العطش يهدد مدن موريتانيا

العطش يهدد مدن موريتانيا

22 مارس 2019
نقص كبير في المياه بموريتانيا (العربي الجديد)
+ الخط -
يحمل الشاب الموريتاني محمد ولد سالم (35 عاما)، فوق رأسه آلة جلب المياه من بئر القرية كل صباح، وكل همّه أن يتمكن من جلب برميل مياه لا يكفي لشرب أفراد أسرته وبضعة شياه وبقرة، وذلك قبل أن يتوجه سكان القرية إلى البئر ذاتها التي لا تتوفر على الكثير من المياه.

يقول ولد سالم لـ "العربي الجديد"، إن سكان قريته الواقعة في أقصى الشرق الموريتاني يعانون من عدم توفر المياه مثل باقي سكان القرى والمدن في وسط وشرق البلاد التي تعاني معظمهما من أزمة عطش متواصلة منذ عدة سنوات، وسط آمال بتدخل حكومي ينهي مأساة آلاف الأسر التي يتهددها خطر العطش".

بدوره، يوضح محمد ولد الحاج أحد سكان مدينة لعيون عاصمة محافظة الحوض الغربي، أن المدينة تعاني من أزمة العطش، ومعظم الأسر في أطرافها المترامية لا تصلهم خدمة المياه نتيجة النقص الحاصل فيها، وهو ما جعل مسؤولي شركة المياه يوزعون ما توفر منها على الأحياء بشكل دوري، إلا أن عملية التوزيع هذه لا تجدي نفعا وتفاقم أزمة العطش التي يعاني منها السكان".

ويؤكد المتحدث أن "سكان مدينة لعيون كبرى مدن الشرق الموريتاني يلجؤون إلى شرب مياه الآبار الارتوازية مع قلتها ونضوب مياهها، وذلك بسبب النقص الحاصل في المياه العذبة وعدم وصول الصنابير إلى أغلب الأسر، وإن وصلت لا تضخ ما يكفي للشرب من المياه". 

ويطالب سكان مدن الشرق والوسط الموريتاني بتوفير المياه العذبة، وإنهاء معاناتهم مع العطش، واعتمادهم على مياه الآبار الارتوازية التي تبعد كثيرا من المسافات في بعض الأحيان، وكثيرا ما يعاني أغلب هذه الآبار من النضوب والملوحة والتلوث". 

ويقول ولد سالم، إنّ فصل الصيف أقبل ودرجات الحرارة في ارتفاع متزايد، وهو ما يعرض حياة المواطنين ومواشيهم للخطر نتيجة تفاقم أزمة المياه وتغافل الجهات الرسمية عن حجم معاناة السكان، وانعدام أي حلول تلوح في الأفق للتقليل من خطر أزمة العطش المتفاقمة في موريتانيا منذ عقود.

ويضيف أنّ السكان في المناطق النائية ليست لديهم مطالب سوى حل أزمة العطش، وتأمين المياه لأنفسهم ولمواشيهم التي يعتمدون عليها في قوتهم، مشيرا إلى أن السياسة لا تعنيهم في شيء، وإنما يعنيهم حل مشكل المياه والإسراع في إيجاد بدائل لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز 50 درجة مئوية في مناطق مختلفة من البلاد.

وعلى الرغم من معاناة أغلب السكان نتيجة عدم توفرهم على مياه عذبة، فإن هناك عدة مشاريع لتوفير المياه، أبرزها مشروع "آفطوط الشرقي" الذي يستهدف سكان منطقة ما يعرف بـ "مثلث الأمل" في الوسط والجنوب، وهي منطقة عرفت جفافا حادا زاد من صعوبة توفير مياه الشرب خلال العقود الماضية، ومشروع "آفطوط الساحلي" الذي يستهدف تغطية حاجيات العاصمة نواكشوط والمدن القريبة منها بالمياه، إضافة إلى مشروع "بخيرة اظهر" الذي يهدف إلى تزويد المحافظات الشرقية بمياه الشرب، وهو المشروع الذي انطلق العام الماضي ولم يغطِ سوى مدن قليلة من محافظة الحوض الشرقي، رغم معاناة أغلب مناطق الشرق الموريتاني من أزمة مياه صالحة للشرب.

ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الموريتانيين الذين لا تصلهم المياه العذبة، لكن الآلاف يعانون من نقص الخدمة وانعدامها أحيانا في مناطق متعددة من البلاد، إذ تشير تقديرات موريتانية محلية إلى أن أكثر من 75 بالمائة من منازل العاصمة نواكشوط يتحصلون على المياه عبر عربات بيع المياه، التي توفر المياه من حنفيات عمومية معرضة للانقطاع بشكل دائم.

وتؤكد إحصائيات محلية صادرة عن الشركة الوطنية للمياه في موريتانيا، أنّ عدد مشتركي الشركة الوطنية للمياه في العاصمة نواكشوط لا يتجاوز 25 ألف مشترك من إجمالي عدد السكان البالغ مليون نسمة.

وكشفت دراسة بريطانية سابقة، أنّ موريتانيا هي البلد الأكثر هشاشة في مجال المياه في العالم، كما أكدت دراسة أخرى أن مصادرها من الماء هي الأقل استقرارا في العالم، إذ جاءت ضمن الدول الأقل استقراراً إلى جانب السودان والصومال، واعتبرت الدراسة أن 30 في المائة فقط من سكان موريتانيا يحصلون على المياه الصالحة للشرب.

وكانت الحكومة الموريتانية قد أعلنت قبل نحو أربع سنوات عن سياسة تنمية قطاع المياه، التي تهدف إلى توفير مياه الشرب والصرف الصحي ورفع نسبة التغطية على المستوى الوطني من 40 إلى 68 في المائة.

وتؤكد الحكومة الموريتانية أنها تعمل على تكثيف وتوسيع الشبكات المائية في المحيط الحضري وشبه الحضري والريفي، وتعمل جاهدة مع الشركاء التنمويين على إنجاز منشآت مائية جديدة في مناطق مختلفة.

وعجزت كافة الحكومات المتعاقبة في موريتانيا عن حلّ مشكلة نقص مياه الشرب التي تعاني منها جل مناطق البلد، ولم تفلح الخطط والاستراتيجيات في معالجتها.

وتزداد معاناة الموريتانيين مع موجة العطش، كلما ارتفعت درجات الحرارة، واقترب موسم الصيف، إذ تندر المياه وتصبح الثروة الحيوانية في مواجهة خطر الموت عطشا في مناطق واسعة من البلاد.

وحذرت العديد من الأحزاب السياسية والجمعيات وهيئات المجتمع المدني من خطورة استمرار نقص المياه في موريتانيا، وسط مطالب من السكان بتوفير المياه، إذ تظاهر العديد من سكان المدن والمحافظات الداخلية وخصوصا في الشرق والوسط، مطالبين بتوفير مياه الشرب لهم ولمواشيهم التي يلجؤون للذهاب بها إلى دول السنغال ومالي المجاورتين لموريتانيا.

المساهمون