ناشطون يتبرعون بمكتبات للمدارس الأهلية في الكويت

ناشطون يتبرعون بمكتبات للمدارس الأهلية في الكويت

04 ديسمبر 2019
مرفق أساسي لكنّه غائب أحياناً (العربي الجديد)
+ الخط -

بينما تشكل المكتبات المدرسية جزءاً أساسياً من تكوين التلاميذ وتثقيفهم، فإنّ المدارس الأهلية في الكويت قلّما تضمّ هذا المرفق الهام، وهو ما دفع إلى مبادرات فردية تهدف إلى تقديم الكتب والمكتبات لهذه المدارس

تنقسم المدارس في الكويت إلى مؤسسات تربوية حكومية وخاصة، وتتولى الحكومة بناء المدارس الحكومية ومرافقها ودفع رواتب المعلمين والإشراف مباشرة على التعليم فيها. أما المدارس الخاصة، فتنقسم إلى غربية رفيعة المستوى يدرس فيها التلاميذ الكويتيون الأثرياء أو أبناء الوافدين العاملين في السلك الدبلوماسي أو الوظائف الكبيرة، وأخرى خاصة تسمى بالمدارس الأهلية، يدرس فيها أبناء فقراء الوافدين وفاقدي الجنسية "البدون". تفتقر المدارس الأهلية إلى الخدمات والمرافق التعليمية، وتكتظ الفصول بالتلاميذ الذين يصل عددهم في كلّ فصل إلى 45، بينما تضمّ المدارس الحكومية ما بين 20 و25 تلميذاً في الفصل، كما أنّ هذه المدارس خالية من الملاعب والساحات والمكتبات والنوادي الرياضية.




يقول عبد الله سعد الشمري، وهو شاب من فئة البدون يبلغ من العمر 26 عاماً، وسبق له التخرج من مدرسة تدعى "الكويت الأهلية": "أمضيت سنوات دراستي منذ الابتدائية حتى تخرجت من الثانوية في مدرسة تشبه السجن، حتى إنّ بعض الفصول التي درست فيها لم تكن تحتوي على نوافذ، وكان المناخ غير ملائم للدراسة، وليست هناك مكتبات أو ملاعب كرة قدم". ويضيف عبد الله، في حديثه لـ"العربي الجديد": "عندما يخبرني أقاربي الكويتيون عن وجود ملعب كرة قدم أو مكتبة في مدرستهم كنت أتساءل هل يعقل أن تكون هناك مدرسة تضمّ مكتبة أو ملعب كرة قدم؟ ثم كبرت وعرفت أنّنا كنا ندرس في مكان غير لائق للدراسة".

وعن السبب الذي يدفع العائلات إلى تسجيل أبنائها في هذه المدارس، يقول أحمد ظافر، وهو مقيم عراقي في الكويت، لـ"العربي الجديد": "السبب الذي يدفعنا إلى تدريس أبنائنا في مدارس لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة فضلاً عن مقومات التعليم، هو عدم توفر غير المدارس الأجنبية ثنائية اللغة التي تبلغ رسومها رسوم فصل دراسي في أرقى الجامعات العالمية، من دون أدنى مبالغة".

بدوره، يقول شريك تجاري في إحدى المدارس الأهلية التي تقع في محافظة الفروانية لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: "أؤمن بقيمة المكتبة في المدرسة، وبقية المرافق أيضاً، لكنّ دخل المدرسة غير كبير ولا يكفي لبناء مكتبات أو ملاعب كرة قدم مثلاً، بينما تستطيع المدارس الأجنبية وثنائية اللغة بناء مثل هذه التجهيزات". يرفض الشريك، الذي يساهم في إدارة المدرسة مع عدد آخر من التجار، الإجابة عن إيرادات ونفقات المدرسة كلّ عام، كما يرفض الإجابة حول مقدار التسهيلات الحكومية التي تمنح للمدارس الأهلية الخاصة.

