"رايتس ووتش": مساعٍ تونسية ضئيلة لاسترجاع أطفال مقاتلي "داعش"

"رايتس ووتش": مساعٍ تونسية ضئيلة لاسترجاع أطفال مقاتلي "داعش"

12 فبراير 2019
تدخل الحكومات ينقذ حياة الأطفال وأمهاتهم(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن المسؤولين التونسيين يتقاعسون في إعادة نحو 200 طفل ومائة امرأة تونسيين محتجزين دون تُهم في معسكرات وسجون أجنبية لعائلات أعضاء تنظيم "داعش" إلى تونس، أغلبهم محتجزون مع أمهاتهم، وستة على الأقل يتامى.

وأشارت الباحثة الأولى المختصة في مكافحة الإرهاب في "هيومن رايتس ووتش"، ليتا تايلر، في سياق تقرير نشرته المنظمة اليوم الثلاثاء، إلى أن "المخاوف الأمنية المشروعة لا تبرّر تخلي الحكومات عن الأطفال ومواطنين آخرين محتجزين في معسكرات وسجون بائسة في الخارج. هناك أطفال تونسيون عالقون في هذه المعسكرات بلا تعليم ولا مستقبل، ولا أمل لهم في الخروج من هناك وحكومتهم لم تُقدّم أي مساعدة تُذكر".

ونقل التقرير ضمن مكالمات ورسائل نادرة مع عائلات أمهات هؤلاء الأطفال، إنهن يعشن في زنزانات مكتظة في ليبيا أو في معسكرات تتكون من خيام شمال شرق سورية، ويعانين من نقص حاد في الغذاء واللباس والدواء. كما نقل شخصان يعيشان في تونس عن الأمهات أن بعض النساء والأطفال تعرضوا للضرب على يد المحققين، وأحيانا بشكل متكرر، في سجن "الجوية" في مصراتة بليبيا، وإن بعض المحتجزين، ومنهم أطفال، يعانون من انطواء حاد ويرغبون في الانتحار.

وبحسب ما أفادت وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية لـ "هيومن رايتس ووتش"، يوجد نحو 200 طفل و100 امرأة زعموا أنهم تونسيون، وهم محتجزون في الخارج دون تهم لفترات بلغت العامين بصفتهم من عائلات أعضاء "داعش"، أغلبهم في سورية وليبيا المجاورة وبعضهم في العراق. والكثير من الأطفال لم تتجاوز أعمارهم 6 سنوات، ولذلك عودتهم إلى تونس مع أمهاتهم ستكون في مصلحتهم.

وأوضح التونسي حمدة العويني للمنظمة، أن له ابنة وزوجة ابن و4 أحفاد محتجزين في مخيم عين عيسى شمال شرق سورية. كما قالت إحدى الأمهات المحتجزات في سجن ليبي في رسالة إلى أحد أقاربها في 2018، اطّلعت عليها "هيومن رايتس ووتش": "بالله عليكم أنقذوا الأطفال من الدمار. إنهم يُفلتون من بين أيدينا".


وردت وزارة الشؤون الخارجية التونسية على اتصال المنظمة بالقول: "تولي تونس أهمية خاصة" لحالات الأطفال المحتجزين في إطار "إيمانها الراسخ بحقوق الإنسان". لكنها ساعدت حتى اليوم على استرجاع 3 أطفال فقط من ليبيا. وفي يناير/كانون الثاني، أفادت تقارير بأن تونس وافقت أيضا على إعادة 6 يتامى يعيشون في مأوى تابع لـ "الهلال الأحمر" بليبيا في منتصف فبراير/شباط.

كما قالت وزارة الشؤون الخارجية في ردّها إن الحكومة لن ترفض استقبال محتجزين لهم جنسية مثبتة، مشيرة إلى أن الدستور التونسي يحظر إنكار الجنسية أو سحبها أو منع المواطنين من العودة. رغم أن "هيومن رايتس ووتش" لم تجد أي أدلة على رفض تونس استقبال مواطنيها على الحدود، إلا أن أغلب المحتجزين أو كلهم ليس أمامهم أي طريقة لمغادرة المعسكرات والسجون الموصدة للوصول إلى القنصليات والحدود التونسية إلا بتدخل من الحكومة، لأن بعضها يبعد مئات الكيلومترات وموجودة على الطرف الآخر من مناطق النزاع.

وينصّ القانون الدولي لحقوق الإنسان على حق كل شخص في الجنسية، وعدم حرمان أيّ كان من جنسيته تعسفا. تتحمل الدول مسؤولية عدم حرمان الأطفال من هذا الحق. هذا الالتزام يشمل الأطفال المولودين في الخارج من أب أو أم من مواطنيها، وإلا فسيصيرون عديمي الجنسية. قالت "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" إن الدول ملزمة بضمان منح الجنسية للطفل عديم الجنسية "في أسرع وقت ممكن".

