إنصاف بيئي!

إنصاف بيئي!

11 ابريل 2019
"عنصرية بيئية" في مكب نفايات إلكترونية في غانا (Getty)
+ الخط -

لماذا لم يعد الناس شركاء في الماء والنار والكلأ مثلما نادت الأديان السماوية وأكدت الأعراف وقنّنت العهود الدولية؟ فالأغنياء، دولاً أو أفراداً، ينتزعون دائماً أكثر من نصيبهم في الموارد، ويضيفون إلى حرمان الآخر من حقوقه رميهم عليه مخلفاتهم.

دع عنك ممارسات الدول الصناعية الغنية تجاه الدول الفقيرة والنامية، ففي الدولة الواحدة نجد أقسى أنواع "العنصرية البيئية"، إذ إنّ المهمشين في الأرياف وأطراف المدن يتعرضون للحرمان من المنافع الحياتية، وقد يكون ذلك بسبب وجود أعراق مختلفة. في الولايات المتحدة الأميركية، أشير إلى ذلك المصطلح (العنصرية البيئية) في تقارير بيئية، منها تقرير أعدّه عالم الاجتماع روبرت لولارد من جامعة تكساس الجنوبية في عام 1979، حين وصف المحاولات غير المجدية لمجموعة من سكان مدينة هيوستن الأميركية من أصول أفريقية بهدف منع وضع مكبّ نفايات خطرة في منطقتهم، موضحاً أنّ العرق كان السبب الرئيسي في ذلك القرار وليس لأن دخولهم المالية متدنية.

الناس الذين يعيشون في مستوى اجتماعي اقتصادي أدنى من سواهم، يتعرّضون لتلوّث أكبر مقارَنةً بالآخرين. هذا ما صرّح به الخبير البيئي الراحل سيدني هوي، مؤسس "هيومان إنفايرمنت سنتر" (مركز بيئة الإنسان) الأميركي ومديره التنفيذي، في عام 1977. وقد أكّد هوي أنّ أولئك الذين يملكون المال ويخلّفون التلوّث بمعظمه، يعيشون في الأماكن الأقل تلوثاً والأكثر نظافة بيئياً. واستخدم مصطلح "العدالة البيئية" لوصف التدابير التصحيحية اللازمة لمعالجة هذا التفاوت بين المستويات.

منذ سبعينيات القرن الماضي، تتلقّى بلدان القارة الأفريقية أطناناً من المخلفات الخطرة الواردة من الدول الصناعية الكبرى، ما يمثّل تعدّياً صارخاً وتكريساً واضحاً لمفهوم "العنصرية البيئية" الذي يتناقض مع حقّ جميع الأفراد في بيئة صحية نظيفة وآمنة. ويتواصل الكشف عن الصفقات السرية بين بعض الدول الأفريقية وشركات غربية، معظمها يتعلّق بنقل مواد سامة، وما يزيد من تفاقمها هو عدم إدراك آثارها المدمّرة وكيفية التعامل معها نظراً إلى التعتيم على محتواها. هي تعبر الحدود بأشكال ومسمّيات مختلفة.

كانت منظمة "غرينبيس" (السلام الأخضر) قد نشرت دراسة استقصائية حول التجارة الدولية بالنفايات، شملت بيانات حول 34 دولة أفريقية. وتابعت المنظمة نموّ حجم تجارة النفايات عبر السنوات، فقدّرتها بـ 3.5 ملايين طنّ بين عام 1986 وعام 1988 وبتسعة ملايين طنّ في عام 2009.




ليست السموم التي تعبر الحدود بمساعدة النافذين في الحكومات الفاسدة وحدها التي تمثّل مظاهر "العنصرية البيئية"، فتحويل المراعي إلى مشاريع زراعية والموافقة على إنشاء مصافي النفط وشركات التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى في مناطق سكن الفقراء، وذلك في ظلّ عدم توفّر قوانين رادعة للمخالفات البيئية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، تُعَدّ من المظاهر الأكثر ظلماً وعنصرية. ونسأل: هل لنا أن نحلم يوماً بقليل من الإنصاف البيئي؟

*متخصص في شؤون البيئة

دلالات