رحلة البحث عن الأبوين البيولوجيّين في تونس

رحلة البحث عن الأبوين البيولوجيّين في تونس

21 فبراير 2019
هل تبناهما أحد؟ (أمين الأندلسي/ الأناضول)
+ الخط -


عندما يكتشف المرء أنّه ليس الابن البيولوجي لعائلة ترعرع في كنفها، يقرّر غالباً البحث عن ذويه البيولوجيين عبر وسائل مختلفة. ثمّة تونسيون، على سبيل المثال، يظهرون في برامج تلفزيونية اجتماعية لهذا الغرض.

قبل خمس سنوات، بدأت رحلة مفيدة للبحث عن والديها البيولوجيّين في تونس، من دون أن تتمكّن العثور على أيّ دليل قد يوصلها إلى هويتها وانتمائها. تقول مفيدة: "لم أسلَّم إلى مركز لرعاية الأيتام، بل عُثر عليّ أشخاص في الشارع وعمري ثلاثة أشهر، بحسب ما يقول القائمون على المركز، ما صعّب عليهم وعليّ معرفة عائلتي الأصلية. صحيح أننّي لم أعرف الحرمان يوماً، لكن منذ عرفت أنني ابنة بالتبني، بات لديّ هاجس لمعرفة الأسباب التي دفعت والدَيّ إلى رميي في الشارع".

مفيدة في العقد الثالث من العمر. عاشت كلّ تلك السنوات مع عائلة لا تربطها بها سوى أوراق الهوية، "هوية مزيفة" كما تقول. وعمدت العائلة التي تبنتها إلى إعطائها اسماً ولقباً جديدين بعد تبنيهما إياها من دار للأيتام قبل أكثر من 25 عاماَ. لم تكن تعرف أنّها ابنة بالتبني، "لكن حين بلغتُ السادسة عشرة من العمر، راحت تتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة، خصوصاً أنني كنت وحيدة وليس لديّ أشقاء. وكنت أتساءل: لماذا لا أشبه والدَيّ؟ لماذا لا أشبه بنات خالاتي؟". تضيف: "أحياناً، خلال المناسبات العائلية، كنت ألاحظ فرقاً في كيفية معاملة العائلة لبنات خالاتي ومعاملتي، وكانوا يشعرونني غالباً بأنني غريبة. ومع الوقت، زاد لدي الشعور بوجود أمر غريب في حياتي، ولم أعرف أنني ابنة بالتبني إلّا من إحدى بنات جارتنا. كنت أشاركها هواجسي خصوصاً أنّها كانت زميلتي في الصف. كنت أحدّثها عمّا أشعر به وأفصح لها بأنني أحسّ بعدم انتمائي إلى تلك العائلة. وقبل خمس سنوات، أخبرتني أنّها علمت من والدتها بأنني طفلة متبناة. خبر كان وقعه مؤلماً في نفسي على الرغم من الشكوك التي رافقتني في حياتي".




تقول مفيدة: "تغيّرت حياتي وصارت أكثر عزلة. وصرت أكره الخروج في الحيّ، مخافة أن يكون الجيران على علم بأنّني طفلة بالتبني، أو أن ينعتوني باللقيطة أو الطفلة غير الشرعية". تضيف: "أنظر إلى النساء في الشارع وأتساءل إن كانت إحداهنّ أمي. أبحث في تفاصيل وجه كل امرأة تمرّ بجانبي، عسى أن تكون تفاصيلها تشبهني". وتلفت إلى أنه "قد يكون هناك سبب قاهر دفع أمي إلى التخلى عنّي. لا أعلم. وكم تمنّيت لو أنّها هي التي وضعتني في دار الأيتام، ربّما لكنت عرفتها اليوم".

