الليبية المتزوجة من أجنبي منبوذة في بلدها

الليبية المتزوجة من أجنبي منبوذة في بلدها

06 نوفمبر 2019
الإجحاف كبير بحق النساء (محمود تركيا/ فرانس برس)
+ الخط -
الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع الليبي تكاد تكون قادرة على التحكّم بالقوانين، وإن كانت هناك مساعٍ للتغيير، يتعالى صوتها. وحتى اليوم، ما زالت المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي تُنبذ، بينما لا يحصل أطفالها على جنسيتها

بعض الليبيّات المتزوجات من أجانب ما زلن يطالبن بحقوقهن القانونية، منها حقهن في منح جنسيّتهن الليبية لأطفالهن، في مقابل صمت حكومي رسمي. وتقول الناشطة المدنية الليبية سناء إبراهيم إنّ العائق أمامهن ليس قانونياً بقدر ما هو مرتبط بثقافة المجتمع. وتوضح نائبة رئيس جمعية المغتربات في الوطن رجعة الهنيد أنّ الجمعية تطالب جميع المسؤولين في ليبيا بإعطاء النساء وأبنائهن حقوقهن، مشيرة إلى أنها وزميلاتها أسسن هذه الجمعية بسبب ما تعانيه النساء وأطفالهن من ظلم وتهميش في المجتمع، فضلاً عن النظرة الدونية.

وفي تصريحات سابقة، أشارت الهنيد إلى عقد الكثير من اللقاءات مع المسؤولين، وتقديم المذكرات للمتخصّصين، إضافة إلى عقد اجتماعات مع الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور من أجل قوننة الحقوق، لكن من دون أن تؤدي هذه الجهود إلى أية نتائج حتى الآن. وأكثر ما يمكن أن تمنحه السلطات، بحسب الهنيد، حق المواطنة للأطفال من دون منحهم الجنسية الليبية.

وتكشف الهنيد أن طبرق التي تسكنها تضم 1351 ليبية متزوجة من غير ليبي حتى عام 2015، مؤكدة أن العدد إلى تزايد. من هنا، تعمل على تقديم المساعدات والإغاثة لبعض الليبيات من هذه الفئة، اللواتي تركهن أزواجهن أو توفاهم الأجل، خصوصاً من ليس لديهن أعمالاً لإعالة أطفالهن.

ويقول المحامي الليبي صالح العوكلي إنّ التشريعات الليبية سمحت لليبية بالزواج من أجنبي، ومنحت الأطفال حق الحصول على الجنسية الليبية. لكنّه يوضح لـ "العربي الجديد" أنه منذ صدور القانون عام 2010، اشترطت المحاكم وقتها حصول المرأة الليبية على موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية إن كان الزوج عربياً، وموافقة جهاز الأمن الخارجي إن كان الزوج غير عربي". ويلفت إلى أن التعامل مع هذه القضية كان حرجاً وحساساً منذ البداية.



لكن يشير إلى أن القانون رقم 24 عام 2010 الخاص بهذه الحالة أجاز قانونية هذا الزواج وما يترتب عليه من حقوق، إلا أنه لم يطبّق حتى الآن.

وأُثيرت القضية بشكل واسع عام 2012، وشهدت البلاد احتجاجات، ما دفع السلطات للّجوء إلى دار الافتاء الليبية بسبب "ارتباط القضيّة بأبعاد دينية"، التي أفتت بضرورة وقف مصادقة عقود زواج الليبيات من غير ليبي. وشرحت دار الإفتاء وقتها أسباب منعها بعدم وجود قاعدة بيانات صحيحة توضح ديانة الزوج غير الليبي، لكون الدين الإسلامي يحرّم على المسلمة الزواج من غير مسلم.

وبقيت القضية مفتوحة حتى أثيرت مجدداً في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، عندما طالب المجلس الأعلى للقضاء المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بسرعة إصدار تشريعات تمنع زواج الليبيات من غير ليبي، "لما له من انعكاسات خطيرة على المجتمع الليبي".

ويؤكّد العوكلي أنّ قانون 24 لم يصدر وفق معطيات فرضها الواقع، بل جاء استجابة لضغوط منظمات دولية على سلطة البلاد وقتها، وجهت إليها تهماً بـ "التمييز واضطهاد المرأة، والتحكم بحريتها في اختيار شريك حياتها". وتشير إلى أن القضية تفاقمت كثيراً بعد اكتشاف زيجات تبين فيها أن الزوج من ديانة أخرى، فضلاً عن هرب الكثير من الأزواج.

وأخذت القضية أبعاداً أوسع من الإطار المحلي. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، استنكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تقرير مفصل، التهديدات التي تواجه المرأة الليبية التي تتزوج من أجنبي، والتشريعات التي تقيد هذا الزواج بنحو تعسفي.

ونقل التقرير الذي حمل عنوان "المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي: زواج مضطهد، وأطفال بلا جنسية" شهادات ليبيات متزوجات من أجانب، تعرض إشكاليات قضيتهن، في وقت أظهرت شهادات أخرى المضايقات التي يتعرضن لها، منها "الاضطهاد والتمييز والمعاملة السيئة والمهينة من عوائلهن ومحيطهن الاجتماعي".

وخلص التقرير إلى أنّ هذه الشهادات تبين مخالفة ليبيا للالتزامات الدولية بموجب اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مشيرة الى أن مواد اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، التي صادقت عليها ليبيا، تؤكد ضرورة المساواة بين المرأة والرجل، ودمج هذا المبدأ في القوانين، ويشمل ذلك المساواة بين الرجال والنساء في حق اكتساب الجنسية، وحق النساء في منح جنسيتهن لأطفالهن.



من جهتها، تقول الناشطة سناء إبراهيم، لـ "العربي الجديد"، إن أسباب عدم حصول هذه الشريحة على حقوقها ليست قانونية بالدرجة الأولى، بل تتعلّق بالقيود الاجتماعية التي لا يمكن القانون الانفكاك منها. وترى أن المعايير الاجتماعية تعدّ مصدراً للتشريع في ليبيا. وتوضح أنّ "الأسرة والمجتمع هما اللذان يرفضان تزويج المرأة من أجنبي. وفي حال خروج المرأة عن طوعها، ستكون منبوذة". وتؤكد أن أية سلطة أو حكومة في ليبيا، إذا شرعنت حق النساء في منح جنسيتهن لأبنائهن، "ستواجه رفضاً شعبياً كما لو تظاهرت ضد الحرب".

وتؤكّد الناشطة المدنية أنّ المجتمع سيستوعب الأمر مع مرور الوقت، بحسب التطور المعرفي والاجتماعي. وطالبت الحكومة التعامل مع الأمر الواقع، قائلة إن "الحكومات ودار الإفتاء تركت الأمر من دون رقابة، وجاءت لتمنعه بعدما أصبح أمراً واقعاً. والسؤال هنا: ماذا عن مصير هذه الزيجات الآن؟".

المساهمون