سوريو تركيا... موسم الهجرة إلى أوروبا

سوريو تركيا... موسم الهجرة إلى أوروبا

29 مارس 2019
المستقبل الأفضل للأبناء يشغل الأهل (عيسى تيرلي/ الأناضول)
+ الخط -

بعدما استقر بهم الأمر في تركيا، هاربين من بلادهم المنكوبة بالحرب والقمع، ها هم سوريون كثيرون يحاولون الهجرة مجدداً إلى دول الاتحاد الأوروبي، تحركهم أحلامهم نحوها، بالرغم من الحقوق الممنوحة لهم في تركيا

يبرر منير عبود، تهافت اللاجئين السوريين في تركيا، على الهجرة إلى أوروبا، بقوله إن "هناك تأميناً اجتماعياً وراتباً ويمكنك ضمان مستقبلك". يقول عبود (28 عاماً) لـ"العربي الجديد": "ما إن سمعنا أنّ ألمانيا، فتحت باب الهجرة لشباب سوريين من تركيا، حتى سارعنا للتقدم عبر القنصلية، وهذه ليست المرة الأولى، إذ سبق لكندا إعلان حاجتها للاجئين السوريين، وتقدمت بطلب يومها أيضاً".




يضيف اللاجئ السوري منذ أربع سنوات في تركيا: "هنا لا يمكن توفير المال ولا ضمان المستقبل، فما نحصل عليه من أجر، بالكاد يكفي كلفة الحياة المرتفعة في تركيا... أجري 1300 ليرة تركية (240 دولاراً أميركياً) يتوزع على إيجار المنزل ومصاريف الطعام والتنقل، وأحياناً أستدين، بالرغم من أنّ الطبابة في تركيا بالمجان لمن يمتلك بطاقة الحماية المؤقتة- كيملك". يتابع عبود المتحدر من ريف حلب لـ"العربي الجديد": "لا يمكن التنكر لما قدمته تركيا للاجئين السوريين، من حماية وخدمات، منذ عام 2011، بل هي أول دولة في العالم استيعاباً لهم بأكثر من 3 ملايين، كما لا يمكن نكران مجانية الطبابة والتعليم، وتعامل معظم الأتراك بشكل راقٍ وأخوي، لكن ليس من مستقبل هنا، خصوصاً مع تلاشي الأمل بعودتنا إلى سورية. هنا نعمل 9 ساعات يومياً، وبالكاد يكفي ذلك معيشتنا، علماً أنّي عازب، فما بالك بمن لديه أسرة وأولاد". حول إمكانية الحصول على الجنسية والاستقرار في تركيا، يجيب عبود: "القانون غير واضح حول من يحصلون على الجنسية التركية، كما أنّ الجنسية لن تحسن كثيراً من الواقع المعيشي، بل تنعكس سلباً على البعض ممن يحصلون على مساعدات".

دورة تدريبية للاجئين سوريين في ألمانيا (Getty) 












ضغوط

تتصاعد في تركيا "حمّى" تقدم اللاجئين السوريين للسفارات والقنصليات الأوروبية للهجرة، بل يهاجر، على نحو سرّي، عشرات أسبوعياً باتجاه اليونان بحراً، معرضين أنفسهم لمخاطر الطرد أو الموت حتى، كما يحصل منذ سبع سنوات. وكانت مواقع تركية عدة، قد نشرت أخيراً صوراً ومقاطع فيديو، تظهر تجمع آلاف السوريين، أمام أحد المباني في مدينة أورفا، جنوب تركيا، بعد تقارير عن نية ألمانيا استقبال 6 آلاف سوري من اللاجئين في تركيا. وتسبب التجمع الكبير، غير المسبوق من السوريين، بقطع السير أمام مبنى منظمة "التضامن لطالبي اللجوء والهجرة (آسام)" ما دفع الشرطة التركية للوجود بالمكان، وحصلت مشادات مع السوريين.

في هذا الإطار، يؤكد المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، لـ"العربي الجديد" أنّ تركيا ما زالت ترحب بالسوريين وتستضيفهم وستجنّس من هم مؤهلون من بينهم، لكنّ البعض يريد الهجرة إلى أوروبا، لسببين؛ الأول أنّ هناك سوريين كثيرين، خصوصاً في مدن الجنوب التركي، مثل أورفا، وعينتاب، ومرسين، وهاطاي، وهو ما أدى إلى قلة فرص العمل، وأدى إلى مشاحنات غير جيدة مع بعض الأتراك، ما شكل ضغطاً على الجالية السورية هناك. يضيف أنّ تركيا تنبهت لهذا الأمر، فلا تعطي حالياً بطاقات "كيملك" للسوريين في المدن التي يفوق فيها عددهم عدد الأتراك.

