لقطات من يوميات متقاعدين مغاربة

لقطات من يوميات متقاعدين مغاربة

04 مارس 2019
من نشاطاتهم المعتادة (فاليري شريفولين/Getty)
+ الخط -

ليست النشاطات المتاحة للمتقاعدين في المغرب كثيرة، لكنّهم يتأقلمون بطرق مختلفة مع واقع الابتعاد عن وظائف أمضوا فيها عقوداً

تقول أرقام رسمية حديثة إنّ عدد المتقاعدين في المغرب يبلغ 3 ملايين شخص، وإنّ من المرتقب أن يصل العدد بحلول سنة 2030 إلى ربع سكان البلاد. يمكن معرفة المتقاعد إما من جلوسه المتكرر في المقاهي، وإما ملازمته المسجد، وإما لعبه الورق رفقة زملائه المتقاعدين، وإما ذهابه إلى الصيد رفقة جيرانه، لكنّه أيضاً يحاول أن يعود إلى العمل بعد التقاعد، من خلال أبواب أخرى، في العديد من الأحيان.

با عروب، في أواخر ستينياته، اختار كمتقاعد من عمله في إحدى الإدارات الحكومية، أن يقضي سحابة يومه في المقهى يتجاذب أطراف الحديث مع مجموعة من المتقاعدين الآخرين. يقول في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، إنه ينتظر بفارغ الصبر الساعة التي يلتقي فيها مع أصدقائه في المقهى المفضل لديهم في مدينة الرباط. يتابع أنّه عمل أربعة عقود كاملة من دون كلل ولا ملل، لكن في النهاية جاء وقت التقاعد الذي لا بدّ منه، فلم يجد ما يملأ به وقته، كما لم يستطع المكوث في البيت من دون فعل شيء. يضيف أنه يجد راحة نفسية عند الاجتماع بأصدقائه الأربعة، فهم متقاعدون مثله من مهن مختلفة. وحول ما يدور بينهم من أحاديث في المقهى يومياً، يقول إنها تتغير بحسب أحداث البلاد، فأحياناً يتحدثون بالرياضة، وأحياناً بالسياسة، أو تربية الأبناء، وإن لم يجدوا ما يتكلمون فيه، عادوا بذاكراتهم إلى سنوات مضت، ينبشون فيها طرائف حدثت لهم، ويضحكون ملء أفواههم بسببها.




الحاج محمد برشام، متقاعد سبعيني، اختار أن يمضي وقت فراغه في المسجد والبيت. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يداوم على الصلوات الخمس في بيت الله، حتى إنّه يعمل متطوعاً لكنس المسجد وتنظيفه، وأحياناً يؤذّن للصلاة، مشيراً إلى أنه يشعر براحة نفسية كبيرة عند قيامه بهذه الأعمال التطوعية. يستطرد أنّ ملازمة بيت الله أفضل ما يمكن القيام به للرجل المتقاعد الذي تشرف حياته على الانتهاء، فهو يشعر أولاً بطمأنينة نفسية عجيبة داخل المسجد، كما يكون قريباً من الله، فضلاً عن كونه يبتعد عن الأجواء السلبية التي قد تكون داخل البيت، أو مواجهة التغيرات الحاصلة في سلوك الأبناء والأحفاد، كما يقول. يعترف برشام بأنّه لجأ إلى المسجد في البداية كنوع من "الهرب" من مشاكل البيت والأبناء، بالرغم من أنّهم ليسوا صغاراً بل متزوجون، وضجيج الأحفاد، إذ يسكن في منزل من طوابق يضم العائلة كلها. يتابع أنّه مع الوقت، وجد في فضاء المسجد متنفساً له ومسكناً لصداع الرأس الذي يلازمه، كما يمضي وقت فراغه هناك.

في المقابل، فإنّ عبد الرحمن فوديل، الذي نال تقاعداً مبكراً من عمله في إحدى شركات القطاع الخاص، وجد ضالّته في لعب الورق برفقة مجموعة من المتقاعدين، أو من لا عمل لهم من كبار السن. يقول فوديل في هذا الصدد، لـ"العربي الجديد"، إنّه في بداية تقاعده كان يحاول المكوث أكبر وقت ممكن في البيت، لكنّه وجد نفسه غير قادر على البقاء هناك وتحمل تدخلات زوجته "في الصغيرة والكبيرة"، كما لم يكن ليصمت عن أشياء يراها أمامه وتخالف مواقفه، وهو ما جعل الاصطدام بزوجته يزداد: "سابقاً، لم أكن ألاحظ الكثير من الأمور النهارية، وعندما أعود في المساء تعباً منهكاً أخلد إلى النوم، لكن لمّا جاء وقت التقاعد ظهرت أشياء في تدبير البيت وفي تصرفات الأولاد، وهو ما لم يعجبني، فتكاثرت المشاحنات اليومية، لأقرر إمضاء وقتي في لعب النرد أو الورق مع بعض الأصدقاء". حول قضائه أغلب وقته في لعب الورق إما في المقهى أو داخل حانوت تجاري لأحدهم، يقول إنه يفضّل ذلك على لعب القمار مثلاً، أو المكوث في الحيّ يتعرض لنظرات الناس وللإحراج أحياناً لأنّه بات بلا عمل، مضيفاً أنّ لعب الورق صار بالنسبة له مثل الإدمان، فغياب يوم عنه يشعره بأنّ هناك ما هو ناقص.

 



في حالة مغايرة، قرر العم رشيد، في بداية الستينيات، أن يبحث عن عمل بعد حصوله على التقاعد. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه تمكن من العمل سائقاً في مؤسسة تعليمية خاصة، وبات له راتب شهري يساعده في تلبية حاجاته الشخصية ومتطلبات زوجته المريضة. يتابع أنّ العمل يُشعر المتقاعد بأنّه ما زال حياً ونافعاً لنفسه ولعائلته وللمجتمع، وبأنّ الجلوس من دون عمل بدعوى التقاعد مجرد عذر واهٍ، مضيفاً أنّ العمل بعد التقاعد ليس عيباً بل مزية بالنسبة للرجل المسؤول، كما يتيح ذلك للمتقاعد السعي في طلب الرزق، وهو ما يساعده على تفادي العلل والعجز والاتكال على الغير، كما يضيف.