دماء على القمصان البيضاء

دماء على القمصان البيضاء

01 ديسمبر 2019
"سلفادور دالي" في البصرة (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -
خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي سقط في العراق ما لا يقل عن 250 قتيلاً بالرصاص خلال تظاهرات شهدتها العاصمة بغداد والعديد من المدن بما فيها كربلاء والنجف وذي قار وغيرها. المطالب التي رفعها المتظاهرون هي مطالب حياتية عادية، تتعلق بيومياتهم في العيش، من نوع المياه النظيفة الصالحة للشرب، والكهرباء، ومكافحة الفساد، وتأمين حق العمل وما شابه.

بالطبع، هتف المتظاهرون في شوارع مدنهم منددين بالسلطات الحاكمة وبالمرجعيات التي تغطي هذه السلطات، وبإيران التي تمسك زمام الأمور من وراء الستار. المتظاهرون تلقوا وابلاً من رصاص القناصة المتمركزين على أسطح المباني. والحكومة وعدت بالتحقيق وفعلت، لكنّ نتائج التحقيق والإجراءات جاءت مخيبة لآمال الناس باعتبارها بقاء المسؤولين عن المجازر خارج المحاسبة، بينما فقد عدد من المسؤولين غير المتسببين بالمجزرة مواقعهم الوظيفية.

هذه المقدمة تبدو بعيدة بعض الشيء عن الحراك الطلابي في العراق، لكنّها في صميمه فعلياً، إذ إنّ طلاب العراق الجامعيين خصوصاً، كانوا في صلب التحركات التي انتقلت من الجامعات إلى الشارع، بعد أن "بلغ السيل الزبى". إذاً، يتزامن الحراك الطلابي مع الحراك الشعبي إلى الحدّ الذي يتعذر معه الفصل بينهما.

الضحايا الذين حصدهم الرصاص كانوا عموماً من الشباب، خصوصاً الطلاب الثانويين والجامعيين الذين باتت حياتهم الدراسية غير محتملة لألف سبب وسبب، بعضها يتعلق بظروفهم الدراسية ومستقبلهم، وبعضها يتجاوزهم كأبناء أسر تعاني الأمرّين لتدبير قوتها اليومي وسط فقر مدقع، بينما يرون ويسمعون عن سرقات وعمليات نهب للمال العام بمئات مليارات الدولارات. وعليه سالت دماء كثيرة على القمصان البيضاء مجدداً. لكن ما هي ثورة القمصان البيضاء في الأصل؟

يعود تاريخ الواقعة التي أطلقت هذه التسمية إلى تاريخ ليس بعيداً، ففي صباح 25 فبراير/ شباط من عام 2016، تجمع طلاب جامعة "المثنى" داخل الحرم أمام بوابة الجامعة من الداخل، وسبب تجمعهم علمهم بأنّ وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني يعتزم زيارة جامعتهم. انتظروا وصوله، وما إن دخل حتى استقبلته الحشود بهتافات من قبيل: "ارجع ما عندك شي" و"فاشل... فاشل" وما شابه، وتوجوا هتافاتهم برشقه بالحجارة وقناني المياه، ما اضطره إلى الانسحاب والمغادرة في سابقة على مستوى جامعات العراق. هذه الحادثة كانت شرارة لحراك طلابي كبير شمل عموم جامعات العراق، عبر التظاهرات الموحدة للطلاب في ما عرف بعدها بـ "ثورة القمصان البيض".




حادثة طرد الوزير هي الأبرز، لكنّها ليست الأخيرة، بل هي حلقة في سلسلة من الاعتصامات والتظاهرات السلمية التي ما زالت مستمرة. تتقلص أحياناً نتيجة العطلة الصيفية أو انشغالات الطلاب في الامتحانات وسواها من هموم أكاديمية، ثم لا تلبث أن تعاود الظهور، في مؤشر على حيوية مجتمعية لم تعد مقتنعة أنّ ما يجري في العراق هو بمثابة قدر لا مردّ لأحكامه القاهرة، بل هو ثمرة فساد مستشر في كلّ ثنايا جسم الدولة العراقية. بالطبع، لم تقتصر التحركات الطلابية على الأحرام الجامعية التي تضج بالشعارات والأناشيد، بل خرجت مراراً وتكراراً إلى الشارع كما حدث مؤخراً، وكانت حصيلته أنهار من الدماء.

*باحث وأكاديمي

المساهمون