تجدر الإشارة إلى أنّه منذ صدور قانون التبنّي في الرابع من مارس/ آذار في عام 1958، صار في إمكان التونسيين المحرومين من الإنجاب تبنّي الأطفال أو كفالتهم. ومن ضمن هؤلاء بعض المهددين في استقرارهم العائلي والاجتماعي، لتصير تونس أوّل دولة عربية تشرّع التبنّي وتنصّ قانوناً ينظّم الأمر، على الرغم من أنّ ذلك يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية. وينظّم عقد التبنّي وفقاً للقانون من خلال قاضي المنطقة، بناءً على حكم يصدره في مكتبه بحضور المتبنّي وزوجته أو عند الاقتضاء بحضور والدة المتبنّى أو من يمثّل السلطة الإدارية المتعهدة بالولاية العمومية على الطفل أو الكفيل. ويصدر القاضي حكمه بالتبنّي بعد التحقّق من توفّر الشروط القانونية ومصادقة الحاضرين. كذلك ينصّ الفصل التاسع من القانون على أن "يكون المتبنّي شخصاً راشداً ذكراً أو أنثى ومتزوجاً ومتمتعاً بحقوقه المدنية، ذا أخلاق حميدة وسليم العقل والجسم وقادراً على القيام بشؤون المتبنّى".

من جهتها، تقول حليمة، وهي ابنة بالتبني: "وفّر التبني للبعض عائلات بديلة. لكنّ من يكتشف أنّه ابن أو ابنة بالتبني، لا يتقبل غالباً المسألة ويعدّها أمراً غير عادي، ولا يستطيع متابعة حياته كما في السابق". تضيف: "ليتني لم أعرف أنّني ابنة بالتبني. قبل ذلك، كنت أعيش حياة عادية ولم أشعر يوماً بأنّ تلك الأم ليست هي التي أنجبتني، على الرغم من أننا لا نشبه بعضنا بعضاً. وعلى الرغم من وفاة والدي وأنا في العشرين من عمري، فإنّها عوضتني عن كل العالم. لكن بعد مرضها بالسرطان، قررت إخباري بحقيقة الأمر. وكم تمنيت لو أنّها لم تخبرني قبل وفاتها". تضيف حليمة أنّها أصيبت بحالة اكتئاب بعد وفاة والدتها ومعرفتها الحقيقة. لكن بعد ستة أشهر، قرّرت البحث عن عائلتها البيولوجية، مستفيدة من المعلومات التي أخبرتها بها أمها قبل وفاتها. ولم تجد صعوبة في معرفة تلك العائلة في وقت قصير، بعد اتصالها بمركز الأيتام الذي أودعت فيه بعد أسبوع من ولادتها. وتقول إنّ والدتها تخلّت عنها لأنها أنجبتها خارج إطار الزواج، وقررت ألّا تقابل والدتها البيولوجية على الرغم من أنها عرفتها، لأنّ ذلك لن يغير أي شيء في حياتها.




أما فاضل، فقد عاش منذ ولادته مباشرة مع أمّه العزباء، ولم تخفِ عليه والدته حقيقة تبنيه. يقول إن "القصة تزعجني أحياناً، خصوصاً عندما يسألني البعض عن سبب اختلاف لقبي عن أشقائي. كذلك أشعر بالحرج من تعليقات جيرانه، أو حين كان أصدقائي ينعتوني باللقيط في مرحلة المراهقة. ولا يمكنني أن أنسى نظرات أهل الحي إليّ، والتي توحي إلى كوني طفلاً غير شرعي". بعدها، قرّرت العائلة الانتقال من المدينة التي كانت تعيش فيها، ما جعله بحال أفضل. لم يعد انطوائياً أو خائفاً، "فلا أحد يعلم في هذه المنطقة التي أعيش فيها الآن أنني لا أنتمي إلى هذه العائلة". يضيف: "الوصول إلى أمي البيولوجية سهل جداً، لأنّها هي التي سلمتني إلى هذه العائلة. لكنّني أؤجل الأمر خوفاً من ردّ فعلها".

دلالات