موسى بريزات: من حق الأردنيين أن يعبّروا عن رأيهم

موسى بريزات: من حق الأردنيين أن يتظاهروا ويعبّروا عن رأيهم

10 ديسمبر 2019
أكثر التوقيفات ترتبط بانتقادات للمسؤولين (العربي الجديد)
+ الخط -

حذّر المفوض العام للمركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان، الدكتور موسى بريزات، من خطورة أن يشعر المواطن الأردني بأنّ المنافذ والآفاق وقنوات الاتصال السلمية مع دولته مغلقة، وذلك في مقابلة مع "العربي الجديد". وقال إنّ شعور المواطن بأنّ قنوات الاتصال والاحتجاج السلمي مغلقة في وجهه في البلاد، لن تكون له نتائج إيجابية في المحصلة العامة على صعيد الأمن والاستقرار وشرعية السلطة. أضاف بريزات: "نشعر بأنّ هناك شكوى واسعة من التعذيب من قبل مؤسسات محددة وهيئات في الأمن العام، لكن لدى المركز صعوبة في إثبات وتوثيق هذه الحالات"، موضحاً أنّ المواطنين يشتكون متأخرين، وذوي المعتقلين يستطيعون زيارتهم خلال 24 ساعة من اعتقالهم، وفي حال وجود تعذيب عليهم تقديم شكوى سريعة عندما تكون آثاره واضحة، لكنّ أغلب شكاوى التعذيب تأتي بعد فترة طويلة، لافتاً إلى أنّ أهم خطوة في رصد التعذيب هي التوثيق.

وتحدّث بريزات عن التقصير في آلية التعامل مع التعذيب من قبل الأمن العام، موضحاً أنّ الإحالات حول شكاوى التعذيب لا تتوجه إلى القضاء النظامي، بل يحقق بها القضاء الشرطي، مضيفاً: "نحن لا نطعن بنزاهته، لكن يبقى الأمن هو الخصم والحكم، مما يخلق انطباعاً لدى الناس ولدى المراقبين من الخارج بأنّ هناك إفلاتاً من العقاب، وتترسخ قناعة لدى المواطن بأنّه لا جدوى من الشكوى في حالات التعذيب لأنّها ستذهب إلى الجهة المشكو عليها".

وحول استجابة وتفاعل الحكومة والأجهزة المعنية مع تقارير المركز التي تصدر سنوياً، قال بريزات إنّ الاستجابة على صعيد الخطاب السياسي والتصريحات إيجابية، لكنّ الاستجابة في ما يتعلق بالانتهاكات الفعلية المتعلقة بالتشريعات، وبعض السياسات الاقتصادية والأمنية والتنموية غير مفهومة، وفيها مشاكل. وأوضح أنّ هناك تشريعات تتعلق بالحريات، من قبيل "محكمة أمن الدولة، وقانون منع الإرهاب، والمادة 208 المتعلقة بالتعذيب، وقانون الأمن العام الذي يعطي الأمن العام الحق بأن يحقق في ادعاءات التعذيب، وقانون منع الجرائم المتعلق بالتوقيف الإداري وتطبيقاته، وقانون الحق بالحصول على المعلومات، وقوانين أخرى عديدة، تحدّ من حرية الناس والحصول على حقوقهم".

وأشار بريزات إلى أنّ بعض السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان تقع فيها تجاوزات وانتهاكات، كالحق في التعليم والحق في الصحة والحق في العمل وأوضاع العمال والأطفال وحرية الرأي والتعبير، والمشاركة العامة خصوصاً في ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ووجود برلمان قوي مستقل، مشيراً إلى أنّ القليل من التوصيات المتعلقة بهذه الأمور تم تنفيذها. ولفت البريزات إلى بعض الإجراءات الحكومية والأمنية التي تحول دون حق الناس في التجمهر خصوصاً أمام بعض المؤسسات السيادية. وتساءل: "هل التجمهر عدة ساعات أمام رئاسة الوزراء أو المركز الوطني لحقوق الإنسان، يعيق النظام العام؟ في دول أخرى نرى المتظاهرين يحتلون مطارات ويحتلون أماكن حيوية وجامعات ويمكثون أياماً، ويبنون الخيم". تابع: "نشعر أحياناً بأنه عندما يعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنّه سيكون هناك تجمع أمام المركز الوطني لحقوق الإنسان في يوم ما، يجري إغلاق المنطقة المحيطة بالمركز لمسافات بعيدة، وإغلاق الأحياء والطرقات المجاورة للمركز، ويتعطل النظام العام بسبب الإغلاق الذي قامت به الجهات الحكومية والأمنية أكثر مما يتعطل لو احتج المواطنون ساعات أو فترة قصيرة وسلموا رسالتهم".



