حزن وتضامن في نيوزيلندا... حراسة المساجد ودعم نفسي للمدارس

حزن وتضامن في نيوزيلندا... حراسة المساجد ودعم نفسي للمدارس

17 مارس 2019
تجمّع تأبيني لضحايا المذبحة في ويلنغتون فيجيل بنيوزيلندا(إلياس رودريغز/Getty)
+ الخط -

يستمر الحزن مخيماً على نيوزيلندا، اليوم الأحد، وتبدأ مراسم تأبين ضحايا المذبحة التي وقعت في مسجدين، في بلدة كرايست تشيرش، أول من أمس الجمعة. ومع كشف قائمة بالضحايا الخمسين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و77 عاماً، أعلنت رئيسة الوزراء، جاسيندا أردرن، عن البدء بنقاش التعديلات على قوانين حيازة الأسلحة، مشيرة إلى توفير حراسة للمساجد ودعم نفسي وأمني لطلبة المدارس.

ومنفّذ المجزرة متطرف أسترالي اسمه برينتون تارنت، شكّل بيده شارة العنصريين لدى مثوله، أمس السبت، أمام محكمة وجّهت إليه تهمة القتل. ولم يُبد مدرّب اللياقة البدنيّة السابق، البالغ من العمر 28 عاما والذي جاهر بكونه فاشيا، أي ردّ فعل عند توجيه التهمة إليه، لكنه جمع إبهامه وسبّابته، في رمز يستخدمه أنصار نظرية تفوّق العرق الأبيض عبر العالم. وسيبقى قيد الاعتقال حتى جلسة مقبلة حُدد موعدها في الخامس من إبريل/نيسان المقبل.

تسليم الجثامين وحراسة المساجد

وقالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أردرن، في مؤتمر صحافي، اليوم الأحد، إن عملية تسليم جثامين ضحايا الهجوم الإرهابي إلى ذويهم ستبدأ مساء اليوم، وتوقعت أن يتم الانتهاء من تسليم جميع الجثامين بحلول يوم الأربعاء المقبل.

وتتراوح أعمار المصلّين الذين قُتلوا في الهجوم بين 3 و77 عامًا، وفقًا للائحة غير نهائيّة للضحايا وضعتها عائلاتهم، ولم تُعلن السلطات رسميًا حتّى الآن هوّيات الضحايا.

وسبق لعمدة مدينة كرايست تشيرش، ليان دالزيل، أن ذكرت، أمس، أن موظفي مجلس المدينة يعملون على إعداد مواقع المقابر، لإجراء عمليات الدفن في أقرب وقت ممكن، تمشيا مع متطلبات الشريعة الإسلامية.

وأوضحت أردرن في المؤتمر الصحافي أن منفذ الهجوم الإرهابي موجود في سجن شديد الحراسة، وأن الشرطة ستحرس المساجد خلال الصلوات وستكون بالقرب منها في كل الأوقات، كما تحدثت عن خدمات ستقدمها حكومتها لمساعدة المدارس والطلاب أمنياً ونفسياً.

وقالت أردرن إن 10 آلاف دولار ستُصرف لأسرة كل ضحية، ويمكنها إنفاق ذلك على نقل الجثمان للدفن خارج نيوزيلندا، لو رغبت في ذلك.

وذكرت رئيسة الوزراء النيوزيلندية أن مكتبها تلقى بياناً أرسله مرتكب الهجوم الإرهابي، الذي أودى بحياة 50 شخصا، أول من أمس الجمعة، قبل تسع دقائق فقط من بدء الهجوم الأول. وأشارت إلى أنّ البيان "لم يتضمّن أيّ موقعٍ أو تفاصيل محدّدة"، مضيفةً أنّه تمّ إرساله إلى أجهزة الأمن خلال أقلّ من دقيقتين بعد استلامه.

