خبز الجزائريين في القمامة

خبز الجزائريين في القمامة

10 نوفمبر 2019
الخبز يُباع في كلّ مكان (Getty)
+ الخط -
يُعَدّ الخبز المهدور في الجزائر قضيّة تؤرّق المعنيّين الذين لم يتمكّنوا من إيجاد حلّ ناجع لها. وعلى الرغم من أنّ الخبز يُعَدّ مهمّاً جداً بالنسبة إلى المواطن الجزائري، فإنّه قادر على التخلّص منه بسهولة.
"علاقة الجزائريين بالخبز حيويّة تماماً كما هي علاقتهم بالهواء". بهذا يبرّر محمد بن صافية إقبال أهل البلاد الكبير على الخبز، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "الخبز في الثقافة الاستهلاكية الجزائرية مادة غذائية تُعَدّ جزاً لا يتجزأ من الوجبات الثلاث الفطور والغداء والعشاء". ويؤكد أنّه "لا يمكن الاستغناء عن الخبز مهما كانت طبيعة مائدة الطعام، بالإضافة إلى أنّه يزيّنها". لكن، في المقابل، يُسجّل أمر غريب في مختلف أنحاء الجزائر، وهو التخلّص من كميات كبيرة من الخبز تصل إلى حدّ الملايين عبر رميها في القمامة.




وفي الجزائر كما هي الحال في بلدان عربية مختلفة، يردّد أبناء الطبقة الفقيرة والكادحة عند سؤالهم عن أحوالهم: "أشتغل من أجل الخبزة". وعندما يشتكي مواطن من ظلم بلحق به في العمل، يقول "الخبزة المِحنة"، ما يعني أنّه يتحمّل المحن من أجل الحصول على أجرة يسدّ بها رمقه ورمق أسرته. وعندما يحاول الواحد إلهاء آخر في طريقه إلى عمله، يتذمّر الأوّل قائلاً "اتركونا نروحو نجيبو الخبزة"، ما يعني دعونا نعمل لتأمين لقمة عيشنا. وعندما يُحرَم أحد من عمله، يتحسر بحزن "لقد قطعوا عنّا الخبزة". وتتعدّد العبارات التي تأتي في سياق متّصل.
تقول الأستاذة في علم الاجتماع في جامعة وهران نورية بلعاليا لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخبز والعمل وجهان لعملة واحدة، إذ إنّ العمل وسيلة لحصول المواطن على لقمة عيشه المرتبطة حكماً بالخبز الذي يُعَدّ ضرورة في الحياة"، موضحة أنّ "الخبز أمر مقدّس على مائدة الطعام الجزائرية". تضيف بلعاليا أنّ "الجزائري تعوّد على تناول الخبز بكميات كبيرة، غير أنّ فكرة العمل يساوي الخبز لا غير متجذرة في أذهان الجزائريين ومن الصعب محوها، على الرغم من أنّ الأجر الذي يتقاضاه المرء لقاء عمله لا يُخصّص فقط للأكل إنّما لأهداف أخرى كذلك منها الترفيه".

من جهته، يقول عضو منظمة حماية المستهلك في الجزائر عصام لخضاري لـ"العربي الجديد"، إنّ "في إمكان المواطن أن يشبع عند تناوله الخبز وقليلاً من زيت الزيتون أو بعضاً من حبّات الزيتون، وهذه هي النعمة التي ما بعدها نعمة". يضيف: "لكنّ تلك النعمة تحوّلت إلى نقمة مع مرور الزمن، كيف لا والجزائري بقدر ما يحبّ الخبز تجده يرمي كميات كبيرة منه في مكبّات النفايات".

في آخر إحصائيّة رسمية نشرتها الحكومة الجزائرية حول الموضوع، تبيّن أنّ الجزائريين يرمون ما يقارب 10 ملايين رغيف خبز يومياً، أي ما تعادل قيمته 360 مليون دينار جزائري (نحو ثلاثة ملايين دولار أميركي). وهو أمر يكشف "حجم التبذير الذي يأتي به الجزائريون"، بحسب وزارة الفلاحة الجزائرية، التي تؤكد أنّ "التبذير في استهلاك منتجات الخبز بلغ مستوى جدّ خطير، يثقل بشدّة كاهل الخزينة العمومية ويتنافى تماماً مع مبادئ وقيم مجتمعنا".

وعليه، في خطوة هي الأولى من نوعها، أعطى رئيس الوزراء الجزائري نور الدين بدوي تعليماته من أجل "العمل على عقلنة الاستهلاك المحلي للقمح اللين" المستخدم في صناعة الخبز الذي يعرف استهلاكه حالة تبذير وصفها بـ"الخطيرة"، داعياً إلى "إعادة تحسين وتنويع النمط الغذائي بما يحفظ صحّة المواطن". وشدّد بدوي على أهمية "مواجهة الظاهرة وإطلاق حملة توعية واسعة النطاق تشرف عليها وزارة التجارة ووزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ووزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، بمشاركة قطاعات أخرى معنيّة بالتربية والتعليم العالي والشؤون الدينية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تكثيف دعوات التخفيف من حدّة الظاهرة وترشيد استهلاك هذه المادة".

ورقم 10 ملايين رغيف خبز يُعَدّ ضخماً في معايير الاستهلاك في الجزائر ويلقي بظلاله على الاقتصاد الجزائري، إذ إنّه يتبيّن من خلال عملية حسابية بسيطة أنّ كلّ عائلة جزائرية ترمي في القمامة يومياً 20 ديناراً (نحو 0.2 دولار) في حال كان سعر الرغيف الواحد 10 دنانير (نحو 0.09 دولار).



وتتكرّر في البلاد مشاهد الطوابير الطويلة أمام الأفران والمحلات التي تبيع الخبز، فيما يتزايد التهافت على اقتناء الخبز بمختلف أنواعه في المناسبات كشهر رمضان. كذلك، تتكرّر مشاهد باعة الخبز على الأرصفة، خصوصا على الطرقات السريعة وفي أسواق الخضار والفواكه. من جهة أخرى، تزدهر عمليات جمع الخبز اليابس وبيعه في الجزائر التي يقبل عليها الصغار والكبار على حدّ سواء، وذلك في باحات المباني وفي الشوارع، ثمّ يبيعونه لمربّي الخراف والأبقار والدجاج. وهذه "تجارة مربحة"، بحسب ما يقول فوزي، البالغ من العمر 18 عاماً، لـ"العربي الجديد". يضيف أنّ "الأمر يتطلّب تعباً يومياً في كلّ صباح قبل أن تصل شاحنات جمع النفايات إلى الأحياء الكبرى".