الهند العنصرية... الحزب الهندوسي الحاكم يهمش المسلمين

الهند العنصرية... الحزب الهندوسي الحاكم يهمش المسلمين

21 ديسمبر 2019
الاحتجاجات مستمرة وكذلك قمع الشرطة (جاويد سلطان/ الأناضول)
+ الخط -

لم تهدأ الهند طوال الشهر الجاري، فالعنصرية ضد المسلمين تتخذ اليوم طابعاً رسمياً مع إقرار قانون يعتبره كثيرون موجهاً ضدهم، يضاف إلى سلسلة من الأحداث التي ميزت عهد رئيس الحكومة القومي ناريندرا مودي

تكيل الحكومة الهندية، بقيادة القومي الهندوسي ناريندرا مودي، بمكيالين، في ما خصّ المسلمين في البلاد. وليس أدلّ على ذلك من إقدامها خلال أشهر قليلة على خطوتين مثيرتين للجدال تجاههم.

الخطوة الأولى وقعت في أغسطس/ آب الماضي، حين نشرت الحكومة الهندية قائمة المواطنة النهائية في ولاية آسام (شمال شرق) التي تضمنت ما مجموعه 31.1 مليون شخص، مع استبعاد 1.9 مليون شخص، مع اعتبار المعترضين أنّ هذه الخطوة هي محاولة لترحيل ملايين من الأقليات المسلمة، الذين دخل كثيرون منهم إلى الهند من بنغلادش المجاورة. فحبيب الرحمن (50 عاماً) مثلاً، أمضى أربع سنوات في مخيم "أجانب" في الولاية بسبب قائمة المواطنة، من قبل أن تصبح نهائية. فقد وضعت هذه القائمة بداعي مكافحة الهجرة غير الشرعية في المنطقة التي تشهد مواجهات طائفية.



"تفوق الهندوس"
وفي الأيام القليلة الماضية، وقعت الخطوة الثانية، إذ تقدمت الحكومة بمشروع قانون حول الجنسية يسمح بمنحها لملايين المهاجرين غير المسلمين من ثلاث دول مجاورة هي باكستان وأفغانستان وبنغلادش، وبالرغم من المعارضة الكبيرة له، أقرّ البرلمان المشروع ليتحول إلى قانون نافذ. القانون يعرض العفو عن المهاجرين غير الشرعيين من غير المسلمين من تلك الدول الثلاث، ما يعني منح حق المواطنة للأقليات الدينية الوافدة من تلك الدول وهو "ما سيوفر ملاذاً للفارّين من الاضطهاد الديني" بحسب الحكومة. أما الردّ الأبسط على القانون، فهو أنّه يستثني المسلمين من هذا العرض والملاذ الموفر لغيرهم، علماً أنّ من بينهم من هم عرضة للاضطهاد أيضاً في تلك الدول وفي غيرها من دول الجوار.

ويعدّل القانون الجديد قانون المواطنة الهندي القائم منذ 64 عاماً، والذي يحظر منح المهاجرين غير الشرعيين الجنسية، وهي ما كانت حجة الحكومة لسلخ الجنسية عن مواطني آسام المشار إليهم، في أغسطس/ آب الماضي. فالقانون الهندي يعرّف المهاجرين غير الشرعيين بأنّهم أجانب دخلوا إلى البلاد من دون جواز سفر صحيح أو وثائق سفر، أو بأنّهم ممن بقوا في الهند بعد انتهاء وقت إقامتهم المسموح به. وبموجب هذا القانون، فإن المهاجرين غير الشرعيين يمكن ترحيلهم أو سجنهم. التعديل على القانون القديم في القانون الجديد يلحظ استثناء ست أقليات دينية هي الهندوسية والسيخية والبوذية والجاينية والزرادشتية فضلاً عن المسيحية، إذا تمكن هؤلاء من إثبات أنّهم من باكستان أو أفغانستان أو بنغلادش، من الشروط القاسية الخاصة بغيرهم للتجنيس، إذ تنصّ على أنّ هؤلاء لا يتوجب عليهم كي يحصلوا على الجنسية إلّا الإقامة أو العمل في الهند ستة أعوام.

ويلحظ المسلمون تلك الاستنسابية التي ميزت القانون، ويؤكدون أنّه لو كانت النوايا غير موجهة ضدهم، لشمل القانون أقليات مسلمة تعاني من الاضطهاد، من قبيل الطائفة الأحمدية في باكستان، التي سلخت عنها السلطات الباكستانية منذ سبعينيات القرن الماضي هويتها الإسلامية، أو من قبيل المسلمين الروهينغا في ميانمار، الذين يعانون من اضطهاد الأغلبية البوذية لهم، ما أدى إلى موجة تهجير واسعة بحقهم، ما زالت مستمرة. واعتبر المحامي زبير عزمي، من بومباي، أنّ الحكومة الهندية الحالية تريد "إقامة أمة هندوسية مشابهة لإسرائيل". وقال: "أعرف هندوساً يناضلون معنا، لكنّ عددهم يتناقص لأنّ هندوساً آخرين يصدقون دعاية حزب بهاراتيا جانتي" وهو الحزب الهندوسي القومي الحاكم بزعامة مودي. ومنذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014، شهد المجتمع الهندي ترويجاً لخطاب عرقي- ديني يقوم على أيديولوجيا تفوّق الهندوس، التي يرى معارضوها أنّها خطر على تنوع المجتمع الهندي.