وقالت أردرن إن الأسترالي برينتون تارنت (28 عاماً)، منفّذ الهجوم الإرهابي، لن يتم تسليمه إلى بلاده، مضيفة "بالتأكيد، سيواجه النظام القضائي النيوزيلندي بسبب الهجوم الإرهابي الذي ارتكبه هنا".

وسيبدأ مجلس وزراء حكومة أردرن مناقشة التغييرات المحتملة لقوانين الأسلحة في نيوزيلندا. وأضافت "لا يمكن أن نُحجم عن العمل الذي يتعيّن علينا القيام به بشأن قوانين الأسلحة لدينا".

وقالت جاسيندا أردرن إنّ الضحايا يتحدّرون من أرجاء العالم الإسلامي، وبينهم أربعة مصريّين وسعودي وإندونيسي وأربعة أردنيّين وستّة باكستانيّين. وأوضحت أن المهاجم جمع ترسانة من الأسلحة وحصل على رخصة حمل أسلحة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وتعهدت بإقرار إصلاحات واعدة "يمكنني أن أؤكّد لكم أن قوانيننا حول الأسلحة ستتغيّر".

يشار إلى أن أردرن زارت المدينة، أمس السبت، مرتديةً غطاء للرأس أسود اللون، والتقت ناجين وذوي الضحايا في جامعة أقيم فيها مركز استعلام.

أهالي الضحايا والبطل الأفغاني

وأوضح الرئيس التنفيذي لمجلس الصحة في مقاطعة كانتربري، إن 34 مريضا أصيبوا في الهجوم ما زالوا يخضعون للعلاج في المستشفيات، من بينهم 12 في حالة حرجة. وكان من بين المصابين طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات نُقلت إلى مستشفى ستارشيب للأطفال في أوكلاند، وهي في حالة حرجة.

وقال إبراهيم عبد الحليم، إمام مسجد لينوود، أحد المسجدين المستهدفين خلال صلاة الجمعة، "ما زلنا نحب هذا البلد"، مؤكدا أن المتطرفين "لن يقوّضوا أبدا ثقتنا".

وأعلن مفوض الشرطة، مايك بوش، أن رجلا آخر أوقف، أول من أمس الجمعة، سيمثل أمام القضاء، غداً الإثنين، في اتهامات "على ارتباط" بالهجومين، ولو أنه لم يكن ضالعا مباشرة، على ما يبدو، في المجزرة.

وطالب ابن أحد الضحايا، وهو أفغاني يُدعى داود نبي عمره 71 عاما، بإحقاق العدالة، معلناً قرب المحكمة "هذا أمر فظيع لا يمكن تصوره".

ونشر موقع "ستاف.كو.إن زد" الإخباري شهادة عبد العزيز، الأفغاني الأصل، الذي وصفه بأنه "بطل"، بعدما جازف بحياته لطرد القاتل. وروى المسلم البالغ من العمر 48 عاما أنه عند سماع إطلاق نار، هرع إلى خارج مسجد لينوود، تاركا فيه ابنيه البالغين من العمر 5 و11 عاما. وقام بمطاردة مطلق النار الذي كان يتوجه إلى سيارته لجلب قطعة سلاح جديدة، وعندما عاود المهاجم إطلاق النار، اقترب عزيز منه متسللا خلف سيارات مركونة، فرأى سلاحاً تركه المسلح لنفاد ذخيرته. وعندما عاد الأسترالي مرة جديدة إلى سيارته لتبديل سلاحه، روى عبد العزيز أنه استولى على السلاح المتروك بلا ذخيرة ورماه كالسهم لتحطيم زجاج السيارة. وقال "هذا ما أخافه"، مشيرا إلى أن المهاجم غادر عندها المكان.

موجة تضامن

وأثارت المأساة صدمة كبرى في نيوزيلندا، البلد البالغ عدد سكانه خمسة ملايين نسمة، ويشكل المسلمون 1 في المائة منهم، والمعروف بهناء العيش فيه وبمستوى الإجرام المتدني وبتقاليد الحفاوة بين سكانه.

