاحية، إلى إنشاء مرصد دولي للوقاية، والمساءلة، وعدم الإفلات من العقاب يجري الدراسات ويقدم المشورة، ويتولى دعم المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ودعم الدول في تطوير التشريعات والآليات. واقترح أن تكون المفوضية السامية لحقوق الإنسان والبرلمان الأوروبي عضوين أساسيين في هذه الآلية. كذلك، دعا المري، المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى إنشاء فريق عمل لتقديم دراسة تقييمية عن الآليات الوطنية والإقليمية والدولية لمناهضة الإفلات من العقاب ترفع إلى الجهات المختصة في منظومة الأمم المتحدة بغرض تطوير التشريعات والآليات في هذا المجال، ودعا مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أيضاً إلى إنشاء مقرر خاص معني بقضايا عدم الإفلات من العقاب.



وقال المري إنّ البرلمان الأوروبي مطالب بمزيد من القرارات في مجال المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وعليه اعتبار ذلك أحد الركائز المهمة في علاقات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول العالم، ونادى بضرورة أن تقوم الدول بإدراج الإرهاب وحصار الشعوب كجريمة ضد الإنسانية في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، عن طريق تقديم تعديل على النظام الأساسي وفقا للمادة 121 من نفس النظام. وأضاف أنّ العالم لا يمكن له تحمل المزيد من المآسي والفظائع، وقد أضحى تحقيق العدالة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم مسؤولية جماعية، للمجتمع الدولي بجميع مكوناته، من دول ومنظمات دولية وإقليمية ومؤسسات مجتمع مدني، من خلال التعاون والتنسيق بشأن جمع الأدلة وتوثيقها، وإجراء التحقيقات وغير ذلك من الإجراءات اللازمة لاحترام مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

الضحايا في سورية
من جهتها، قالت رئيسة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سورية، كاثرين مارشي أوهيل إنّ "ضحايا أكثر النزاعات حول العالم لم يستطيعوا الحصول على العدالة المطلوبة، ونحن هنا اليوم من أجل البحث في آليات للحدّ من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الخطيرة ومكافحة الفظائع المستمرة في أنحاء العالم". وأشارت إلى أنّ المحكمة الجنائية الدولية ولدت بموافقة وترحيب 122 دولة، وتتولى سدّ الثغرات التي تعاني منها بعض الأنظمة المحلية في الدول، وهناك إطار عمل دولي يعزز مكانة المحكمة ومهامها لا سيما أنّ الدول والمنظمات التي توافقت على النظام الأساسي لروما آمنت بضرورة معاقبة الجناة وعدم إفلاتهم من العدالة.



وأكدت أوهيل في كلمتها أنّ النزاع الدائر في سورية يعتبر الأفضل توثيقاً منذ الحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أنّ الوضع في سورية تحول من حركة احتجاجية سلمية إلى نزاع مسلح مرعب، وقالت إنّ الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق الإنسان يريدون استرداد حقوقهم وجبر الضرر، مشيرة إلى ضرورة محاسبة المنتهكين لحقوقهم لا سيما أنّه لا يمكن السكوت عن الجرائم الفظيعة التي تعرضوا لها. ولفتت إلى توثيق مختلف انتهاكات حقوق الإنسان في الملف السوري التي ارتكبتها كلّ الأطراف مثل القتل والتعذيب والإخفاء القسري ومهاجمة المواقع المدنية مثل المستشفيات والمدارس والاعتداءات الجنسية والهجمات الإرهابية التي حصدت آلاف الأرواح من المدنيين، وغيرها من الانتهاكات، مشيرة إلى أنّ بعض الدول بدأت التفكير في طرق مبتكرة مما أثمر عن صدور قرار الأمم المتحدة في 2016 لإنشاء آلية محايدة ومستقلة لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، وهي خطوة حاسمة لإرساء الأسس وتحقيق العدالة وضمان جمع الأدلة والتعامل معها. وأضافت أنّه في مواجهة عجز المجتمع الدولي عن محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم وترك الضحايا في حالة من اليأس والإحباط، كان لا بدّ من تأسيس مستودع يضم جميع الأدلة والملفات الخاصة بالقضية السورية، وفقاً للمعايير الجنائية الدولية للتعامل معها بجدية في المستقبل، ولتكون مرجعية لمحاسبة جميع الأطراف التي انتهكت حقوق المدنيين، ونأمل بعد 20 عاماً أن يكون الواقع في سورية ليس بقاء المجرمين أحراراً وطلقاء إنّما أن تكون العدالة قد تحققت وأن يجبر الضرر لجميع المتضررين، وأن ينال المجرمون عقابهم العادل.