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إنه على الدول مثل تونس ضمان استرجاع مواطنيها الأطفال المحتجزين في الخارج فقط لأنهم من أبناء وبنات أعضاء مزعومين أو مؤكدين في "داعش" بشكل سريع وآمن، ما لم يكونوا يخشون تعرضهم إلى سوء المعاملة عند العودة. وإن كانت الأمهات محتجزات دون تهم، فلا يجب استرجاع الأطفال دونهن ما لم تتوفر أدلة على أن الفصل بينهم يخدم مصالح الطفل الفضلى.

ورأى التقرير أنه في حال اعتبرت تونس والدول الأصلية الأخرى أن الأمهات يشكلن خطرا أمنيا، فبإمكانها التدقيق ومراقبتهن أو محاكمتهن عند عودتهن مع احترام معايير المحاكمة العادلة. لكن عليها ألا تتدخل في حق كل شخص في دخول البلاد التي يحمل جنسيتها والعودة إليها. والأطفال الذين لهم أمهات يقضين عقوبات سجنية في بلادهن سيحظون بتواصل أفضل معهن مقارنة بالأمهات المحتجزات في الخارج.

وأكدت أنه عند عودتهم، يجب توفير خدمات إعادة تأهيل وإعادة ادماج لهؤلاء المواطنين. يجب معاملة الأطفال في المقام الأول على أنهم ضحايا، ولا ينبغي محاكمتهم بسبب صلاتهم بجماعات مثل داعش ما لم تتوفر أدلة على تورطهم في أعمال عنيفة. يجب أن يكون احتجاز الأطفال إجراء استثنائيا وأخيرا ولأقصر فترة ممكنة كما تنص على ذلك معايير قضاء الأحداث. على المانحين إعطاء الأولوية لمساعدة الدول مثل تونس من أجل ضمان قدرتها على فحص العائدين أمنيا وإعادة إدماجهم.

أطفال عالقون في الخارج

هناك نحو 2000 طفل و1000 امرأة من 46 جنسية محتجزون في سجون العراق وليبيا و3 معسكرات شمال شرق سورية، وهي روج، وعين عيسى، والهول، بسبب صلاتهم العائلية بأعضاء "داعش" أو بمشتبهين بالانتماء إليه. وبحسب أبحاث أجرتها "هيومن رايتس ووتش"، أغلب هؤلاء لم توجه لهم تُهم بارتكاب أي جرائم. لكن معظم الدول تقاعست في مساعدتهم على العودة إلى ديارهم، زاعمة أنهم قد يشكلون خطرا أمنيا أو أن التثبت من جنسياتهم قد يكون صعبا، كما أن العديد من أزواج النساء وآباء الأطفال إما مسجونون أو مختفون أو متوفون.

وقُبض على أغلب النساء والأطفال المحتجزين أو سلموا أنفسهم مع انسحاب "داعش" من سرت في ليبيا، في ديسمبر/كانون الأول 2016؛ ومن الموصل في العراق، في يوليو/تموز 2017؛ ومن الرقة في سورية في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

كما تتقاعس عشرات الدول الأخرى التي لها موارد مالية أفضل من تونس، التي تعاني من ضائقة اقتصادية، عن استرجاع زوجات وأبناء أعضاء "داعش". قالت الحكومة البلجيكية في ديسمبر/كانون الأول إنها ستستأنف أمرا صادرا عن محكمة بإعادة 6 أطفال ووالدتيهما من معسكر الهول.

ونقل أكثر من 200 امرأة وطفل إلى خارج السجون والمعسكرات حتى الآن، أغلبهم أعيدوا إلى ديارهم في روسيا، وكازاخستان، وأوزباكستان، وإندونيسيا، ومصر، والسودان. في المقابل، لم تسترجع ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة إلا عددا قليلا من هؤلاء.

واستناداً إلى بيانات الحكومة التونسية، فإن عدد التونسيين الذين التحقوا بـ"داعش" في الخارج ناهز الثلاثة آلاف، في حين ذكر دبلوماسيان غربيان لـ"هيومن رايتس ووتش" أن عدد التونسيين الذين سافروا إلى سورية بلغ نحو 6500 تونسي، وبين 1000 و1500 سافروا إلى ليبيا. ويشمل العدد نحو 1000 امرأة، رغم عدم توفر معلومات عن نسب الملتحقات بـ"داعش" والمرافقات لأزواجهن.