حنين إلى المدرسة في الجزائر

حنين إلى المدرسة في الجزائر

22 فبراير 2019
لقاء بعد أربعين عاماً (العربي الجديد)
+ الخط -
يحدث أن يشدّ الحنين كثيراً من الأشخاص إلى مقاعد الدراسة في القسم (الفصل) الذي كانوا ذات عام يجلسون فيه تلاميذ صغاراً. ويحدث أن يعود بعضهم إلى الجلوس على المقعد نفسه بعد عقود، فيعود المعلم نفسه إلى السبورة في صورة رمزية ومعه تلاميذه. هذه حال عدد من الأشخاص في عدة مدن في الجزائر.

بعد مرور أربعين عاماً تقريباً، يلتقي معلم الفيزياء السابق، سعيد مرسي، تلاميذه الذين كان يعلمهم عام 1979. بعد جهود مضنية أمكن الاجتماع مجدداً في الثانوية نفسها، واستعاد الجميع مشاهد مهربة من الذاكرة ولحظات جميلة عاشها كلّ منهم في هذه المؤسسة التعليمية المعروفة والعريقة في العاصمة الجزائرية. هذا اللقاء جرى في ثانوية "الثعالبية" بعدما بات بعض التلاميذ السابقين أجداداً حتى، وجميعهم من الكوادر وأصحاب المناصب المعروفة وطنياً ودولياً، وهو ما جعل مرسي يقول: "لقد أكرموني بفضلهم. كان اللقاء مليئاً ببهجة الحاضر، وذكريات الماضي الجميلة، كما كان فرصة لي للاعتذار عن تقصيري في واجبي في لقائي بهم والتواصل معهم".




يتابع مرسي، الذي يتحدث إلى "العربي الجديد" عن هذه المبادرة الفريدة: "كان لديّ إحساس لافت حين التقيت بتلاميذي السابقين، إذ أحسست بأنّني في حضن عائلتي ودفئها". يشير إلى أنّ "بعض التلاميذ أصبحوا أجداداً، وبعضهم ارتقوا مناصب علمية هامة على مستوى الخارج". وعن المبادرة يقول: "الفكرة فكرتهم، وقد استمر الجهد المشترك من أجل تحقيق الاجتماع أربع سنوات تقريباً، بسبب تشتت كلّ منهم في مكان".

يدعو "الشيخ" مرسي تلاميذه السابقين إلى ترقية المبادرة وصولاً إلى مستوى إنشاء جمعية تلمّ شملهم: "أنا اقترحت عليهم تأسيس جمعية لأصدقاء الثانوية حتى يتسنى لغير التلاميذ المشاركة فيها من معلمين وإداريين وعمال كانوا في هذه المؤسسة التعليمية يوماً ما". يقترح اسماً للجمعية وهو "جمعية أصدقاء الثعالبية 37"، مشيراً إلى أنّ الرقم 37 يدل على عددهم آنذاك. ويشير إلى أنّ الفكرة بدأت تأخذ طريقها إلى التنفيذ، فقد جرى انتخاب مكتب تنسيقي لتحقيق ذللك وتوفير فضاء إلكتروني للتواصل.

من جهتهم، وبعد 46 عاماً، التقى التلاميذ السابقون في مدرسة "الأمير عبد القادر، عين تموشنت" مجدداً في ساحة المدرسة التي احتضنتهم أطفالاً ومراهقين، لكنّهم لم يأتوا وحدهم، بل مع معلمهم الذي علمهم الحروف الأولى، رابح صباني. لم تمحُ السنوات الطويلة صورته وملامح صوته من ذاكرتهم. اصطفوا كما كانوا في الصبا، في العام الدراسي 1972ــ 1973، وعندما دق الجرس، وقف المعلم عند باب القسم كما كان يقف قبل أكثر من أربعة عقود، وبدأ التلاميذ السابقون يدخلون واحداً تلو الآخر إلى القسم. جلس كلّ منهم في المكان نفسه وإلى الطاولة نفسها حيث كان يجلس عندما كان تلميذاً، في لفتة رمزية لتكريم معلمهم. في لحظات مشحونة بالعواطف والحنين إلى الزمن الجميل للتعليم أخذوا صورة في الساحة المدرسية، لكنّهم حرصوا على أن تكون الصورة الجديدة أكثر تطابقاً مع تلك الصورة التي التقطت لهم بالأبيض والأسود ذات عام.

بعض الجزائريين لا تتيح لهم الظروف تنظيم لقاء جماعي في مدارسهم السابقة، لكنّ الحنين يدفعهم إلى العودة فرادى إلى أقسامهم. فبالرغم من أنّه أصبح واحداً من عباقرة العالم والمخترعين في مجال الإلكترونيات والرقائق وتكنولوجيا الاتصالات، فإنّ الباحث الجزائري، حبة بلقاسم، صاحب أكثر من 1000 براءة اختراع، والمصنف 61 عالمياً لم ينسَ مقاعد الطفولة، بل عاد بعد 43 عاماً، ليجلس على مقعده الذي كان عليه في ثانوية "الأمير عبد القادر، تقرت" بولاية ورقلة، جنوبي الجزائر، رغبة منه في استعادة مشاهد من تلك الفترة البعيدة.



ويجتهد بعض الجزائريين في البحث عن رفاقهم القدامى، من أجل إعادة تجسيد صور التقطت لهم في طفولتهم سواء في المدرسة وأقسامها أو خارجها. وبشيء من الحنين إلى الماضي واستعادة ذكريات الطفولة، يجتهد البعض في تلك الدعوات ويعتني بتجسيد كامل تفاصيل الأشخاص والمكان والتجهيزات العائدة للصورة الأصلية.