مبادرات شباب تونس لا تنهي البطالة

مبادرات شباب تونس لا تنهي البطالة

16 ديسمبر 2019
نجح مشروعه في صناعة الغليون (سيمونا كوربيس/ Getty)
+ الخط -
بعد طول انتظار، تمكن محمّد علي ضيف الله (32 عاماً)، من فتح مشروع لتربية الدواجن في منطقة باجة. لم يكن المشروع كبيراً أو ذا رأس مال ضخم. كلّ ما في الأمر أنّه حصل على قرض بقيمة 15 ألف دولار من البنك التونسي للتضامن الذي يمنح قروضاً تحفيزية للشباب، لإنشاء مشاريع صغيرة، سواء زراعية أو حرفية أو صناعية، أو إنشاء مؤسسات خدماتية مختلفة.

لم تدم تجربة ضيف الله أكثر من ثمانية أشهر، فقد واجه في البداية مشكلة تتعلق بمصاريف الإنتاج من علف وتوفير الأدوية اللازمة، ليواجه لاحقاً مشكلة في الترويج. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ البنك لا يمنح صاحب المشروع أموالاً بل أجهزة، وكل ما يلزمه لإقامة المشروع، ويحصل على نحو 1500 دولار من قيمة القرض. والمبلغ بسيط جداً ولا يكفي لتأمين بعض المصاريف الأولية للإنتاج في بداية انطلاق المشروع. يضيف أنّه "بعد إطلاق المشروع، اكتشفت أنّ غالبية التجار أو أصحاب محال بيع اللحوم البيضاء يقبلون على منتجات كبار مربي الدواجن لأنّهم يحصلون على كميات كبيرة. لذلك، واجهتُ مشكلة في ترويج منتجاتي، ما أدى إلى إفلاس المشروع حتى قبل أن يتجاوز عامه الأول".




ويختم قائلاً: "الحمد لله أن فشل المشروع لا يؤدي إلى سجن من حصل على قرض، لأنّ البنك يسترجع كلّ التجهيزات في تلك الحالة". مئات الشباب يطلقون سنوياً مشاريع خاصة بهم في جهات عدة للحصول على قروض من بعض المؤسسات الممولة للمشاريع الصغرى، أو بعض البنوك لا سيما البنك التونسي للتضامن، الذي لا يشترط ضمانات خارجية على أصحاب تلك المشاريع، مثل الرهن العقاري أو أي شيء آخر، والاكتفاء فقط بضمانات تتعلق بالتجهيزات الممنوحة في حال فشل المشروع.

ولطالما أشارت الحكومات المتتالية في تونس إلى عجز الدولة عن توفير وظائف لأكثر من 600 ألف عاطل من العمل، إضافة إلى عدم القدرة على تحمّل العبء المالي الناتج عن وجود أكثر من 600 ألف موظف في القطاع العام. أمر دفع الدولة للجوء إلى إيقاف الانتدابات، في مقابل تشجيع الشباب على المبادرات الخاصّة، والاعتماد على الذّات في إطلاق مشاريع صغيرة. والهدف هو تنمية ثقافة المبادرة لدى الشباب، وتيسير النفاذ إلى مصادر التمويل، وتخصيص جزء من المشاريع العامة لإسنادها إلى المبادرين الشباب. تضاف إلى ما سبق المبادرات التي أطلقتها الوزارات على غرار وزارة المرأة والأسرة، منها مبادرة "ريادة" لتشجيع النساء في المناطق الداخلية على إطلاق مشاريع تموّل أساساً من البنك التونسي للتضامن، بعد الالتحاق بدورة تكوينية في إحدى الصناعات أو الحرف اليدوية، والحصول على شهادة تخوّل لها الحصول على قرض.

وعلى الرغم من محدودية تجاوب الشباب مع تلك المبادرات، إلّا أنّ البعض خاض المغامرة متحدياً صعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد خلال السنوات الأخيرة. لكن بعض تلك المشاريع تواجه صعوبات عدة خلال أقل من ثلاث سنوات، أي ما نسبته 80 في المائة من مجموع المؤسسات الصغيرة الناشئة، في حين تنتهي 40 في المائة بالإفلاس. وغالباً ما يكون الفشل في النفاذ إلى السوق سبباً أساسياً في إفلاس المشروع، إضافة إلى سوء تقدير باعثي المشاريع في تقييم الكلفة الحقيقية لمشاريعهم، أو الاعتماد على دراسات غير واقعية للسوق، وضعف مواردهم الذاتية لتمويل مشاريعهم، والاكتفاء بما يقدّمه البنك، بحسب البنك التونسي للتضامن باعتباره الممول الأول لتلك المشاريع. كما أنّ عدم توفر سيولة مالية ذاتية كافية لأصحاب المشاريع لتسيير مشاريعهم بعد إحداثها يجعلهم يواجهون مصاعب مالية منذ البداية، ما يعطل مشاريعهم ويتسبب إما في إفلاسها، أو يجبرهم على اللجوء إلى الاقتراض مرة أخرى من بعض المؤسسات أو الأصدقاء لمجابهة نفقاتهم خلال انطلاق المشروع.

عفاف أطلقت مشروعها هي الأخرى بعد الاستفادة من مشروع "ريادة" الذي أطلقته وزارة المرأة في تونس لدعم المرأة وتشجيعها على إطلاق المشاريع. تمثّل مشروعها في إطلاق ورشة صغيرة لدهن وتزيين الأثاث، بتمويل بلغ 650 دولاراً فقط. لم تحصل على المال بل حصلت على تجهيزات بقيمة المبلغ.

بدأت بتفاصيل بسيطة تحصل عليها من بعض العائلات الراغبة في إعادة تزيين أثاثها، على أمل التعريف بمشروعها والترويج له شيئاً فشيئاً. لكنّها ترى أن المشروع في طريقه إلى الفشل بعد أربعة أشهر فقط من انطلاقه. والسبب أنّ غالبية الحرفيين يتعاملون مع محال النجارة الكبيرة وليس الورش الصغيرة. كما أنّها اختارت مكاناً بعيداً عن التجمعات السكنية التي تمكنها من التعريف بعملها، لأنّها غير قادرة على تجهيز محلّ كبير باهظ الثمن.




العديد من الشباب، لا سيما الذين طالت فترة بطالتهم، اختاروا المجازفة ومحاولة إطلاق مشاريع صغيرة، خصوصاً أنّ الفشل لن يؤدي بهم إلى السجن أو تكبد ديون كبيرة، أو إعادة التجهيزات إلى البنك في حال الفشل. لكنّ البعض الآخر ممن أطلق مؤسسات صغرى وحصل على مشاريع من الدولة يواجه غالباً مشكلة تأخر الدولة في دفع مستحقاتها، ومشكلة تمويل تلك المشاريع التي تقدّمها له الدولة، على غرار بعض شركات المقاولات الصغيرة التي تحصل على صفقات عامة من الدولة. ويلجأ أصحابها إلى الاقتراض لتسيير المشروع على أمل حصولهم على مستحقاتهم من الدول في حال إنهاء المشروع. لكن قد يكلّف الأمر سنوات من الانتظار، الأمر الذي أدى إلى إفلاس عشرات شركات المقاولات الصغرى التي أنشأها بعض الشباب.

المساهمون