أطفال ينتحرون في تونس

أطفال ينتحرون في تونس

24 ديسمبر 2019
لا بدّ من إيلاء الأطفال اهتماماً أكبر (سيمونا غراناتي/Getty)
+ الخط -

تسجل شهرياً في تونس حالات انتحار أو محاولات انتحار لأطفال، من دون الانتباه إلى المؤشرات التي تسبق انتحارهم، وما يعانيه هؤلاء قبل هذه الخطوة

يوم 22 أغسطس/آب الماضي، عثر على جثة طفلة تبلغ من العمر 11 عاماً، في ولاية القصرين، وسط غرب تونس، بعد انتحارها. ويوم 5 يوليو/تموز الماضي، انتحرت طفلة (13 عاماً)، في ولاية المهدية (شرق). وأقدم يوم 20 يونيو/حزيران الماضي فتى في الخامسة عشرة، على الانتحار في ولاية قبلي. الأطفال الثلاثة انتحروا شنقاً، من دون تبيّن الأسباب الحقيقية.

يتابع "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية الاجتماعية" قضية انتحار الأطفال، ويصفها بـ"نداء الموت"، مؤكداً انتحار 24 طفلاً أعمارهم أقل من 15 عاماً، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري. وقد سجلت خلال شهر يونيو/حزيران الماضي أربع وقائع انتحار في صفوف الأطفال من إجمالي 28 واقعة خلال ذلك الشهر لـ19 ذكراً و9 إناث. أما وقائع الانتحار الإجمالية في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري فكانت 146، لـ105 ذكور و41 أنثى من مختلف الشرائح العمرية.




يشير المنتدى إلى أنّ من أسباب انتحار الأطفال الوضع المعيشي الصعب، والعنف الأسري، والاغتصاب والتحرش الجنسي، وأحياناً تقليد انتحار أشخاص آخرين. ويلفت إلى أنّ محافظة القيروان تحتل الترتيب الأول في حالات الانتحار، مضيفاً أنّ أكثر الوقائع تواتراً هي عمليات الشنق أو تناول مواد سامة أو جرعات مضاعفة من الأدوية.

تشير المنسقة في المنتدى، نجلاء عرفة، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ من بين أسباب انتحار الأطفال الضغوط النفسية والخوف من رد فعل أولياء الأمور من جراء النتائج المدرسية. تضيف أنّ عدة عوامل خلال السنة الدراسية قد تدفع إلى الانتحار، منها التنمر في المدرسة وأمامها من دون التصدي جيداً للمسألة، مؤكدةً أنّ الأطفال يتأثرون بالعنف النفسي هذا، كما أنّ عائلات كثيرة تعيش أوضاعاً معيشية صعبة قد تنعكس على الأطفال. تتابع أنّ هناك حالات انتحار بسبب الاعتداءات الجنسية، خصوصاً أنّ الأطفال يمثلون الحلقة الأضعف، وعادة ما لا يتحملون ما يمرون فيه، مشيرةً إلى أنّ من بين الأسباب التي أدت إلى انتحار طفل مثلاً عدم قدرة والده على اقتناء حذاء له في عيد الفطر، بسبب الظروف المادية للعائلة، وقد انتحر طفل آخر بسبب عدم اقتناء والده خروف عيد الأضحى. تلفت إلى أنّ الأطفال يراقبون أوضاع أهلهم ويتأثرون بما تمر به أسرهم من ظروف معيشية، وعادة ما يؤثر الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية المتدهورة فيهم، خصوصاً أنّ قدرة التحمل لدى البعض أقل من الآخرين، وظروف الإحاطة به تتفاوت. تضيف أنه سجل خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أربع حالات انتحار لأطفال سنهم أقل من 15عام من إجمالي 20 حالة سجلت خلال الشهر نفسه، أي نوفمبر 2019.

تفيد عرفة أنّه لا بد من إيلاء فئة الأطفال الاهتمام اللازم، سواء داخل الأسرة أو في المدرسة التي تقع عليها مسؤولية متابعة الأطفال والانتباه إلى العديد من العلامات التي تظهر في سلوكهم، ثم التدخل. تشير إلى أنّه في ظلّ غياب المتابعة اللازمة، يبقى العديد من الأطفال تائهين، يفتقدون إلى العناية بهم والى الإحاطة اللازمة، مؤكدة أنّ بعض الأطفال يتعرضون إلى العنف البدني واللفظي داخل الأسرة، من دون الإنصات إليهم، والوقوف على مشاغلهم، لافتة إلى أنّ هذه الشريحة قد تمر بالعديد من الأزمات النفسية، ولا بد من الاهتمام بها.




تلفت عرفة إلى أنّ الشنق هو الوسيلة الأكثر تسجيلاً في وقائع انتحار الأطفال، وعادة ما يكون ذلك في الغرفة الشخصية أو منزل الأسرة أو مكان قريب منه. تشير إلى أنّ بعض المنتحرين الأطفال يحاولون لفت الانتباه بطريقة انتحارهم الاستعراضية، أو تقليد حالات انتحار أخرى. وتدعو عرفة إلى توعية الأهل والمعلمين، فالطفل يمضي يومه في المدرسة، ولا بدّ من الانتباه إلى بعض المؤشرات كالاكتئاب، والتهديد بالانتحار، مشيرة إلى أنّ إحدى الأمهات صرحت بأنّ ابنها كثيراً ما كان يلوّح بالانتحار، ولم تصدق أنّه سيصل إلى التنفيذ حتى انتحر. تضيف أنّ انشغال بعض الأمهات والآباء بالعمل والتركيز على مشاغلهم ومشاكلهم اليومية يمنعهم من الانتباه إلى ما يمرّ به أطفالهم، وما يظهر لديهم من مؤشرات، مؤكدةً أنّ الانزواء وتغير السلوك لدى الطفل مؤشرات لا بدّ من أخذها بجدية، والانتباه إليها، فجلّ هذه المؤشرات قد تسبق التنفيذ، مع الإشارة إلى ضرورة اهتمام المؤسسات التربوية بقضايا التنمر والتحرش الجنسي، وضرورة تعزيزها ثقافة التعامل مع الآخر للحدّ من بعض التصرفات المؤذية.