وفي أرجاء الجزيرة الهادئة، تفاعل المواطنون مع دعوات التّضامن العابرة للديانات، إذ تمّ جمع ملايين الدولارات، والتبرّع بالطعام الحلال، بل وحتّى تطوّع بعضهم بمرافقة المسلمين الخائفين الآن من السّير بمفردهم في الشوارع.

وتوافد أشخاص من كلّ القطاعات في نيوزيلندا، أمس السبت، إلى حواجز أقامتها الشرطة في محيط مسجد النور، حيث سقط أكبر عدد من الضحايا، للتّعبير عن احترامهم وإظهار تضامنهم، ورافقت باقات الزهور التي وضعوها هناك رسائل مكتوبة تُعبّر عن الصّدمة والتعاطف، كُتب على إحداها "آسف أنّكم لم تكونوا آمنين هنا. قلوبنا حزينة لخسارتكم".

واليوم الأحد، أقيم مركز مؤقت لتقديم الدعم في مدرسة هاغلي كوليدج، الواقعة على الطرف الآخر من حديقة أمام مسجد النور. وتوافد على المركز سيل من أصدقاء الضحايا وأقاربهم.

وتجمّع الأنغليكانيون في كرايست تشيرش للصلاة، الأحد، عن نفس الضحايا في كنيستهم التي يطلقون عليها اسم "كاتدرائية الكرتون"، والتي شُيدت بعد الزلزال عام 2011. وقال أذان علي (43 عاما) المتحدر من فيدجي، والذي كان في مسجد لينوود مع والده عند إطلاق النار "أولادي خائفون، لكن يجب أن نواجه الخوف كمجموعة".

ضحايا المذبحة

من بين الضحايا الذين اختطفهم الموت فجأة بطريقة وحشية، خان المهاجر من حيدر آباد في الهند، كان يمتلك مطعما هنديا له شعبية كبيرة للطعام السفري (تيك آواي)، وافتتح مؤخرا محل قصاب. جاء إلى نيوزيلندا قبل 18 عاما، ويبلغ من العمر 47 عاما. وبشهادة أصدقائه كان رجلا عصاميا.

أما عبد الفتاح، وهو مهندس كمبيوتر كان في الخمسينيات من العمر، فقد قُتل بالرصاص في مسجد النور. وبحسب صديقه الناجي من المذبحة محمد الجباوي، فإن عبد الفتاح من فلسطين، وهاجر إلى كرايس تشيرش من الكويت قبل 20 عاما.

ومن بين الضحايا أيضا شيخ موسى، الواعظ الصومالي الذي كان يعيش في المدينة، وكان في أواخر السبعينيات من العمر. فر من الصومال ووصل إلى نيوزيلندا لاجئا في عام 1993، وكان يعقد الزيجات.


كما ذكرت شركة الطيران الوطنية "إير نيوزيلاند"، أن مهندس صيانة الطائرات، ليليك عبد الحميد، كان من بين القتلى في مسجد النور. وقال كريستوفر لوكسون، الرئيس التنفيذي للشركة، في بيان "كان ليليك عضوا له مكانته في فريق مهندسينا في كرايس تشيرش على مدار 16 عاما". وأضاف "الصداقات التي عقدها قادته إلى التقدم لوظيفة في إير نيوزيلاند والانتقال إلى كرايس تشيرش. وسيحزن الفريق لفقدانه حزنا شديدا".

أما أصغر الضحايا في قائمة غير رسمية فهو مقداد إبراهيم، ابن الثلاثة أعوام. وقال صديق للأسرة إن مقداد وُلد في نيوزيلندا لأبوين من الصومال. وقال جوليد ماير، صديق الأسرة "كانوا لاجئين سابقين. الحزن طاغ تماما بالطبع. هربوا من العنف والحرب، وكان من المفترض أن تكون هذه ملاذا آمنا. وهذا يجدد الصدمة".

