شباب داخل فلسطين

شباب داخل فلسطين

20 مارس 2019
يقبلون بالعمل في أيّ مجال (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -
كما يطارد الاحتلال شباب فلسطين في نهاراتهم يطاردهم في أحلامهم ومستقبل عيشهم. لذلك لا ينفصل وضعهم عن هذا الاحتلال الذي يطبق على أنفاسهم ويحول دون عيشهم حياة عادية في يومياتهم. لذا لا تنفصل أعمالهم وبطالتهم عن الوضع الذي يحيونه في ظل احتلال استيطاني يعمل يومياً على حفر تراب بلادهم من تحت أقدامهم. لكن شباب فلسطين لا يعيش فقط في الضفة وقطاع غزة كأرض فلسطينية، بل هو يعيش في الأردن ولبنان وسورية، وكل هذا ونحن لم نتحدّث عن أولئك الذين ركبوا الأمواج في سفن وزوارق متهالكة وعبروا البحر المتوسط، منهم من وصل ومنهم من قضى في طريقه.

والشباب هم الذين يدفعون الثمن الأفدح من سواهم من باقي الفئات السكانية، سواء أعاشوا في الضفة تحت القهر اليومي أو في قطاع غزة تحت الحصار وقيود العزلة. وتبعاً لمسح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهو هيئة تحظى بتقدير دوائر الإحصاء الدولية والأممية، تقارب نسبة الخريجين العاطلين عن العمل ومعدل أعمارهم بين 15 – 29 عاماً في كل من الضفة والقطاع الـ 63 في المائة، وهي نسبة لا شبيه لها تقريباً على صعيد المنطقة، باستثناء العراق الذي عرضنا لأوضاع الخريجين من أبنائه. وقد سجّل الخريجون من خريجي العلوم التربوية وإعداد المعلمين أعلى نسبة بطالة، إذ بلغت النسبة 69.6 في المائة، ضمنها 47.5 في المائة للذكور و76.2 في المائة للإناث، بينما سجل خريجو الحقوق أدنى نسبة بطالة ذكوراً وإناثاً. واللافت في ما يقوله الرقم السابق هو أن الذين حصلوا على عمل لم يجدوه في مجال اختصاصهم بل في مجالات عمل لا علاقة لها بالشهادة التي يحملونها. ويقدّر الجهاز نسبتهم بحوالي 40 في المائة. أما معدل البطالة العام بين الضفة والقطاع فيصل وسطياً إلى 26.6 في المائة، وهو رقم كبير باعتباره يحتاج إلى تدقيق في طبيعة العمل الذي يزاوله العاملون، ومدى ملاءمته لمهاراتهم. إذ المعروف مثلاً أن العاملين من بين الخريجين يعمل قسم كبير منهم في مهن هامشية تتم ممارستها من أجل تأمين حياة الكفاف لا أكثر ولا أقل، وغالباً من دون أجور كافية أو من دون ضمانات اجتماعية. ومن المعروف بناء على دراسات أكاديمية استغرقت سنوات من المتابعة أن من يحظون بفرص وأجور وضمانات حقيقية ينتمي آباؤهم إلى الطبقات العليا في المجتمع، ولا ينسحب ذلك على الفئات الوسطى والفقيرة. وأمام انسداد الأوضاع في الضفة يلجأ كثير من الشباب مثلهم مثل العمال غير المؤهلين إلى العمل في بناء المستوطنات الإسرائيلية، وكأنهم بذلك يحفرون قبورهم وقبور بلادهم. بالطبع يدرك هؤلاء ما تقترفه أيديهم، ولكن اليأس والحاجة يدفعانهم إلى ذلك، لأن الأجور تقريباً هي عشرة أضعاف ما يحصلون عليه، لذا هم يندفعون مثلهم مثل سواهم إلى هذا العمل المتوافر أمامهم دون سواه.




وفي قطاع غزة يعيش الجميع تحت ضائقة تقارب الكارثة الكاملة، حتى إن الجيش الإسرائيلي يضغط من أجل تخفيف حدة الحصار كي لا ينفجر الوضع في وجهه، كذلك عارض هو والأجهزة الأمنية تقليص مساعدات الأونروا لحوالي 2 مليون نسمة. والمعضلة كما تتبدّى دوماً مصدرها الأساس هو الاحتلال ثم يأتي بعدها عدم مواءمة الدراسات الجامعية مع سوق العمل وانعدام الفرص لتأسيس أعمال صغيرة خاصة يمكن أن تتطوّر تباعاً.

*باحث وأكاديمي

المساهمون