يتابع أنّ للسوريين الحق في أن يبقوا أو يهاجروا، لكنّه ينبّه إلى أنّ الدول الأوروبية تنتقي الكفاءات السورية فقط. يعتبر أنّ السبب الآخر لتهافت السوريين على الهجرة، أنّ هناك من يسوّق لأوروبا على أنّها جنة الله على الأرض، وهذا عملياً لا يعكس الحقيقة، إذ يتواصل سوريون كثر للعودة إلى تركيا بعد هجرتهم؛ "في أوروبا عنصرية من اليمين المتشدد، وهناك تعليم إجباري للغة، ولا يلاقي السوريون الترحيب الذي يحظون به في تركيا". يضيف: "لأول مرة أعلن أنّ تركيا تدرس مشروعاً جديداً ولم يعلن عنه رسمياً، وهو السماح للسوريين بتملّك العقارات ليشعروا بالاستقرار وهو ما سيعجّل بالحصول على الجنسية".




حول تدني مستوى الأجور في تركيا وغلاء المعيشة، وأثر ذلك على هجرة اللاجئين، يتابع كاتب أوغلو: "ليس في الإمكان المقارنة بين تركيا وأوروبا التي تقدم معونات للاجئين، لكن، لا يمكن الحديث عن حياة رغيدة هناك، فصحيح أنّ الأجور والمعونات عالية لكن تكاليف المعيشة مرتفعة أيضاً، وتركيا قدمت الصحة والتعليم بالمجان، وتركيا أنفقت نحو 32 مليار دولار أميركي حتى الآن، ولم يأتِ من أوروبا سوى أقل من مليار، بالرغم من الوعود". يختم: "لو تعاطى السوريون في تركيا مع الحياة، كما يفعلون في أوروبا، أي أجبروا أنفسهم على إجادة اللغة والانخراط في سوق العمل، لتحسنت أجورهم كثيراً، لكنّ معظمهم، للأسف، يتجه نحو أعمال الجهد البدني لغير المهرة، الزهيدة الأجور". ينبه إلى أنّ من حق أي سوري أن يشتكي على رب عمله إن لم يسجّله في التأمين، أو لم يمنحه الحد الأدنى للأجور. وكانت تركيا قد أعلنت، منذ بداية العام الجاري، أنّ الحد الأدنى للأجور يبلغ 2020 ليرة (360.5 دولاراً) وبذلك يمكن أن يصل إلى 2700 ليرة (498 دولاراً) مع المخصصات الجانبية، وهناك زيادة على الراتب كلّ 6 أشهر. كلّ هذا يطاول السوريين إن كانوا مسجلين في التأمين".

من جهته، يعتبر نائب رئيس الجالية السورية بإسطنبول سابقاً، إبراهيم كوكي، أنّ سبب الهجرة، سواء من تركيا أو دول الخليج إلى أوروبا، خصوصاً من شريحة الشباب، يعود إلى فقدان الاستقرار وضمان المستقبل بتلك الدول، لأنّ شرط السوريين الأهم، بعد التهجير، هو البحث عن الاستقرار، ربما لانقطاع أملهم بالعودة إلى سورية، خصوصاً من هم بعمر التجنيد والاحتياط أو المتحدرين من مناطق تشهد خراباً وسيطرة للنظام. يبيّن لـ"العربي الجديد" أنّ تركيا قدمت وما زالت، ما بوسعها من شروط وخدمات، ولا يمكن تجاهل أو نكران ذلك، لكنّ الدول الأوروبية تقدم إغراءات المعونات والأمان بالنسبة للمستقبل. ويعتبر كوكي أنّ تدني الأجور بتركيا وبعض الحوادث التي جرت بين الأتراك والسوريين ووصلت إلى حدّ تفشي الخطابات العنصرية والقتل أحياناً، شكلت دافعاً لدى بعض السوريين للهجرة إلى أوروبا.

في أوروبا
ويبقى السؤال عما تقدمه الدول الأوروبية للاجئين ولا يحصلون عليه في تركيا، وهل الحياة هناك مفروشة بالورود فعلاً، كما يتصور بعض الشباب السوريين؟ يقول اللاجئ السوري ببرلين، سامر عبد العزيز: "منذ وصول اللاجئ وتقديم طلب اللجوء، تكفله جهة حكومية، ويمنَح إن كان في مركز إيواء، 400 يورو شهرياً، وذلك حتى يأخذ الإقامة ويحصل على موافقة اللجوء. من بعدها، ومع تحويلهم إلى جهة حكومية أخرى، وخروجهم من مراكز الإيواء، يُمنح كلّ فرد بلغ الثامنة عشرة، مبلغ 475 يورو، كما يمنح الطفل في العائلة 194 يورو، عدا عن إيجار البيوت الذي تحوله الجهة الحكومية إلى شركة الإسكان، بمعدل 800 يورو شهرياً". يتابع: "يستمر الجوب سنتر، وهي الجهة الحكومية المكلفة، بتقديم المعونات حتى يبدأ اللاجئ العمل. وفي حال بدأ العمل، يصل الدخل إلى نحو 1500 يورو شهرياً، فينقطع راتب البطالة لكن يستمر الجوب سنتر في دفع إيجار المنزل". وحول التأمين الصحي والمبالغ الإضافية التي تدفعها ألمانيا للاجئين، يضيف عبد العزيز لـ"العربي الجديد": "يدفع الجوب سنتر التأمين الصحي كاملاً لجميع الأمراض بما فيها العمليات الجراحية، وكلّ طفل دون 10 سنوات، لا يدفع سعر الأدوية، وفوق العاشرة يدفع فقط خمسة يوروات، كما هناك تخفيض على ثمن اشتراك المواصلات البالغ سعره 83 يورو في برلين، فيحصل عليه اللاجئ بنحو 27.5 يورو فقط".

