السودان... وكتائب الظل

السودان... وكتائب الظل

26 ديسمبر 2019
من احتجاحات طلاب جامعيين بالسودان (هيثم التابي/ فرانس برس)
+ الخط -
قدم نحو 32 مديراً وعميد كلية جامعية في السودان استقالاتهم، نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مستبقين قراراً يصدر عن مجلس الوزراء بإعفائهم من مهامهم الإدارية والأكاديمية، وذلك قبل استئناف الدراسة مطلع أكتوبر/تشرين الأول بعد توقف دام قرابة عشرة أشهر بسبب اندلاع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام عمر البشير، في 11 إبريل/نيسان 2019. وقدّم هؤلاء استقالاتهم على خلفية تخيير وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، انتصار صغيرون، لهم بين الإقالة والاستقالة. وكان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قد اتخذ قراراً بتوصية من وزيرة التعليم بإقالتهم ضمن أكثر من 60 مسؤولاً جامعياً.

وشملت الإقالات 31 رئيس جامعة حكومية و4 من نوابهم، وعيّن حمدوك خلفا لهم 34 رئيساً للجامعات السودانية، من بينهم فدوى عبد الرحمن طه رئيسة لجامعة الخرطوم، كبرى الجامعات الحكومية، كأول امرأة تتولى هذا المنصب.

وشملت الإعفاءات 28 رئيس مجلس إدارة في مجالس إدارة الجامعات الحكومية، كانوا يمثلون رموز النظام السابق. وكانت الوزيرة صغيرون قد تقدمت بهذا الاقتراح تجاه مديري الجامعات الحكومية، لدورهم في إفساد الحياة التعليمية في الجامعات إبّان فترة رئيس النظام السابق، خصوصاً عبر السماح لأنصاره بتكوين ما يسمى "الوحدات الجهادية" داخل الجامعات، واستخدام العنف ضد المعارضين. وتعتبر عملية إعفاء مديري الجامعات من بين المطالب التي وضعها تجمّع أساتذة الجامعات والمعاهد السودانية التابع لتجمّع المهنيين السودانيين أمام الوزيرة كواحد من شروط استئناف الدراسة. على أن مديري الجامعات المستقيلين لم يتقبلوا ببرد وسلام توجهات الوزيرة، القاضية بإقالتهم ومعهم نوابهم ورؤساء مجالس الجامعات وعمداء الكليات، ودافعوا عن أنفسهم، معلنين أنهم "بذلوا جهوداً طوال الثمانية أشهر الماضية، متحملين عبء المسؤولية والإدارة في ظروف استثنائية وبالغة التعقيد، تحمّلوا خلالها الأذى المعنوي الجسيم، وحافظوا على ممتلكات الجامعات وأصولها وأعادوا استئناف الدراسة حرصاً منهم على مصالح الطلاب". الدعوة التي أطلقها التجمع كانت استجابة منه لمناخات بين طلاب الجامعة وأساتذتها نتيجة انتماء هؤلاء الصارخ للنظام السابق وقيامهم بأدوار سياسية واضحة تخدم مصالحه.



وكان التجمع قد دعا إلى تغيير قادة مؤسسات الدولة عموماً، لأن النظام السابق كان يعتمد في التعيين على معيار الولاء وليس الكفاءة، وبالتالي، فإنّ كل من حظي بهذا التعيين هو من موالي نظام الرئيس البشير، وكان مطلوباً منه تنفيذ أجندة سياسية تتمثل في تسهيل دخول عناصر الأمن إلى الجامعات لإخماد أي عمل يهدد النظام، سواء من ناحية التظاهرات أو الندوات ذات الأهداف السياسية المعارضة، فضلاً عن ملاحقة الطلاب المعارضين، وحماية الطلاب التابعين للنظام، والعمل على تجييشهم وتسليحهم، ما جعل الجامعات بيئة للصراعات السياسية، وهو ما عرّضها في كثير من الأحيان للإغلاق لفترات طويلة. واختيار التوقيت لتقديم الاستقالة يربطه الأساتذة المستقلون باعتقاد المستقيلين أنهم يستطيعون إرباك العملية التعليمية مع اقتراب بدء الدراسة في الجامعات. التهم الأساسية الموجهة لهؤلاء إذاً هي سماحهم لـ "كتائب الظل" أو مليشيات النظام بحرية الحركة وفرضهم الإرهاب داخل حرم الجامعة، وممارسة شتى أنواع العنف والقتل، إضافة إلى فصل من لا يتماشى من الطلاب مع سياسات النظام خلال فترة الثلاثين عاماً الماضية، ما جعل الجامعات مسرحاً للإرهاب والقهر من دون حسيب أو رقيب.

(باحث وأكاديمي)

المساهمون