أما حافظ موسى باتل، فقد كان إمام مسجد لاوتوكا في فيجي. وكان يزور كرايتس تشيرش مع مجموعة من مواطنيه لرؤية أصدقاء وأقارب، لكنه فقد حياته في مسجد النور، حسب ما قاله صديق له وصل من فيجي لوداعه. كانت غالبية الضحايا من المهاجرين من دول مثل باكستان والهند وماليزيا وإندونيسيا وتركيا والصومال وأفغانستان وبنغلادش.


وقال المفوض السامي الباكستاني إن ستة من مواطنيه قُتلوا، وإن هناك ثلاثة مفقودين. وقال علي عقيل، المتحدث باسم جمعية التضامن السوري في نيوزيلندا، لموقع ستاف الإخباري، إن من بين القتلى في مسجد النور خالد مصطفى، اللاجئ من سورية، الذي وصل أخيراً إلى نيوزيلندا. وأضاف أن مصطفى وأسرته "نجوا من فظائع" في بلدهم "ووصلوا إلى هنا حيث الملاذ الآمن، ليقتل بأبشع طريقة".

وقال عقيل إن حمزة بن مصطفى، والذي يبلغ من العمر 16 عاما، مفقود، وإن ابنه زيد، البالغ من العمر حوالي 13 عاما، موجود في مستشفى كرايس تشيرش، حيث أجريت له جراحة استغرقت ست ساعات.

بيان عنصري

واستخدم المهاجم ما لا يقل عن قطعتي سلاح شبه أوتوماتيكي، يُعتقد أنهما من طراز "إيه آر 15" وبندقيتين. وتم تعديل بعض هذه الأسلحة لزيادة قوّتها النارية. وقبل تنفيذ الاعتداء، نشر الرجل، الذي يُعرّف عن نفسه بأنه رجل أبيض من الطبقة العمالية ومن ذوي الدخل المتدني، "بيانا" عنصريا من 74 صفحة على تويتر بعنوان "الاستبدال الكبير"، في إشارة إلى إحدى نظريات المؤامرة المنتشرة في أوساط اليمين المتطرف، تقول إن "الشعوب الأوروبية" سوف "تستبدل" بشعوب غير أوروبية من المهاجرين. ويعرض البيان سنتين من التطرف والتحضير، ويقول الأسترالي فيه إن العامليْن الحاسميْن في تطرّفه كانا هزيمة زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية عام 2017، ومقتل الفتاة إيبا أكرلوند (11 عاما) في الاعتداء صدماً بالشاحة في استوكهولم عام 2017.

وقال إنه قرّر تنفيذ الاعتداء في نيوزيلندا، لكي يُبيّن أنّ "ما من منطقة في العالم بمنأى. الغزاة منتشرون على أراضينا. لا مكان آمناً، حتّى أكثر الأماكن النائية". ونقل المهاجم مباشرةً على الإنترنت مقاطع من الاعتداء، ظهر فيها يتنقّل داخل المسجد ويُطلق النار عشوائياً على المصلّين، ولا يتردّد في العودة للإجهاز على من بقي حياً.

وأشاد مفوّض الشرطة مايك بوش بـ"الشجاعة المطلقة" لرجال الشّرطة والمواطنين "الذين وضعوا أنفسهم في خطر" لإيقاف منفّذ الهجوم، بعد 36 دقيقة من ورود أول اتصال للاستغاثة. وألقي القبض على شخصين هما رجل وامرأة يحملان أسلحة نارية في سيارتهما عند وقوع الاعتداء، وأوقفا رهن التحقيق، لكن الشرطة أعلنت أنهما غير ضالعين بصورة مباشرة في المجزرة. وأطلق سراح المرأة لاحقا، لكن بوش قال إن الرجل لا يزال موقوفا في مسألة حيازة أسلحة. 

(فرانس برس، رويترز، وكالة الأنباء القطرية)