اعتصام للاجئين سوريين في باريس (ليونيل بونافنتوري/ فرانس برس) 












يشرح المزايا التي يتمتع بها اللاجئون في ألمانيا من تعليم مجاني للأطفال ودورات لغة واندماج، ودورات تأهيل للدخول إلى سوق العمل، مجانية، مستدركاً: "ليست أوروبا جنة الله على الأرض كما يظنها البعض، بل هناك موجة عنصرية بدأت تتعاظم، والأهم، لا حياة اجتماعية كالتي اعتاد عليها السوريون هنا". يؤكد عبد العزيز، أنّ الحياة في أوروبا جدية وصعبة وليست بالرحابة والراحة اللتين يعيشهما السوريون في تركيا، فهنا تعلم اللغة إلزامي وهنا لا تكافل اجتماعياً، فضلاً عن الغلاء الذي يأتي تقريباً على كامل ما يحصل عليه اللاجئ من مال".

بدورها، تقول الإعلامية السورية، مزن مرشد، اللاجئة بفرنسا، لـ"العربي الجديد": "لا أعرف بالضبط ما الذي تقدمه تركيا التي أراها الأقرب إلى مجتمعنا السوري وإلى أسلوب حياتنا، فاللاجئ إليها لن يشعر بحجم الغربة الذي يشعر به اللاجئون هنا في أوروبا". تضيف: "اختلف الوضع في فرنسا عما كان عليه من قبل، فمنذ العام 2014 لم تعد فرنسا قادرة على تأمين مكان يؤوي الآتين الجدد في الأشهر الأولى التي تستغرقها إجراءات اللجوء". تتابع: "اليوم، إن لم يكن لك أصدقاء أو أقارب لديهم بيت يؤويك في الأشهر الأولى لوصولك فالوضع سيكون كارثياً، إذ سيكون السوري تحت رحمة رقم الهاتف 115، وهو رقم يتصل عليه المشردون ليؤمن لهم مأوى في أحد الفنادق الرخيصة لليلة واحدة على الأقل وأسبوع واحد على الأكثر، ثم الاتصال مجدداً والانتقال إلى مكان آخر إن وُجد بحسب المتاح، وهو ما تجاوزته ألمانيا والسويد وغيرهما على عكس فرنسا".

تستدرك: "يتمتع اللاجئ السوري في فرنسا، سواء اللاجئ السياسي (إقامة دائمة عشر سنوات) أو اللاجئ الإنساني (إقامة مؤقتة سنة واحدة تجدد سنوياً وبشكل روتيني) بحقوق يحسده عليها الفرنسيون والمقيمون معاً إذ تؤمن له الدولة التأمين الصحي المجاني الكامل 100 في المائة، وتوفر له التعليم المجاني لأولاده منذ سن الحضانة، حتى نهاية التحصيل الجامعي والدراسات العليا، بالإضافة إلى منحة بورس، وهي منحة شهرية تقدم للطالب الجامعي طوال فترة الدراسة، وتصل إلى 500 يورو شهرياً، وتشمل الإجازة الصيفية". على صعيد معونات الحياة الأساسية، إنّ فرنسا تقدم للعائلة سكناً اجتماعياً شبه مجاني إذ تدفع الدولة 80 في المائة من إيجاره والباقي يدفعه اللاجئ من مساعداته الشهرية التي تبلغ نحو 1300 يورو للأسرة المكونة من أربعة أفراد؛ أب وأم وابنين تحت سن الخامسة والعشرين. كذلك، يقضي القانون الفرنسي بحق حصول اللاجئ على الجنسية الفرنسية في حال إتقانه اللغة وحصوله على عمل، وهما الشرطان اللذان تتجاوزهما السويد لمنح جنسيتها وإن ألمانيا تضيف إليهما شروطاً إضافية.




اللاجئ السوري في فرنسا، عبد الجواد حسون، الذي غادر تركيا قبل أربع سنوات، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أوروبا ليست الجنة الموعودة، لكنّها مكان للاستقرار الذي نبحث عنه من أجل أولادنا. في تركيا، الوضع جيد، لكنّ المستقبل الغامض سبب كافٍ للبحث عن مكان أقل إثارة للقلق على أطفالنا، خصوصاً أنّ تجارب المدارس التي أدارها سوريون في تركيا، كانت حافلة بكثير من الفساد والفشل اللذين فاقا المدارس تحت سلطة نظام الأسد".

المساهمون