تشخيص واقع وإشكاليات الهجرة القسرية في ورشة المركز العربي

تشخيص واقع وإشكاليات الهجرة القسرية في ورشة المركز العربي

30 نوفمبر 2019
من ورشة الهجرة القسرية في البلدان العربية (العربي الجديد)
+ الخط -

تحت عنوان"الهجرة القسرية في البلدان العربية: الإشكاليات والقضايا"، انطلقت اليوم السبت، أعمال ورشة علمية ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، تُعقَد على مدار يومين، وتضم سبع جلسات يُطرَح خلالها نحو عشرين ورقة بحثية.

وعرضت مداخلات الجلسة الأولى الأسباب والخلفيات التي أدت إلى ظهور الهجرة القسرية في البلدان العربية، وتناول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، حسن الحاج علي، في ورقته تأثير الحروب الداخلية والهجرة القسرية في السودان، مع التركيز على دارفور، مبيّناً كيف أنّ معسكرات النازحين أضحت جزءاً من النزاع عبر التحكّم في إدارتها، وتوجيه النازحين فيها سياسياً، ونشوب العنف داخلها.

وأوضح الحاج علي أن النزوح في السودان ارتبط بموجات الجفاف والمجاعات والكوارث الطبيعية والنزاعات السياسية، وأن النزوح الأخير الذي وقع مع بداية الألفية الجديدة في دارفور، كان بسبب النزاع المسلح، ويُعَدّ الأكبر والأشد تأثيراً على السودان كله. "بعد أن تأسست معسكرات النزوح في السودان، صار أغلبها أهدافاً للعمل السياسي للحركات المسلحة، سواء التابعة للحكومة أو المناوئة لها، ونتيجة لذلك تعددت المنابر والواجهات التنظيمية التي تنظّم عمل النازحين، وتعددت معها أشكال التعبير السياسي".

وتناول المستشار السابق للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، يحيى الكبيسي، حالات النزوح القسري التي حدثت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، بداية من حالات النزوح القسري على خلفية الصراع الإثني أو المذهبي أو الديني، واستعراض حالات كركوك والمدائن وتلعفر والبصرة، مروراً بحرب الهويات المفتوحة التي اندلعت بعد تدمير مرقدَي الإمامين العسكري والهادي في سامراء، في فبراير/ شباط 2006، ودخول الدولة طرفاً في الصراع على نحو واضح.

وقال الكبيسي إن "العاصمة بغداد استقبلت نحو 10 في المائة من إجمالي النازحين العراقيين منذ عام 2003، و5 في المائة نزحوا إلى محافظات الوسط والجنوب، ما يعني أن العامل الهوياتي أدى دوراً هاماً في عملية النزوح".

وألقى أستاذ التنمية الدولية وبناء السلام في معهد الدوحة للدراسات العليا، موسى علاية، الضوء على الصراع في اليمن، ودور المنظمات غير الحكومية في إغاثة النازحين، محلِّلاً التحديات التي تطرحها ظروف الحرب اليمنية المعقدة على المنظمات غير الحكومية المحلية التي تحاول تقديم المساعدة الإنسانية والإغاثية، وتقليل آثار الحرب في حياة النازحين اليومية.

وأشار علاية إلى أن "الجهات المتصارعة في اليمن تستخدم كل الأدوات المتاحة من أجل تعزيز مصالحها العسكرية، ومن ضمنها المساعدات الإنسانية الدولية التي أصبحت جزءاً من معادلة الصراع بدلاً من الحل، فالمساعدات الإغاثية لا تصل إلى الجهات المستهدفة، بل تصل إلى جهات الصراع، وبالتالي إن إطالة أمد الصراع قد تكون في مصلحة شبكات الفساد والمصالح".

وتحت عنوان "الهجرة القسرية للأقليات الإثنية والدينية في المناطق المتنازع عليها في العراق: دراسة لحالة الأقلية الإيزيدية بعد 2014"، قدم الباحث في قسم التاريخ في جامعة دهوك، ماجد حسن علي، ورقة اعتبر فيها أن المناطق التي تسمى "المتنازع عليها" بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق، تُعَدّ واحدة من أشدّ البقاع تنوعاً في العراق من الناحية الإثنية والثقافية والدينية، ذلك أنه يسكنها منذ قرون التركمان والمسيحيون والإيزيديون والشبك، وغيرهم من الأقليات، فضلاً عن أقليات من الأكراد والعرب.




