روائح كريهة غامضة في طهران

روائح كريهة غامضة في طهران

18 مارس 2019
أجواء سيئة تسببت بها الرائحة (روزبه فولادي/Getty)
+ الخط -

يمكن أن تنتشر في أيّ مدينة روائح كريهة، فتتعامل معها السلطات، أما في طهران فلم يُعرف مصدر الرائحة أساساً

في صبيحة الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، استيقظ سكان العاصمة الإيرانية طهران على رائحة كريهة عمت أنحاء المدينة لعدة أيام، خصوصاً في غربها ووسطها. وبالرغم من زوالها فمصدرها ما زال غامضاً حتى اليوم، مع استمرار روائح أخرى في مناطق بجنوب العاصمة، لم تعثر السلطات على مصادرها بعد.

شغلت قضية "الرائحة الغامضة" الرأي العام المحلي بشكل واسع، وتصدرت عناوين الصحف الورقية ووسائل الإعلام الرقمية، كما أنّ شبكات التواصل الاجتماعي تعاملت معها منذ اللحظة الأولى، فتوالت ردود الفعل، وسرعان ما اجتاحت شبكة "تويتر" وسوم "رائحة طهران"، و"رائحة"، و"رائحة كريهة"، و"رائحة غامضة".




تناولت الشبكات القضية بسخرية، وانتقاد، من خلال ربطها بالقضايا الساخنة في البلاد، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وبصعوبات الحياة اليومية في العاصمة الإيرانية، فكتب مستخدمون أنّها رائحة ملفات فساد واختلاسات جديدة، كما أقحمها آخرون بالسجالات السياسية الدائرة بين المعسكرين الإصلاحي والمحافظ.

وبموازاة تسيير دوريات من قبل البلدية، والدفاع المدني وكذلك منظمة حماية البيئة في شوارع طهران لتحديد مصدر الرائحة، طرحت وسائل الإعلام والسلطات احتمالات وتخمينات عديدة، لكنّ ما أثار مخاوف الطهرانيين وأقلقهم خلال الساعات والأيام الأولى، هي تلك الأنباء، أو ما اعتبرتها السلطات لاحقاً إشاعات، أنّ الرائحة المنتشرة هي من الكبريت، وهي ناجمة عن ثوران بركان جبل دماوند الذي يبعد عن طهران 70 كيلومتراً، لكنّ وزارة الإسكان ومنظمة حماية البيئة نفتا أن يكون مصدر الرائحة انتشار غازات البركان.

فضلاً عن ذلك، فإنّ أهم الاحتمالات الأخرى التي طرحت وواجهتها السلطات بالنفي، أنّ الرائحة يمكن أن تعود إلى انفجار أنبوب صرف صحي في ساحة الثورة وسط العاصمة، أو انفجار مجار صحية أخرى، أو حفريات تحت برج "بلاسكو" الشهير الذي انهار عام 2017، أو مدفن نفايات "كهريزك" الكائن بجنوب طهران، أو عملية تخريب متعمد، أو تغييرات جيولوجية وإنذار مسبق بوقوع زلزال قريب، أو مصانع بتروكيمياوية بالقرب من العاصمة.

وبينما كان الجميع في طهران يبحث عن احتمالات جديدة، بعد نفي سابقاتها، أرجع محافظ طهران أنوشيروان محسني بنديي، سبب انتشار الرائحة بعد مضي شهرين عليها إلى غاز "ميركابتن" ذي الرائحة السيئة التي تشبه رائحة البيض الفاسد، ويستخدم في الكشف عن تسرب مواسير الغاز. لكنّ منظمة الدفاع المدني نفت انتشار هذا الغاز، وقال رئيسها العميد غلام رضا جلالي، إنّ الفرق الفنية التي أوفدتها المنظمة إلى داخل المدينة، فحصت مراكز تمديدات الغاز في مناطق انتشار الرائحة، ولم تجد أثراً لهذا النوع من الغاز، كما أنّ تقريراً أصدرته شركة الغاز الوطنية أكد أيضا صحة رواية الدفاع المدني. أضاف جلالي أنّ إرجاع مصدر الرائحة إلى انتشار غاز "ميركابتن" يهدف إلى إغلاق الملف، بعد العجز عن اكتشاف أسباب الرائحة، مؤكداً أنّ منظمته تعتبر الموضوع مفتوحاً حتى تعثر على المصدر.

من جهتها، أعلنت منظمة حماية البيئة أنّها أغلقت الملف بعد دراستها جميع الفرضيات، وعدم التوصل إلى نتيجة محددة، قائلة إنّ نزول الأمطار بعد انتشار الرائحة جعل من المستحيل اكتشاف المصدر.

وعلى الرغم من أن الرائحة الكريهة زالت من دون أن يعرف مصدرها أو طبيعتها، وجرى إغلاق ملفها، فقد سلطت الضوء على مشكلة مشابهة يعاني منها جنوب العاصمة طهران منذ عقود، وهي الروائح الكريهة على الطريق المؤدي من مطار "الإمام الخميني" وإليه. وقد ذكر بنديي قبل أيام أنّه جرى التعرف على 28 نقطة ومركزاً، تنتشر منها الروائح الكريهة منذ 30 عاماً، مؤكداً: "يتوجب علينا أن نكتشف مصدر هذه الرائحة".

وبحسب وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، فإنّ اجتماعاً عقدته مجموعة عمل "تقليل تلوث طهران" في السابع عشر من فبراير/ شباط الماضي، ناقش قضية الروائح بالتفصيل، وطالب المجتمعون بضرورة مضاعفة الجهود لتحديد مصادرها والبحث عن حلول لها، خصوصاً أنّها تقع على طريق المطار الدولي، ويشمّها "السائحون الأجانب قبل أن يدخلوا إلى طهران لمشاهدة جمالها ومظاهرها الخلابة".

كذلك، نوقشت في الاجتماع دراسة أعدتها منظمة حماية البيئة الإيرانية حول مشكلة الروائح، تحدد خمسة مواقع بالمنطقة القريبة من المطار، معظمها مجمعات لتربية المواشي والحيوانات الأخرى، قائلة إنّها تعتبر مراكز رئيسة ومؤثرة في انتشار الروائح السيئة.




وفي السياق، كشف رئيس منظمة حماية البيئة، عيسى كلانتري، أنّ المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، منزعج من عدم حل معضلة هذه الروائح، موجهاً تعليماته إلى الحكومة بضرورة إنهاء هذه المشكلة قبل انتهاء ولايتها في عام 2021، وفقا لوكالة "إيسنا". وخصصت الحكومة خلال العام الإيراني الحالي الذي ينتهي في 21 مارس/ آذار الجاري رقم 100 مليار تومان (7.5 ملايين دولار أميركي) في الموازنة العامة لحلّ المشكلة، لكنّها لم تفلح بعد في ذلك.

يسكن في طهران بحسب إحصاءات عام 2017، 13 مليوناً و260 ألف نسمة تقريباً. ويرتفع النمو السكاني في هذه المدينة بمعدل 1.79 في المائة سنوياً.

المساهمون