الفلسطينية أم شاكر بائعة أعشاب مكافحة

الفلسطينية أم شاكر بائعة أعشاب مكافحة

08 مارس 2019
جزء من مشهد البائعين والبائعات (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل نحو تسع سنوات، اضطرت السيدة الفلسطينية، نوال حسن صالح، أم شاكر (50 عاماً)، وهي من قرية الساوية، جنوبي نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، إلى صعود الجبال مع زوجها من أجل قطف المريمية (عيزقان، من أنواع القصعين) وبيعها في سوق مدينة رام الله وسط الضفة، بعدما حرم زوجها من الحركة خارج قريته، وتعثر عمله لعدم حصوله على هوية فلسطينية. بات دخْل الأسرة من عمل أم شاكر في بسطتها بسوق مدينة رام الله، تبيع الأعشاب الطبية وما توفر من مواد غذائية تصنعها بنفسها.

في جبال رام الله ونابلس وسلفيت، تخرج أم شاكر، برفقة زوجها أو جاراتها يومين في الأسبوع، وتقطف الأعشاب الطبية من مريمية أو صعتر بمختلف أشكاله، وجعدة وزعمطوط (سكوكع، أو بخور مريم)، فكل ما هو قابل للأكل في الجبال والطبيعة، تقطفه أم شاكر، وتبيعه في السوق. تقول لـ"العربي الجديد": "الجبال نعمة ورزق مجاني".




لا تكتفي أم شاكر بصعود الجبال وقطف ما تيسر من الأعشاب الطبية والغذائية، بل تجتهد في زراعة أرضها، أو أرض تستأجرها، بمحاصيل عدة، كالفول والبازيلاء والبندورة (طماطم)، وفي حقولها زيتون تخلله ثم تبيعه، بينما تخلل الخيار والفقوس (مقتة، أو قثاء)، وتصنع من الصعتر البلدي دقة (خلطة) لذيذة، بالإضافة إلى زراعة السماق. وأصبح لها على مدار السنوات التسع عشرات الزبائن من رام الله، يطلبون مسبقاً شراء منتجاتها قبل يوم وربما أيام، علاوة على زبائن الطريق الذين يشترون منها يومياً.

حينما جاءت أم شاكر، إلى سوق رام الله كانت كثيرة الخجل من جلوسها هناك لبيع المريمية، إلا أن امرأة مسنة ساعدتها في تجاوز هذه المرحلة، وباتت أم شاكر جزءاً من البائعات في رام الله، واستطاعت أن تعرف ما يطلبه السوق من أعشاب طبية. هي تعرف أعشاب السكري والمغص، وتجتهد في البيع. الأهم أنّها لم تحتج أحداً ولم تمد يدها للآخرين، ولم تدفعها حاجتها إلى الاستدانة من أحد.

تجتهد أم شاكر في توفير دخل يسد العوز، بعد رفضها العمل لدى أحد حتى. تعتبر أنّ من يريد أن "يستر نفسه" قادر على ذلك، مستغربة وضع الشبان الذين لا يجدون عملاً. تشير إلى أنّ في الجبال كلّ الخير والرزق: "صحيح أنّ المنتجات من الجبال مجانية، لكنّها في حاجة إلى تعب في قطافها وتجهيزها، وربما أحتاج إلى المال لشراء بعض المنتجات وتجهيزها".
لا يتوقف نشاط أم شاكر على ذلك، بل تعدّ الخبز بنفسها على فرن الحطب، وتربي أغناماً وطيوراً في منزلها.



تسع سنوات من التعب والمعاناة ومواجهة برد رام الله القارس وحرّ صيفها، لكنّ أم شاكر تصرّ على الخروج يومياً في الصباح الباكر من منزلها في الساوية باتجاه سوق مدينة رام الله، ثم تعود مع اقتراب المساء. عانت خلال تلك السنوات من ملاحقة البلدية لها ولبقية البائعات، ما أثر على مصدر رزقها، وبالرغم من ذلك، أصرت على الاستمرار، إلى أن وجدت مكاناً أمام إحدى البنايات في السوق وواصلت عملها هناك منذ أكثر من عام ونصف.

قبل 19 عاماً تزوجت نوال من زوجها وجيه أحمد صالح (58 عاماً)، وأنجبا طفلين: شاكر (15 عاماً) وأحمد (10 سنوات، ولم يكن زوجها يحمل هوية فلسطينية إذ فقدها بعدما اغترب للعمل في الخارج، وحينما عاد ساءت حالته المادية ولم يستطع أن يعمل خارج قريته، وحدّت حركة تنقله، فاضطرت زوجته نوال للعمل. بالإضافة إلى دخل المنزل، تمكنت أم شاكر من تعليم طفلها شاكر في مدرسة خاصة في مدينة رام الله، علماً أنّ لديه إعاقة سمعية تؤثر على نطقه. حاول منذ سنوات إقناعها بالعمل معها، لكنّها ترفض أن يترك المدرسة. تمكنت من خلال عملها أيضاً من بناء منزل لعائلتها، وهي تسكن الآن في منزل أحد أقاربها لكنّها تستعد
لتجهيز منزلها الجديد.

تقول إنّ في إمكان المرأة الفلسطينية أن تكافح وتعمل وتساعد زوجها، فالحياة الأسرية والسعادة ليستا بتقسيم الأمور بين الزوج زوجته: "هو يساعدني وأنا أساعده، وبالرغم من حصوله على هوية فلسطينية بعد عملي في البيع بسوق رام الله بنحو عامين لكنّي أصررت على مواصلة العمل من أجل مساعدته وبناء مستقبل أسرتنا". ما يهم أم شاكر في حياتها الزوجية أن تكون سعيدة، فالتفاهم والاحترام بين الزوجين أمران مهمان لاستمرار هذه الحياة، وبإمكان المرأة أن تدبر أمور بيتها، بل تؤمن بالمثل: "كله برجع للمرأة، المرأة اللي بتعفر والمرأة اللي بتوفر"، وبالمثل "الزلمة جنا والمرأة بنا"، حتى إن لم يتوفر دخل أو توفر دخل بسيط، فأم شاكر تؤكد أنّ الزوجة المدبرة بإمكانها أن توفر الدخل ولا تحتاج إلى أحد. تشدد على أنّ سعادة المرأة تكمن في وجودها مع زوجها وأولادها، وليست بالذهب والعقارات والمال، فالعيش بسعادة على لقمة الزيت أفضل من العيش في قصور بلا سعادة.



قبل 38 عاماً، تركت نوال صالح "أم شاكر" مدرستها حينما كانت في الصف السابع الأساسي، وكانت تحصل على معدلات تصل إلى 80 في المائة، وترغب بدراسة الهندسة المعمارية، بعدما تأثرت نفسياً بإصابة شقيقتها الكبرى في حادث سير أدى إلى شللها. بالرغم من مرور كلّ هذا الزمن فأمنيتها بدراسة الهندسة المعمارية ما زالت حاضرة، وإن لم تحققها فستكون سعيدة إن حققتها بتعليم أبنائها.

المساهمون