آفة الإفلات من العقاب
وكان رئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، أنطونيو بانزيري، قد عرض قصصا عديدة لأحداث عنف وسوء معاملة تفتقر إلى تطبيق العدالة والمساءلة، وقال إنّه بالنسبة للضحايا وعائلاتهم، لا يخلق الإفلات من العقاب سوى الألم والمعاناة. أضاف بانزيري أنّه خلال المؤتمر الذي عُقد في لوكسمبورغ يومي 26 و27 مارس/ آذار الماضي، التقى ضحايا العنف الجنسي من 18 دولة للحديث عن المشاعر التي توحدهم، إلى جانب عدد من الموضوعات المشتركة، مثل الشعور بالخزي، والإحباط الشديد جراء الافتقار إلى العدالة، والحاجة إلى الاعتراف والجبر. أضاف: "أعتقد أنّه يمكننا أن نتفق جميعًا على أنّ الاعتراف والإقرار في أعقاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أينما حدثت، يمثلان القيم الإنسانية الجوهرية التي قد تساعد ضحايا الانتهاكات على طوي هذه الصفحة.



وتابع أنّه بالرغم من التقدم الذي تم إحرازه لضمان بقاء المساءلة كقوة دافعة لجهود العدالة الدولية، فإنّنا نشهد يومياً عدداً هائلاً من انتهاكات حقوق الإنسان التي تمر من دون عقاب أو اعتراف. فالافتقار إلى المساءلة في أعقاب أعمال القتل الوحشية التي تعرض لها الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول وطالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، يؤكد أنّ آفة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما زالت قضية قائمة في عصرنا. وفي السياق نفسه، فإنّ مبادرة الحكومة المصرية لتعديل الدستور تنطوي على إمكانية واضحة لزعزعة استقرار البلاد. علاوة على ذلك، فإنّ الإقرار بالحقوق العادلة للمصريين ومعالجة قضايا المساءلة أضحى أمراً غير مرجح في ظل سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء وترسيخ مفهوم المحاكمات العسكرية للمدنيين في الدستور. وبينما نعترف بقيمة آليات العدالة والمساءلة، يجب علينا في الوقت نفسه أن نتوخى اليقظة إزاء التلاعب المقيت بهذه العمليات من جانب الدول التي تسعى إلى قمع الحقوق الأساسية. وإذا كنا سنواصل معالجة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الدولية الخطيرة لحقوق الإنسان، فليس من الضروري فقط أن نواصل دعمنا القوي للآليات الرامية إلى ضمان المساءلة لكن أيضاً أن نستغل هذه الفرصة لتقييم وتعزيز الإسهامات الإيجابية التي يمكن أن تقدمها المساءلة على المستوى المجتمعي.



ويبحث مؤتمر "الآليات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة بموجب القانون الدولي"، والذي تعقده اللجنة الوطنية لحقوق الانسان في قطر، بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، أمس الأحد واليوم الإثنين، المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وواجب التحقيق ومقاضاة مرتكبي الانتهاكات علاوة على حق الضحايا في الانتصاف، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال العمل على مكافحة الإفلات من العقاب والحق في المعرفة والعدالة والتعويض، بما في ذلك توفير ضمانات لعدم تكرار الانتهاكات لحقوق الإنسان.



ويشارك في المؤتمر أكثر من 250 من ممثلي الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، إلى جانب رؤساء وخبراء لجان التحقيق الدولية، والمقررين الخاصين المعنيين، ورؤساء اللجان التعاقديّة في الأمم المتحدة، وخبراء وقضاة المحاكم الدولية المتخصصة والمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى الخبراء والمحامين الذين تقدموا بقضايا أمام المحاكم الوطنية التي تعمل بالاختصاص العالمي.