دفع افتقار المدارس الأهلية الخاصة إلى المكتبات، بإقبال عبيد، وهي روائية ومترجمة وناشرة كويتية، إلى إطلاق حملة لجمع الكتب والتبرع بها لبعض المدارس الأهلية في محافظة الجهراء شمالي الكويت، حيث يدرس الآلاف من التلاميذ "البدون". تقول إقبال عبيد، لـ"العربي الجديد"، مستعرضة تجربتها: "فكرة المشروع بدأت عندما عملت مع أصدقائي في بداية العام الدراسي في سداد الرسوم للمتعثرين والمحتاجين في المدارس الأهلية الخاصة، فطلبت من المشرفة أن أرى مكتبة المدرسة، فقالت لي إنّ المدرسة لا تضمّ مكتبة، بل غرفة تخزين للكتب وهي صغيرة جداً". تضيف إقبال، التي تدير مركزاً للترجمة والنشر أيضاً: "شعرت بالحزن والمسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال، فمن المهم أن يكتشفوا عوالم القراءة والكتب والقصص القصيرة والموسوعات العلمية المصورة".

خطرت حينها فكرة تأسيس مكتبة بكتب تعليمية وغير تعليمية مختلفة، تشتمل على القواميس والقصص العربية والإنكليزية. ووجهت إقبال نداءً إلى جميع المهتمين بالكتابة والكتب والثقافة، على موقع "تويتر"، للمساهمة في التبرع بالكتب لإنشاء مكتبات في المدارس الأهلية، وهو ما استجاب له كثير من أصحاب المكتبات الخاصة، بالإضافة إلى الكتّاب الذين تبرعوا بنسخ من كتبهم لهذه المكتبات. تقول إقبال إنّها نفّذت المشروع بنفسها، وقامت بترتيب المكتبة وتنسيقها بميزانيتها وحدها، ونقلت الكتب بسيارتها الخاصة، لكنّها لاقت تشجيعاً كبيراً من المثقفين والمهتمين بالتعليم في الدول الخليجية، ما جعلها تخطط لجعل التجربة أكثر احترافية وتنظيماً في العام الدراسي المقبل. لكنّ الغريب، بحسب إقبال، هو رفض مدرَستين أهليتين في محافظة الجهراء مساهمتها في تجهيز مكتباتهما، حتى إنّ مديرة إحدى المدرستين ضحكت وقالت إنّ "حصة" المكتبة ليست مهمة وليست أساسية للتلاميذ.

يقول أنس المضحي، وهو معلم من فئة البدون يعمل في إحدى المدارس الأهلية، لـ"العربي الجديد": "خلال طفولتي درست في المدارس الأهلية وأعرف ما يعانيه التلاميذ هناك. كنت محباً للعلم والقراءة، لكن لم تكن هناك نشاطات قراءة أو نشاطات ثقافية، كما هي الحال مع المدارس الحكومية، بل لم يكن هناك نشاط إذاعة أو مسرح، فهذه كماليات لا تحتاج إليها المدارس، بحسب ما يقول مديرها وملّاكها". تخرّج أنس من كلية التربية بـ"جامعة الكويت" بعد حصوله على منحة دراسية من الحكومة، ولم يستطع العمل كمعلم في المدارس الحكومية، بسبب "القيود الأمنية" المفروضة عليه وعلى عائلته، فاضطر إلى العمل في مدرسة أهلية وبراتب ضئيل، حيث يجاهد يومياً في محاولة تعليم تلاميذه وحثهم على القراءة، وذلك بعدما استعار عدداً من الكتب من مكتبة والده، وهو إمام مسجد، ووضعها في المدرسة.




يقول أنس: "استعرت عدداً من كتب قصص الأنبياء والصحابة صغيرة الحجم، بالإضافة إلى أساسيات مهمة في الإسلام واللغة العربية، ولم أجد مكاناً في المدرسة كي أخصصه ليكون مكتبة، فاضطررت إلى طريقة أكثر ابتكاراً وهي وضعها في ممرات المدرسة، بعد أخذ الإذن من الإدارة، وهو ما شجع كثيراً من التلاميذ على القراءة". يأمل أنس وعدد آخر من الناشطين، أن تشدد الإدارة العامة للتعليم الخاص، التي تتبع وزارة التربية، الرقابة على المدارس الأهلية التي تسعى للربح من دون اهتمام بالتعليم، وأن تضع عدداً من الخدمات الواجب توفرها في المدرسة، وإلاّ فإنّ رخصة المدرسة ستُسحب.

المساهمون