وتساءل بريزات مرة أخرى: "إذا لم يكن لحق التعبير والتجمع القدرة على إحداث التغيير، وأن يكون له صدى لدى المسؤول، فلماذا يقوم المواطن بالاحتجاج؟ ثم كيف يكون له الصدى عندما يكون في مكان خالٍ؟ هل مجرد سماع الحكومة لدينا بأنّ مواطناً يحتج، تبادر إلى معالجة هذا الاحتجاج وسببه وتحقق فيه وتنظر إليه؟". تابع: "المواطن يريد أن يأتي إلى مناطق حساسة كرئاسة الوزراء أو الديوان الملكي أو أمام المحافظة لأنّه يشعر بأنّه في هذا المكان سيكون صوته مسموعاً، وإذا احتج في مكان آخر فلن يسمع صوته، وبالتالي، هو يضطر للتوجه إلى مناطق حساسة حتى يحدث أثراً. فهل نستطيع أن نقول للمواطن: اذهب وتظاهر واعتصم في منطقة خالية، وإنّ صوتك سيسمع وتجري معالجة الشكوى، وسيتم التعامل مع الشكوى بمجرد أن تصل إلى أسماع الجهات المعنية؟ فإذا كان ذلك سيتم سنعلن كمركز وطني أنّه لا داعي للاعتصام أمام هذه المؤسسات والدوائر". أوضح أنّ "الفقر والبطالة في ازدياد، والعاطلون من العمل يطالبون بفرص عمل من خلال الوقوف أمام وزارة العمل باستمرار، وأمام مباني المحافظات وأمام الديوان الملكي، وهم ممنوعون من الوصول إلى رئاسة الوزراء".

وأكمل بريزات: "تفاءلنا عام 2013 عندما وجه الملك عبد الله الثاني الحكومة بدراسة وتنفيذ توصيات المركز، وأصدر بعد ذلك رؤساء الحكومات المتعاقبة تعاميم للوزارت والمؤسسات المعنية بدراسة وتنفيذ التوصيات والعمل بموجبها. وقبلت الحكومة في المراجعتين الدوريتين 2013 و2018، كثيراً من التوصيات، لكنّ التوصيات الرئيسة جرى التحفظ عليها خصوصاً المتعلقة بحرية الإعلام، وقضايا التعذيب وبعض القضايا السياسية". ولفت بريزات إلى بعض مواضع الخلل، كقانون مكافحة الإرهاب الذي يتضمن مواد فضفاضة، فيها إمكانية للتجريم بسهولة، مشيراً إلى أنّ الحكومة عموماً تعلن عن نوايا إيجابية لكنّ التغيير في التشريع أو السياسات متواضع. أضاف: "الحكومة الحالية برئاسة عمر الرزاز أعلنت أنّها ستعيد النظر بقانون حق الحصول على المعلومات وباشرت العمل على ذلك، وكذلك القانون المتعلق بعمل منظمات المجتمع المدني، والجمعيات، وقانون تنظيم النقابات المستقلة".




وحول انتقادات بعض الناشطين للمركز بعدم متابعة التوصيات التي يصدرها، قال بريزات: "نحن كمركز وطني لحقوق الإنسان، لا نيأس، ونعمل على أكثر من صعيد عبر التعامل مع الحكومة ومحاولة الدفع بإجراءات حقيقية تشكل انفراجاً في منظومة حقوق الإنسان. كذلك، نقوم بتوعية المواطنين بحقوقهم، فالوضع يختلف عندما يعي المواطن حقوقه، وهنا تبرز أهمية تدريس حقوق الإنسان في المدارس والجامعات". وأوضح أنّ المركز بولايته وقانونيته يتابع أيّ شكوى تأتيه، إذ يستقبل سنوياً من 300 إلى 400 شكوى، وكلّ شكوى تجري متابعتها حتى النهاية. أشار إلى أنّ المركز يتمكن من حلّ ما بين 30 و40 في المائة من هذه الشكاوى بشكل مرضٍ، ويتم تحديد الشكاوى التي لم تحلّ. استدرك: "المركز ليس جهة تنفيذية، بل يتولى المناصرة وحثّ الدولة، لكن هناك مسؤولية على المواطن والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني لمطالبة البرلمان والحكومة لتنفيذ توصيات المركز ومقترحاته أو ما يأتي في إطار المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان". ولفت بريزات إلى أنّ المركز لا ينفذ، وليست لديه ضابطة عدلية وليست لديه قدرة تنفيذية، لكنّه يقدم مقترحات على القوانين ومشاريع القوانين بعضها يلغى وبعضها يعدّل مثل قوانين التعذيب، وخطاب الكراهية، ومكافحة الإرهاب والتشريعات الفضفاضة التي تسهّل التجريم، معتبراً أنّ النشاطات الإعلامية والندوات والمؤتمرات تصبّ في متابعة توصيات وأعمال المجلس.وشدّد: "نحن لسنا سلطة تشريعية تسنّ القوانين ولسنا سلطة تنفيذية لنغير السياسات ولسنا سلطة قضائية لمحاسبة عدم تنفيذ توصية ما، لكن في حال تجاهل التوصيات نعمل على إصدار بيانات واضحة حول الموضوع إذا كانت هناك مشكلة على سبيل المثال في حرية الرأي والتعبير، أو التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وآثارها على المجتمع، أو مشكلة في التوقيف الإداري، الذي لا ينسجم مع المواثيق الدولية. وأوضح أنّه ليست هناك حرية بلا حدود، فالحرية أوكسجين الحياة، وحقوق الإنسان ليست ملك أحد، ولا يستطيع أحد أن ينكرها أو يرفضها، لكن لا حرية مطلقة، فالحرية تقابلها واجبات، وتقيّد عندما يكون هناك سوء استخدام.