وبيّن الباحث العراقي أنّ "التنظيمات والجماعات المسلحة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تستهدف سكانَ هذه المناطق من أبناء الأقليات، وأوصل الأمر إلى ذروته بعد سيطرة تنظيم الدولة على معظم تلك المناطق عام 2014، وحصول هجرة قسرية جماعية للأقليات إلى المناطق الكردية ووسط العراق وجنوبه". مضيفاً أنه "رغم تحرير مدينة سنجار والقرى والبلدات الإيزيدية من تنظيم داعش في 2016، إلا أن تلك المناطق لا تزال شبه مدمرة، وتفتقر إلى أبسط الخدمات ووسائل المعيشة، ولا توجد خطط واضحة لإعادة البنية التحتية".

سورية

وحملت الجلسة الثانية في الورشة العلمية عنوان "التهجير القسري والتغيير الديموغرافي في سورية"، وقدمت الباحثة في قسم أكسفورد للتنمية الدولية، سجا الزعبي، بحثاً بعنوان "المهجّرون السوريون في الداخل: لعنة الحرب ومتاهة الهجرة القسرية"، وتطرقت إلى موجات النزوح الداخلي منذ 2011، وما خلفته من تبعات ديموغرافية وخلط لمكونات المجتمع السوري، إضافة إلى تسليط الضوء على أهم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المهجّرون استناداً إلى مسح ميداني في محافظة السويداء (جنوب)، ومنطقة السلمية التي تتبع محافظة حماة (وسط).

وأكدت الزعبي أن "الخسارة الكبيرة للنازحين كانت في قطاع التعليم، سواء بتدمير المدارس، أو انهيار المنظومة التعليمية، أو انقطاع الأطفال عن الدراسة، فضلاً عن أن 90 في المائة من الأسرالمهجرة فقيرة، وكثير من الأسر التي تقودها نساء تقع تحت خط الفقر، كذلك إن حالة التعايش والاندماج بين مختلف الطوائف تؤكد أن الحرب الدائرة في سورية منذ مطلع 2011 ليست طائفية، ولكن أدواتها طائفية".

وتحدث الباحث المتخصص في التاريخ والعلاقات الدولية، سامر بكور، عن أبعاد النزوح الطائفي في إدلب "سورية الصغرى"، وأبرز النتائج السياسية لصناعة الطائفية ونشاطاتها في أثناء النزوح وقبله، إضافة إلى مناقشة أدوار القوى المحلية والإقليمية والدولية في هذا الشأن.
واهتمّت الورقة بوضع الأقليات ومسارات الطرق المذهبية، مع الإشارة إلى أن سياسة الفصائل الأيديولوجية مثل جبهة النصرة، أو أحرار الشام، في إدلب خلال الحرب تغيّرت على نحوٍ دوري لأن الأدوات السياسية الناتجة من التهجير والنزوح تغيّرت من القوة الناعمة إلى القوة الخشنة الصلبة. "ظهور الطائفية في إدلب ملحوظ في جزء من البلاد كان يتميز بالتنوّع الاجتماعي والديني، والتسامح، لكن الصراع أعاد تشكيل النسيج الاجتماعي من خلال الإقصاء والتهميش".

ووثق الباحث في المركز العربي، حمزة المصطفى، ظاهرة النزوح واللجوء السوري تحليلياً من خلال تقسيمها زمنياً إلى مراحل لكل منها خصائصها ومحدداتها المختلفة التي قد تلامس أحد المصطلحات النظرية السائدة في أدبيات دراسة الهجرة والنزوح، والتهجير القسري، والتطهير الطائفي أو العرقي، والتغيير الديموغرافي، والهندسة الديموغرافية، وسياسات الإحلال.

وقال المصطفى إن "القمع والعنف المستدام أنتجا موجات لجوء ونزوح عدة ساهمت في اقتلاع ملايين البشر من بيوتهم ومدنهم ووطنهم، وحوّلت الصراع السوري وفق توصيف الأمم المتحدة إلى أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، كذلك إن التغيير الديموغرافي الممنهج في بعض المناطق لم يكن نتاجاً أو هدفاً للأطراف الداخلية المتصارعة بقدر ما عكس رغبة بعض الفاعلين الإقليميين، بل إنه حصل برعاية دولية في بعض الأوقات، واتفاقية المدن الأربع: الزبداني ومضايا في ريف دمشق، وكفريا والفوعة في ريف إدلب، كانت عملية تغيير ديموغرافي كاملة، وانخرطت فيها عدة دول منها روسيا وإيران ولبنان وتركيا وقطر والأمم المتحدة".