استفزازات
وهكذا، فإنّ السنوات الأخيرة لم يقتصر استفزاز مودي وحكومته وحزبه للمسلمين فيها على قضية الجنسية تلك، بل شهدت البلاد تغييراً لأسماء مدن وشوارع إسلامية بتسميات أكثر "هندوسية". كذلك، سحلت مليشيات هندوسية عشرات الأشخاص المسلمين بداعي الدفاع عن البقرة المقدسة. وفي أغسطس/ آب الماضي، ألغت السلطات الحكم الذاتي في كشمير، المنطقة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سمحت المحكمة العليا ببناء معبد هندوسي كبير في أيوديا في موقع مسجد جرى هدمه في 1992 من قبل متطرفين هندوس. وكانت عملية الهدم تلك تسببت بأسوأ موجة عنف في تاريخ الهند المستقلة.

من المعروف أنّ الهند أكبر ديمقراطية في العالم، ومن المعروف كذلك أنّ المواطنين المسلمين الذين يصل عددهم إلى 200 مليون نسمة تقريباً، ويشكلون 14 في المائة من مجموع السكان، لطالما مارسوا واجباتهم كمواطنين، وشاركوا في النشاطات الاقتصادية كافة، وكانوا جزءاً من النهضة المعرفية والتعليمية لأمة المليار و340 مليون نسمة. لكنّ النزعة القومية تفعل فعلها في البلاد، خصوصاً بعد سيطرة القوميين الهندوس على مجلس النواب، وعلى الحكومة، وإن بقي مجلس الشيوخ خارج السيطرة الكلية.



قانون الجنسية الأخير نشط مودي وحزبه في الترويج له بشكل كبير جداً، مشددين على دافع "اضطهاد الأقليات" في دول الجوار، ومشيرين في الوقت عينه إلى أنّه لم يشمل المسلمين، لا لتحيز ديني، بل لأنّهم "ليسوا أقليات، وبالتالي فهم ليسوا في حاجة إلى حماية الهند". وبالرغم من أنّه احتاج إلى تصديق من مجلسي النواب والشيوخ، كي يصبح قانوناً، فقد تحقق ذلك، وإن لم يمتلك مودي وحزبه الأغلبية في مجلس الشيوخ، أي الغرفة العليا من البرلمان، على العكس من مجلس النواب، أو الغرفة الدنيا، والذي يسيطر عليه الحزب القومي الهندوسي. فالأسبوع الماضي، عرض المشروع على المجلسين، وحظي في مجلس النواب بموافقة 311 عضواً مقابل رفض 105 أعضاء، وفي مجلس الشيوخ بموافقة 125 عضواً، مقابل رفض 105 أعضاء.

غضب
بذلك، أثار المشروع قبل إقراره، وخصوصاً بعد إقراره كقانون نافذ، موجة تظاهرات غاضبة واسعة في الشمال الشرقي للبلاد، المتاخم لبنغلادش، لا سيما ولاية آسام، حيث يخشى السكان في تلك المناطق من أن تتجاوز أعداد المهاجرين من الحدود، وهم من غير المسلمين، أعدادهم، وفي العاصمة نيودلهي حيث استخدمت الشرطة العنف لتفريق المحتجّين.

في التطورات الأخيرة، أعلنت شركتان كبيرتان للاتصالات، الخميس، أنّهما قطعتا خدمة الهواتف النقالة في أجزاء من العاصمة نيودلهي بناء على أوامر حكومية وسط تصاعد التظاهرات الرافضة للمشروع. وقال متحدث باسم شركة "فودافون" لوكالة "فرانس برس"، إنّ "الحكومة أصدرت أمراً يطلب منا منع خدمات شبكة الهواتف المحمولة في بعض أجزاء نيودلهي". وأكدت شركة "أريتيل" بدورها الإجراءات، فيما ذكرت تقارير أنّ شركة "جيو" أكبر مشغل للهواتف المحمولة، اتخذت نفس الخطوات.

وكانت السلطات قد منعت، أمس الجمعة التجمعات في أجزاء من العاصمة نيودلهي وغيرها من المدن لليوم الثالث على التوالي، لوقف الاحتجاجات المتزايدة، التي خلفت حتى أمس ثمانية قتلى وأكثر من 1200 معتقل في نيودلهي وحدها، ومئات في مدن أخرى، لكن أطلق سراح معظمهم. يترافق ذلك مع رفض المحكمة العليا الهندية وقف تنفيذ القانون، وقالت إنّها ستستمع إلى الالتماسات التي تطعن في القانون في 22 يناير/ كانون الثاني المقبل. لكنّ المتظاهرين تحدوا السلطات ونظموا احتجاجات، الخميس، ما دفع الشرطة إلى إلقاء القبض على عشرات منهم في نيودلهي.




ويأتي ذلك في أعقاب أيام طويلة من الاحتجاجات في ولايات عدة، كان الأبرز فيها هجوم الشرطة على طلاب "الجامعة الإسلامية الملية" في نيودلهي، الذين نظموا الأحد الماضي احتجاجات انتهت بالصدام مع أفراد الشرطة، ما أدى إلى إصابة 60 واعتقال عشرات. وبينما اتهمت الشرطة الطلاب بإلقاء حجارة على عناصرها، نفى الطلاب ذلك مشيرين إلى طرف ثالث، من "مثيري شغب محليين". وقالت الجامعة إنّ الشرطة اقتحمت الحرم الجامعي من دون إذن، وأظهرت مقاطع فيديو أفراداً من الشرطة وهم يعتدون على الطلاب داخل الجامعة. أما عائشة رينا وهي مسلمة أصبحت أيقونة للتظاهرات بعدما حمت زملاءها الطلاب من عصي رجال الشرطة، فقالت معبرة عن غضبها وخوفها من موجة القمع: "في المرحلة التالية، سيستهدفون الهند كلّها".