ولفت بريزات إلى أن المواطنين يمارسون أشكالاً عديدة من حرية التعبير، من خلال الكتابة بكلّ الوسائل، والاحتجاج السلمي، والتظاهرات، والاعتصامات، لكن هناك المادة 195 في قانون العقوبات تجرّم المساس بمكانة الملك، وهناك المادة (191) من قانون العقوبات، تجرّم ذمّ أيّ هيئة رسمية، فالانتقاد مسموح به ومن حق المواطنين الانتقاد، وعلى الحكومة تقبل الانتقاد الصادم، لكن ليس من حق المواطن قانونياً أن يجرّح أو يتهم أيّ مسؤول أو شخص من دون دليل سواء بالفساد أو المحسوبية، وهنا المشكلة أنّ أكثر التوقيفات ترتبط بانتقادات للمسؤولين من مختلف المستويات حتى الوصول إلى رأس الدولة بتهم كثيرة، والمواطن لا يملك الدليل، لكن هناك مسؤولية تجاه الحكومة والمؤسسات المعنية والرقابية كالبرلمان، وهذه الاتهامات التي تصدر عن المواطنين، يمكن معاملتها كبلاغات عن فساد أو أخطاء محتملة واتهامات غير مثبتة، والتحقق من صحتها عبر تحقيق مستقل، فإذا كانت صحيحة تجب معاقبة المسيء، وفي حال عدم صحتها يحاسب من أطلق هذه الاتهامات. وأشار إلى أنّه في غياب التحقيق المستقل يشعر المواطن أنّ هناك حالات فساد كبرى وصغرى لا يجري بشأنها أيّ تحقيق شفاف ومستقل ومحايد، بل يجري توقيف المواطن نفسه.

وأكّد: "نحن متفائلون بحديث المنسق الحكومي لحقوق الإنسان عن التنسيق معاً لتنفيذ بعض الأفكار الواردة في الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، مرحّباً بتعميم رئيس الوزراء عمر الرزاز لجميع المؤسسات الحكومية تنفيذ توصيات تقرير المركز الخامس عشر والمخالفات الواقعة في العام 2018. وأشار إلى أنّ المركز سيتابع ويراقب مدى ما تقوم به الهيئات من نشاطات ومبادرات لتنفيذ هذه التوصيات ورصدها، مؤكداً استعداد المركز للتعاون مع أيّ جهة تريد النصيحة والمساعدة الفنية والخبرة على المستوى المحلي أو الإقليمي. في كيفية التعامل مع مثل هذه التوصيات إن كانت هناك حاجة أو ضرورة.



يذكر أن "المركز الوطني لحقوق الإنسان" في الأردن، وثق في تقريره السنوي عن عام 2018، تقديم 107 شكاوى من أشخاص تعرضوا للتعذيب على أيدي موظفي إنفاذ القانون، و332 قضية وشكوى بحق عاملين في مديرية الأمن العام بشأن وقائع توقيف، فضلاً عن محاكمة العشرات على ممارسة الحق في التعبير عن الرأي، فيما بلغ عدد الموقوفين إدارياً "دون محاكمة" 37.683 موقوفاً، والمركز استقبل 44 شكوى تتعلق بتجاوز شروط المحاكمة العادلة، وتشمل طول مدة التوقيف القضائي، ورفض طلبات إخلاء السبيل، والتظلم من إجراءات قضائية. وقد تشكّل المركز الوطني لحقوق الإنسان بإرادة ملكية وبناء على قرار مجلسي النواب والأعيان، وصدر في قانون رقم 51 لسنة 2006 وحدد القانون أهداف المركز وفق المادة الرابعة "بالعمل على تعزيز مبادئ حقوق الإنسان في المملكة، وما نص عليه الدستور من حقوق، وما أكدته المواثيق والعهود الدولية من مبادئ، والإسهام في ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في المملكة على صعيدي الفكر والممارسة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس، وتعزيز النهج الديمقراطي في المملكة لتكوين نموذج متكامل ومتوازن يقوم على إشاعة الحريات وضمان التعددية السياسية واحترام سيادة القانون وضمان الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.