دوار الشجرة... قصص سوريّين أرهقتهم الغربة

دوار الشجرة... قصص سوريّين أرهقتهم الغربة

12 ابريل 2019
عاملان سوريان في أحد حقول الريحانية (جيم كنجو/ الأناضول)
+ الخط -

دوّار الريحانية في تركيا يختصر قصص الكثير من السوريين الذين يلجؤون إليه بحثاً عن أي فرص عمل، بعدما أجبرتهم الظروف الصعبة على اللجوء إلى مناطق أكثر أماناً. والقصص، في معظمها، تعبّر عن مآس كثيرة

ارتبط اسم دوار الشجرة وسط مدينة الريحانية جنوب تركيا بقصص سوريّين يستيقظون في ساعات الفجر، ليبدأوا رحلة العمل الشاقة التي لا تنتهي حتّى مغيب الشمس، ثمّ يعودون إلى بيوتهم وقد أرهقت أجسادهم. هؤلاء يدفعون نصف ما يتقاضونه بدل إيجار منازلهم.

"صعبة هي الحياة وشاقّة لا ترحم، وتأتي دائماً على الضعيف الذي يستكين لها لتدوسه". هكذا يصف أبو محمد معاناته ومشاق الحياة في مدينة الريحانية التي يوازي عدد السوريين فيها عدد السكان الأتراك. في الخامسة والنصف صباحاً من كل يوم، يستعد للخروج للعمل وكسب لقمة عيشه، حتى يتمكّن من دفع بدل إيجار منزل قديم سقفه من الخشب والقرميد، وأبوابه الخشبية تطل على فسحة من الأرض تزرع فيها زوجته النعناع والورد الجوري.




الأربعيني رياض الخالد يتحدّث لـ "العربي الجديد" عن حياته وعمله في تركيا منذ ثلاثة أعوام. يقول: "رزقني الله ابنتين وصبياً. ابنتاي تزوّجتا وبقيتا في سورية، وتحديداً في ريف حماه الشمالي. كنتُ أزرع أرضي في بلدتي وأعيش منها. أحياناً، أذهب إلى لبنان وأعمل هناك في مجال البناء. كنت أملك منزلاً صغيراً مكوّناً من ثلاث غرف، أعيش فيه مع أولادي وأتدبّر أموري. لكنّ منزلي دُمّر في عام 2013، جرّاء قصف النظام لبلدتنا. نزحتُ حينها إلى منطقة باب الهوى حيث بقيت يومين قبل العبور إلى تركيا. دفعت ثلاثة آلاف ليرة سورية لأحد المهربين الذي أدخلني إلى البلاد من طريق إلى جانب معبر باب الهوى مباشرة إلى مدينة الريحانية. ولم يكن في مقدوري العمل في الزراعة إذ لا أجيد أية مهنة. كانت زوجتي وابني يساعدانني في أوقات كثيرة خلال موسمي البازلاء والبصل. نستيقظ في الخامسة فجراً، ثم نتوجّه إلى دوار الشجرة في انتظار قدوم الشاويش حسين، الذي يقلنا عند السادسة أو السادسة والنصف إلى أرض مزروعة بالبازلاء، ويكون قد اتفق مسبقاً مع صاحبها على حصادها. حين نصل، تكون البازلاء مزيّنة بقطرات الندى، والغيوم تحجب أشعة الشمس، والنسمات تشعرنا بانتعاش. أقتلعُ كميّة منها وأجمعها وأجلس أنا وزوجتي وابني لنبدأ القطف ثم نجمعها في كيس بلاستيكي أحمر اللون. وعلى الرغم من الصعوبة والتراب الذي يغطي ملابسنا على الدوام، نتحدّث عن أيام أجمل وحياة أفضل. ويطلب مني ابني الدعاء لمستقبله وإكمال دراسته، ويكون طبيباً أو مهندساً ويؤمن لنا حياة جميلة حين أكبر أنا وأمّه".

أحمد عبدو بات له ارتباط وثيق بدوار الشجرة منذ وصوله إلى مدينة الريحانيّة، حيث يجلس هناك في أيام البرد القارس والحر، منتظراً أحداً يبحث عن عامل. تعب من مهنته القديمة في سورية وهي قيادة الشاحنة. وهناك صعوبات سيتعرّض لها في حال أراد قيادة الشاحنة. يخرج في السابعة صباحاً من منزله القريب من الدوار، ويجلس على حافة الرصيف ويتحدث مع شبان آخرين عن اليوم السابق، ويتعرف على وجوه جديدة في هذا الملتقى الذي يجمع السوريين من شتى المناطق.

يقول أحمد لـ "العربي الجديد": "بات لديّ الكثير من الأصدقاء عندما كنت أجلس هناك منتظراً فرصة عمل. بقيت على هذا الحال حتى أتقنت مهنة توريق الجدران. لكن هذا لا يعني أن الهموم انتهت بل على العكس تماماً. أكون مستعداً للذهاب إلى الورشة عند السابعة صباحاً، وقد جهزت لي زوادتي. يأتي الشاويش وقد أصبحنا أصدقاء بحكم العمل معاً منذ ثلاثة أعوام. نبدأ مع وصولنا إلى الورشة بإعداد الشاي، وهو المشروب المفضل لدى الأتراك، ثم نجهّز معدّاتنا ريثما يصبح الشاي جاهزاً. نشرب كأساً ثم نبدأ. وبعد يوم عمل شاق ينتهي بكثير من الأحيان عند مغيب الشمس، أشعر بألم في كتفي وعنقي. أصل إلى البيت وأستحم وأتناول الطعام. مساء، ألتقي أصدقائي".

ومن حين إلى آخر، يضطرّ أحمد لزيارة الطبيب لأخذ بعض مسكنات الألم، كون ساعات العمل الطويلة تسبب له الإجهاد. تجاوز عمر أحمد السابعة والثلاثين، وأهله يلحّون عليه بالزواج. لكنه لا يفكر أبداً في الأمر بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها.




أمّا إياد جاسم (28 عاماً)، فيقول لـ "العربي الجديد": "كنتُ في سورية أعيش في كنف والدي، ولم أكن أدرك صعوبات الحياة وتحدياتها والأيام الصعبة التي تخفيها. تشتّتت عائلتي وكان مصيري أن أعيش هنا في مدينة الريحانية. توفي طفلي من جراء المرض بعد أشهر على ولادته. حزنت كثيراً عليه، وما أحزنني بشدة هو أنني وحيد هنا، إذ إن أهلي في سورية وأهل زوجتي في الأردن. في بعض الأحيان، يساعدوننا بحسب إمكانياتهم. لا مهنة أجيدها وليس هناك عمل محدد أقوم به. أذهب إلى دوار الشجرة في الصباح وأترقب معلّمي البناء الأتراك، الذين يبحثون غالباً عن عمّال لنقل المواد أو مساعدتهم. صحيح أنّ الأجور التي نتقاضاها قليلة لقاء هذه الأعمال، لكن لا حلول أخرى لدينا. منذ مدة، جرّبت الانتقال إلى مدينة أضنة للعمل هناك. لكن لم أكن أستطيع إذ يُمنع عليّ كسوري تبديل مكان إقامتي. عدت إلى الريحانية، والآن، كما في السابق، أنتظر أي فرصة عمل".

ويشير جاسم إلى أنّ الأجور متدنية جداً، بينما الحياة أصبحت صعبة جداً، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار هنا. يقول: "الحل الأخير قد يكون الدخول إلى سورية والعيش هناك وإيجاد عمل أكسب منه رزقي".

المساهمون