الجزائر... "ما تنساش اللي قرّاك"

الجزائر... "ما تنساش اللي قرّاك"

15 نوفمبر 2019
هل سيتذكرن مدرسيهن مستقبلاً؟ (فاروق باطيش/ فرانس برس)
+ الخط -
أطلق ناشطون في الجزائر مبادرة تهدف إلى تذكّر المدرسين السابقين، الذين ساهموا في تربية أجيال صار الكثير منهم مهندسين ومحامين وأطباء وعاملين في مهن مختلفة، بهدف تكريمهم على جهودهم التربوية، وتكريس التواصل بين الأجيال.

كثيرة هي القصص الملهمة التي ارتبطت بمعلّمين أعطوا تلاميذهم "رسائل حب" وقيم، وتعاملوا مع تلاميذهم كأبناء لهم، ورسخوا لديهم القيم وحثوهم على النجاح حتى في أصعب الظروف. هؤلاء تركوا بصمة لدى تلاميذهم، فما كان منهم إلا أن تذكروهم في إطار مبادرة "ما تنساش اللي قرّاك" (لا تنسى من علّمك).

أب وأم

من دون إخطار مسبق، زارت سعيدة سوامي وأبناؤها الأربعة معلمتها في المدرسة الابتدائية في منطقة العوانة في ولاية جيجل. تقول لـ"العربي الجديد": "وجدت معلمتي وقد بلغت 75 عاماً من العمر. بداية، لم تتذكرني، لكنها فرحت كثيراً بالالتفاتة، وخصوصاً أنها لا تتذكر كل من علمتهم في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ولم تكن تتوقع مفاجأة كهذه".

المدرسة وتلميذتها تحملان الاسم نفسه، إضافة إلى اسم الوالدة نفسه. تضيف: "ضحكت كثيراً على الرغم من أنها لا تتذكر تلك التفاصيل. غير أن أولادي فرحوا كثيراً لرؤية معلمة والدتهم، بل قدموا لها الهدايا والورود".



الفكرة نالت إعجاب كثيرين يرون أن المعلّم بمثابة أب أو أم. في هذا السياق، يتحدث محمد بهناس لـ"العربي الجديد"، عن أستاذه في اللغة العربية في المرحلة الابتدائية في مدرسة الشيخ مبارك الميلي في ولاية ميلة، شرق العاصمة الجزائرية. يتذكر كيف كان يشتري له ولزملائه من العائلات الفقيرة ملابس للشتاء من دون أن يلحظ أحد ذلك، وكيف كان يوفر عليهم عناء قطع الكيلومترات من أجل تناول الغداء، حين كان يقتسم معهم حبات التمر والفاكهة والخبز. يضيف: "كان بمثابة أب. حتى عندما انتقلنا إلى المرحلة المتوسطة والجامعية، ظل يسأل عنا ويعاملنا كالأب الذي يخاف على أبنائه".

يرى بهناس الذي أصبح اليوم أستاذاً في الجامعة، أن هؤلاء المعلمين رسخوا لدى تلاميذهم حب القراءة والمعرفة والتواضع. يقول إنه يزور مدرسته كلما سمحت له الفرصة. زيارة المكان الأول للدراسة والمعلمين الذين حقق حلمه بفضلهم "هو بمثابة رد القليل من الجميل". يضيف: "هذه وسيلة للإبقاء على العلاقات الإنسانية الدافئة بينهم وبين التلاميذ".

بعد ثلاثين عاماً

"هل تتذكرني؟ هل ستتذكر تلك الفتاة النشيطة في القسم والفضولية؟ كيف يكون وجهها اليوم؟ هل ستسرها المفاجأة؟". كانت هذه الأسئلة تراود نجاة بوعتورة وهي في طريقها إلى منزل أستاذة اللغة الفرنسية. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت أفكر في هذا اللقاء منذ مدة طويلة، غير أن الظّروف حالت دون تحقيق ذلك. لكن القدر كان يخبئ لها الكثير. أخذت ابني معي لأعلمه كيف يشكر من يعلمه، ويحترمه".

تصف بوعتورة اللقاء قائلة إنه كان مليئاً بدموع الفرح. استقبلت أستاذة اللغة الفرنسية تلميذتها بحفاوة. "بكت وهي تستمع إليّ. لأول مرة أسمعها تتحدث باللغة العربية. أنا سعيدة جداً أن الله مكنني من زيارتها. أعتبرها مثل والدتي، هي التي لطالما أحبت تلميذاتها وساعدتهن". كما بحثت بوعتورة عن أستاذتها في اللغة العربية. "وهي من بفضلها تعلمت الكتابة".

إلى ذلك، فرح أستاذ الفيزياء السابق سعيد مرسي بتكريمه من قبل تلاميذه السابقين، الذين فرقتهم الحياة. ويقول مرسي لـ"العربي الجديد"، إن تكريمه في ثانوية الثعالبية، وسط العاصمة، هو لحظة جميلة واستعادة فترة جميلة من حياته، مثمناً الخطوة التي قام بها تلاميذه السابقين، متمنياً أن يشمل ذلك جميع الأساتذة في الجزائر.



ويقول الكثير ممن تحدثت إليهم "العربي الجديد" أن مبادرة "ماتنساش اللي قرّاك" تعد إيجابية ومفيدة، إذ ترسخ ثقافة "العرفان وعدم نكران من مدوا أيديهم لآلاف التلاميذ، حتى أصبح بعضهم أطباء ومحامين ومهندسين وجنوداً وصحافيين وغير ذلك". ويرى محمد زايدي، من ولاية المدية، قرب العاصمة الجزائرية، والذي نقل فكرة المبادرة إلى ولايته، أن هذه المبادرة مهمة جداً، وقد أطلقها شباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونجحت في استقطاب كثيرين.

ويرى أنه من شأنها جعل التلاميذ أكثر إيجابية حيال أساتذتهم، خصوصاً في السنوات الأولى من الدراسة، فضلاً عن تكريس احترام التلاميذ لأساتذتهم. ويرى أنها تحد من اعتداءات التلاميذ ضد الأساتذة والمربين في المؤسسات التربوية، إضافة إلى تكريم الأساتذة معنوياً، وإبلاغهم بأن "جهدهم لم يذهب هباء".