انطلاق انتخابات ممثلي الطلبة بالمجالس العلمية في تونس

انطلاق انتخابات ممثلي الطلبة بالمجالس العلمية في تونس..فصل آخر من صراع الفصائل

28 فبراير 2019
ينتظر الجامعة التونسية حركية ودينامية (Getty)
+ الخط -
تشهد الجامعة التونسية انطلاق انتخابات ممثلي الطلبة في المجالس العلمية التي تتنافس خلالها الفصائل الطلابية بتنوعها واختلافاتها الفكرية والأيديولوجية على أكثر من 280 مقعدا موزعة على 191 مؤسسة تعليم عال في مختلف جهات البلاد، في موعد سنوي يتجدد فيه صراع الحركة الطلابية.

وتختلف انتخابات ممثلي الطلبة في جامعات تونس عن باقي المحطات الانتخابية التي تعرفها البلاد، بشكل يكشف تراكمات الصراع المتواصل بين الاتحادات والفصائل الطلابية، فيمتزج فيه السياسي بالنقابي والأيديولوجي، بل وتختفي معه مصالح الطلبة ومشاكلهم ومطالبهم التي من أجلها أقيمت الانتخابات.

وأعطت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أمس الأربعاء، إشارة انطلاق انتخابات ممثلي الطلبة بالمجالس العلمية للمؤسسات الجامعية، وتتواصل إلى غاية 14 مارس/ آذار المقبل. 

وأفاد بلاغ صادر عن الوزارة، بأنه "لضمان نجاح هذه الممارسة الديمقراطية صلب الجامعة التونسية، تدعو الوزارة كل الطلبة إلى الانخراط في هذه العملية بكل مسؤولية والتزام واحترام الترتيبات المنظمة لعملية الاقتراع، حتى يتوج هذا الاستحقاق بالنجاح المرجو ويتم في أحسن الظروف".

وأكدت الوزارة أن "مشاركة الطلبة بكثافة في عملية التصويت لاختيار ممثليهم بالهيئات البيداغوجية، هو خير دليل على حماسهم لمؤسساتهم واهتمامهم بالحياة الجامعية بصفة عامة وبمسارهم الدراسي بصفة خاصة".

وشرع المنافسان الكبيران، الاتحاد العام لطلبة تونس(يساري) وغريمه الاتحاد العام التونسي للطلبة (إسلامي) في حملتيهما الانتخابيتين عبر كشف أسماء مرشحيهما في مختلف المراحل الجامعية، بنشر المطويات وتوزيعها وتعليقها وتناقلها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويسعى كل اتحاد طلابي إلى فرض وجوده واستعراض وزنه في الساحة الطلابية من خلال حملته الانتخابية، وبهدف تأكيد تفوقه وسيطرته في مختلف الأجزاء الجامعية في البلاد، وعلى عموم الطلبة لفرض صوته في المجالس العلمية وداخل أسوار الجامعة.

وتولي عدة منظمات مختصة في مراقبة الانتخابات، أهمية لانتخابات ممثلي الطلبة في المجالس العلمية بالجامعة التونسية، إذ تخصص فرقا لمتابعة الاختلالات والتجاوزات ورصد سير العملية الانتخابية والفرز والإعلان عن النتائج.

ويعتبر مراقبون أن انتخابات الطلبة على قدر كبير من الأهمية، فهي تترجم ثراء الحركة الطلابية في تونس وتنوعها، وتأصيل الوعي الديمقرطي في الجامعة التونسية انطلاقا من موروث ثري لتيارات فكرية وأيديولجية متجذرة في مختلف كليات البلاد وجامعاتها.

وبيّن مدير عام الشؤون الطلابية بوزارة التعليم العالي، منجي النعيمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة تحثّ الطلبة على المشاركة والمساهمة في الانتخابات التي تهم تمثيلهم في مجالس الجامعات، مشيرا إلى أن تمثيل الطلبة يكون بالمجالس العلمية على أساس طالبين أو ثلاثة منتخبين بكل مؤسسة.

ولفت إلى أن العملية الانتخابية تقضي بانتخاب طالبين اثنين بالمؤسسات التي تؤمن تكوينا بالإجازات دون سواها وثلاثة طلبة بالمؤسسات التي تؤمن تكوينا في مستوى الإجازة والماجستير والدكتوراه.

وبالنسبة للمؤسسات التي تؤمن تكوينا في مستوى الإجازة والمرحلة التحضيرية ومرحلة تكوين المهندسين والماجستير والدكتوراه، يتم انتخاب ثلاثة طلبة: طالبين عن الإجازة والمرحلة التحضيرية وطالب واحد عن مرحلة تكوين المهندسين والماجستير والدكتوراه، وبالنسبة للمؤسسات التي لا يشملها نظام "أمد" (إجازة، ماستر، دكتوراه)، كالمعاهد التحضيرية للدراسات الهندسية ومدارس تكوين المهندسين، فيتم انتخاب طالبين اثنين، أما بالنسبة للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والتعمير وكليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والطب البيطري، فيتم انتخاب طالب عن المرحلة الأولى وطالب عن المرحلة الثانية وطالب ثالث عند الاقتضاء في حالة وجود مرحلة ثالثة.

