ألعن من أبيه

ألعن من أبيه

25 مارس 2019
كان يسمعهم يتحدثون (عن صفحة "مصر أيام زمان")
+ الخط -
تقول الحكاية الشعبية إنّ شاباً وحيداً لوالديه، قد تُوفي والده منذ زمن طويل، وما إن شبّ وبدأ العمل في بلدته حتى بات يسمع الناس تتحدث من خلف ظهره، موجّهين اللعنة على والده بدلاً من الترحّم عليه: "الله يلعن أبوه". يوماً بعد آخر... سنة بعد أخرى، تجاهل الأمر. لكن، عندما اشتدّ عوده وبدأ في خوض شجارات مع بعضهم، زعموا أنّهم لا يتحدثون عنه أو عن والده، إنّما فهم الأمر خطأ لا أكثر. وهكذا تهرّبوا منه كما تهربت والدته مراراً حين سألها عن والده وما كان يفعل.

لكنّ الشاب، في أحد الأيام وقد سمع اللعنات نفسها، وهو لا يشكّ أساساً أنّها موجهة فعلاً إلى والده، عظم الأمر عليه، فذهب إلى والدته، وهددها بالحرق والقتل فوراً إن لم تخبره بما فعل الوالد بهؤلاء القوم كي يلعنوه هكذا. وعندما أدركت الوالدة أنّه جدّي في تهديده، أخبرته أنّ والده كان كلّما مات أحد من أهل البلدة ودُفن ذهب سراً إلى المقبرة فنبش القبر وخلع الكفن عن الميت ليبيعه.

ترك الشاب والدته بينما تلمع في رأسه فكرة: "أهذا هو الأمر إذاً؟"، وهكذا قرر أن يحلّ الترحم على روح والده بدلاً من اللعنة.

يتصاعد الموقف في القصة، التي تحمل حتى الآن طابعاً كبيراً من العنف وقلة الاحترام بحق الأم، وهي القصة التي يرويها مسنّون خبراء في الحياة وخفاياها، كما يعرفونها في السوق خصوصاً. لكنّ السياق يذهب في غير ما هو متوقع، فهي ليست أمثولة في الأخلاق الحسنة مما يضعه البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، يوماً بعد يوم، حتى تظنّ أنّ العالم الذي يعيشون فيه هو غير عالمنا. هي قصة تعكس واقعاً اجتماعياً في كامل تجلياته، الإيجابية والسلبية، والإيجابية المستمدة من السلبية، والسلبية المبنية على سلبية بهدف التوصل إلى إيجابية. هي قصة تدخل في صميم النسبية وتتلاعب بها، ليصحّ اعتبارها حكاية شعبية فعلية.

فالشاب لم يبادر إلى الاعتذار، ومحاولة التكفير عن ذنب والده، ودفع الأموال لرجل دين ما كي يصلّي ويصوم له ويدعو له لنيل الغفران، بل قلب المعادلة تماماً، إذ فعل بأهل البلدة ما هو أشنع بكثير من فعل والده، حتى بدأوا فعلاً في الترحّم عليه بدلاً من لعنه.




صار، ببساطة، ينبش القبر سراً، كلما دُفن أحد من أهل البلدة، ويسرق الكفن... ثم يترك القبر مفتوحاً على الميت بعد أن يُجلسه على خازوق. هي لمسة "إبداعية" منه آتت أكلها، إذ بات الناس يترحمون على أبيه وزمانه، إذا ما قارنوا فعل الابن بفعل الأب، ليصحّ فيهما مثل لبناني عتيق، نورده بصيغته العامية غير الفصيحة، مع ما يحمله الكلب من مضمون سلبي في الثقافة الشعبية: "كلب خلّف جرو... طلع ألعن من أبوه".

دلالات

المساهمون