فلسطين والاستيطان

وحملت الجلسة الثالثة عنوان "فلسطين: التهجير القسري الداخلي في سياق استعمار استيطاني"، وتناولت الباحثة في المركز العربي، آيات حمدان، مفهوم الاستعمار الاستيطاني وعلاقته بمفاهيم التطهير العرقي، وذكرت أنه في عام 1948 هُجِّر أهالي نحو 420 قرية فلسطينية، ثم دُمِّرَت، ليكون أكبر تطهير عرقي في تاريخ فلسطين. كذلك برز التهجير القسري الداخلي في المبادئ التوجيهية للنزوح الداخلي 1998، والجدل الذي أثاره استخدام هذا المفهوم في الحالة الفلسطينية، إلى أن اعتمد في عام 2009.

وركزت ورقة مشتركة لأستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة جرونينغن في هولندا، خلود العجارمة، والباحث في المركز العربي، إيهاب محارمة، على المنطقة "ج" والأغوار في ظل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، وناقش الباحثان العلاقة بين عملية التهجير القسري في المنطقة "ج"، بما فيها الأغوار، وأنماط التهجير القسري في المنطقة نفسها بشقّيها العسكري والمدني، وكيفية توظيفها في سياق استعماري استيطاني بهدف طرد الفلسطينيين والتخلص منهم.

وأكد الباحثان أن "أوامر الإخلاء المؤقت تفرض على السكان الفلسطينيين مغادرة مناطقهم في أثناء قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتدريبات العسكرية في منطقة الأغوار الفلسطينية، كما تشكل مخلفات الجيش العسكرية خطراً حقيقياً على سكان المنطقة".

وناقشت الجلسة الأخيرة من اليوم الأول للورشة العلمية واقع "اللاجئون السوريون في بلدان المشرق: فرص الاندماج وتحديات العودة"، واستهلت بورقة مشتركة لمدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، سلطان بركات، ورئيس برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، غسان كحلوت، تناولا فيها حالة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا، مع التركيز على الدروس المستفادة من تجارب عودة اللاجئين، سواء كانت طوعية أو قسرية، التي توضح أهم العوامل المشجعة على ضمان عودة مستدامة للاجئين السوريين.


وقال كحلوت إن "المصاعب التي يعرفها الأردن نتيجة أزمة اللجوء السوري لا تنفي وجود مجموعة من المحاسن، فقد سجّل الناتج القومي الإجمالي ارتفاعاً مطرداً منذ عام 2011 ليصل إلى أعلى مستوياته سنة 2018، بما يقارب 40 مليار دولار، وشهد معدل العجز تحسناً مطرداً منذ عام 2012 ليصل إلى 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كذلك إن سياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها تركيا لاستقبال اللاجئين السوريين انتهت فعلياً قبل أكثر منذ ثلاث سنوات".

وتناول الباحث في الجامعة الأميركية ببيروت، فؤاد محمد فؤاد، الرعاية الصحية غير الرسمية في أزمات اللجوء طويلة المدى من خلال بحث في آليات التكيف عند عمال القطاع الصحي من السوريين اللاجئين في لبنان، وركّز في دراسته على فهم آليات تقديم الخدمات الصحية بطريقة غير رسمية، والتعرف إلى العقبات التي تقف أمام هذه الممارسات، إضافة إلى تقديم توصيات تتعلق بالسياسات الصحية للبناء على هذه الآلية التكيفية، اعتماداً على وجهات نظر مُقدِّمي الرعاية الصحية السوريين الذين يوفرون الرعاية بطريقة غير رسمية في لبنان.

وحللت الباحثة زينات حسن، الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية الحالية في سورية، وأكدت في ورقة بحثية وجوب الوفاء بالشروط المطلوبة للعودة المستدامة، قبل الشروع في أي عملية عودة إلى الوطن، وسلطت الضوء على مطالبات العديد من الأطراف السياسية اللبنانية بعودة اللاجئين رغم الظروف المعيشية والقانونية والأمنية القاسية التي يختبرونها يومياً.
وتعقد الورشة غداً الأحد ثلاث جلسات، وتختتم بطاولة مستديرة حول "العمل الإنساني في مناطق النزوح القسري: التحديات والممكنات".

المساهمون