وتعد انتخابات الطلبة في الجامعة التونسية، تجليا واضحا لصراع الطبقات الفكرية والنقابية والسياسية التي وجدت في الحياة الجامعية والحراك الطلابي موطئ قدم، غير أن الصراع بين الفصائل الطلابية احتدم أكثر بعد الثورة، إذ عرفت الجامعة قبل ثورة الحرية والكرامة في 2011 سيطرة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي (الذراع الطلابي لحزب التجمع المحلول في انعكاس واضح للمشهد السياسي بالرغم من محاولات الاتحاد العام لطلبة تونس (الجامع لفصائل طلابية غالبيتها يسارية وقومية) افتكاك مواقع ومزاحمته في الانتخابات وفي التحركات على الساحة الطلابية.

وشهد العمل الطلابي النقابي والسياسي قبل الثورة تراجعاً بارزا في تاريخ الحركة الطلابية التونسية، إذ نقلت تقارير إعلامية وحقوقية ما عرفه نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس من أشكال القمع والتضييق من قبل سلطات النظام الحاكم ومن البوليس السياسي والجامعي.

وتمكنت قوى اليسار التونسي من النفاذ إلى الاتحاد الطلابي والتغلغل داخله حتى سيطرت عليه في سبعينيات القرن الماضي، لتزيح طلبة الحزب الحاكم ولتعرف المنظمة الطلابية هزات وصراعات مع كل محاولة للسلطة للتدخل فيها من خلال توجيهها، قبل بروز نفس سياسي ومنازع جديد على الساحة الطلابية مع تأسيس الاتحاد العام التونسي للطلبة سنة 1985.

أصبح الحراك الطلابي أكثر تنوعا إلى حدود حلّ هذا الاتحاد الجديد عام 1991 في إطار حملة لاجتثاث الإسلاميين من الجامعة ومن الحياة السياسية، إثر دخول الاتجاه الإسلامي في صدام مع نظام بن علي.

بعد الثورة، عادت الحيوية أكثر إلى الجامعة التونسية بتحرر العمل الطلابي من قيود النظام والسلطة ليعود الاتحاد العام التونسي للطلبة للنشاط بعد عقد مؤتمرهم سنة 2013 تحت عنوان "الثورة والعودة"، كما عاد البريق إلى الاتحاد العام لطلبة تونس (طلبة اليسار والقوميين) بسقوط المراقبة البوليسية عنهم ونهاية حقبة من الفرز الأمني والتضييق السياسي والزجر الأكاديمي. 


ويضم الاتحاد العام لطلبة تونس خزانا من الفصائل الطلابية المتصارعة بدورها والضاربة في الاختلاف الأيديولوجي والفكري، فعلاوة على تمثيلية أحزاب اليسار بتنوعها، عرف هذا الاتحاد اليساري حقبا من الصراعات والانقسامات داخله بين الطلبة الشيوعيين في اتحاد الشباب الشيوعي وفصيل الوطنيين الديمقراطيين "الوطد" والوطنيين الديمقراطيين بالجامعة "الوطج" والنقابيين الثوريين والماركسيين الثوريين والنقابيين الراديكاليين والطلبة الناصريين نسبة إلى جمال عبد الناصر، والعصميين نسبة إلى عصمت سيف الدولة، والطلبة البعثيين المرتبطين إما بحزب البعث العراقي أو البعث السوري...

وبالرغم من أن التنظم الطلابي شهد أوجه في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن مؤرخين يعيدون نشأة الحركة الطلابية في تونس، إلى بداية القرن العشرين، منذ تفاعل الطلبة التونسيين في جامع الزيتونة سنة 1910 مع "حركة الشباب التونسي"، التي طالبت المستعمر الفرنسي بإنجاز إصلاحات اجتماعية وسياسية في البلاد، إذ شن الطلبة التونسيون أول إضراب لهم، مطالبين بضرورة إصلاح المنظومة التعليمية، وتحسين ظروف الدراسة ليسجل تاريخ الحركة الوطنية نضالات خاضها الطلبة الزيتونيون توجت بتأسيس لجنة صوت الطالب الزيتوني التي ساهمت في معركة الاستقلال الوطني.

وينتظر الجامعة التونسية حركية ودينامية منقطعة النظير خلال الأسابيع المقبلة وحتى الإعلان عن النتائج التي لن يقبل بها أي طرف ككل سنة جامعية، لكنها تترجم ثراء الممارسة الديمقراطية وتدريب الطالب التونسي استعدادا لمحطات انتخابية أخرى مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية العام الحالي.

دلالات

المساهمون