بعد اعتداء باريس... أزمة الهجرة مجدداً أمام البرلمان الفرنسي


بعد اعتداء باريس... أزمة الهجرة تعود مجدداً إلى البرلمان الفرنسي

06 أكتوبر 2019
اليمين الفرنسي يستغل الاعتداء الذي استهدف الشرطة (لي يانغ/Getty)
+ الخط -
لم يكن ينقص فرنسا سوى الاعتداء الذي وقع في قلب محافظَة الشرطة بالعاصمة باريس، وأودى بحياة أربعة موظفين في وزارة الداخلية، كي يعود زخم النقاش بمسألة الهجرة والإسلام وبقوة، إلى جلسة البرلمان التي تعقد، غداً الاثنين، والتي كانت مقرَّرة يوم 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتأجَّلَت بسبب وفاة رئيس الجمهورية الأسبق جاك شيراك.

وفي انتظار معرفة تفاصيل الاعتداء وسط تضارب المعلومات، سواء المتعلقة بتاريخ اعتناق المهاجم، ميكائيل هارْبُون، للإسلام بين 18 شهراً و10 سنوات، أو تأويل الخطابات الهاتفية القصيرة، ومنها آخر رسالة هاتفية قصيرة إلى زوجته التي تم تمديد اعتقالها، وجاء فيها "اتبعي نبينا الحبيب، وتدبَّري القرآن"، إضافة إلى ارتياد المعتدي لمسجد في "لاغونيز"، (ضاحية باريس)، غير السلَفي (باعتراف السلطات)، بلباس إسلامي، تاركاً في البيت اللباس الأوروبي، كما أنه يرفض مصافحة زميلاته في العمل.

ويبدو أنّ اليمين الفرنسي، بمتطرِّفيه، ومنهم زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف مارين لوبان وكل مساعديها ومستشاريها، ومنهم قياديون في حزب "الجمهوريون"، أمثال إيريك سيوتي ونادين مورانو وغيرهما، ذاهبٌ في اتجاه الحكم على المهاجم بأنه إسلاموي وإرهابي.

وفي الجديد، كشف رئيس الحكومة إدوار فيليب، في لقاء له مع صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، اليوم الأحد، عن مضاعفة إجراءات المراقبة، بالقول: "إنّ الغربال سيكون دقيقاً"، حتى لا يفلت منه كثيرون. ما يعني: "إطلاق لجنتين اثنتين من أجل اكتشاف علامات التطرف بين أعضاء مصالح الاستخبارات".

واعترف فيليب بأنّ "مصالح الدولة ليست بمنأى عن مسارات التطرف"، كاشفاً أنّه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، وفي إطار قانون الخروج من حالة الطوارئ "أجرت المصلحة الوطنية للتحقيقات الإدارية للأمن، أكثر من 300 ألف تحقيق في عام 2018". واعترف بأنّه "تم تسريح نحو 20 شخصاً خلال السنوات الأخيرة، لم يكن سلوكهم متلائماً مع وظيفتهم".

ولا يبدو أنّ المواقف الحكومية ستسكت المعارضة اليمينية التي جددت طلبها بإنشاء "لجنة تحقيق تابعة لمجلس النواب"، ودعمته لوبان. كما تفرّدت نادين مورانو القيادية في "الجمهوريون" بطلبها "وقف تشييد مساجد" في فرنسا.

كل ما سبق ينبئ بأنّ النقاش في مجلس النواب سيكون صاخباً، خصوصاً مع حضور رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والخارجية والصحة. وسيطلق اليمين مخاوفه الواقعية وغير الواقعية، منها أنّ تدفق المهاجرين ينخفض في كل أوروبا ما عدا فرنسا، وأنّ هؤلاء المهاجرين يأتون للاستفادة من النظام "السخي" للمساعدات الاجتماعية في فرنسا، وغيرها من المخاوف. كما سيخلط اليمين بشُقَّيْه، كما يفعل دائماً، بين الهجرة والإسلام، مدعوماً هذه المرة، بالاعتداء "الإرهابي" الأخير.

وما يؤكد أنّ النقاشات ستكون صاخبة، هو اختيار حزب "الجمهوريون" لخطباء يُعرَف عنهم تشدُّدُهُم في قضايا اللجوء والهجرة، ومنهم غيوم لاريفي وهو مرشح لرئاسة الحزب اليميني، الأسبوع المقبل، ولن يتورع عن توجيه انتقادات لسياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، مع تقديم خطته حول الهجرة، ومن بين عناصرها تنظيم استفتاء بشأن ميثاق دستوري يتعلّق بتنظيم دخول وإقامة الأجانب في فرنسا.

كما سيتدخل زميله إيريك سيوتي وهو من قياديي "الجمهوريون"، ولن يتردد في إدانة سياسة ماكرون التي تسير على خطى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، وهي ممارسة تساعد على صعود اليمين المتطرف، من أجل التخلّص من أي معارَضة أخرى قادرة على الوصول إلى السلطة.

ولكن السلطة لن تذهب للنقاش خاوية الوفاض، فقد كشف الرئيس ماكرون، في تصريحاته الأخيرة، أنً الهجرة ليست أمراً محرَّماً عنده، وأنّه سيمزج في تعامله بين "التشدد والإنسانية". وكما اعترف رئيس الحكومة الذي سيكون على عاتقه الإجابة، غداً الاثنين، على تساؤلات المعارَضَة، في لقائه مع "لوجورنال دي ديمانش"، بالقول: "نريد دراسة معطيات الموضوع، من قضية البلدان الأصلية إلى قضيتي الاندماج أو العودة (أو الترحيل)".

وفي نوع من التشدد، على خطى رئيسه ماكرون، شدّد فيليب على أنّه "من ليست لهم قابلية للبقاء في بلدنا، لا يدخلون أرضنا أو يرحلون"، لأنني هنا "أتعامل وفق تعبيرَي: الحقوق والواجبات". ولتأكيد ما ذهب إليه ماكرون من أنّه لا توجد محرَّمَات في الموضوع، رأى رئيس الحكومة أنّ "سياسة المحاصصة ليست من المحرمات"، ولكنّه استدرك بالقول "إنّ إجراء محاصَصَة في ما يخص طالبي اللجوء أو التجمع العائلي لا معنى لها"، لكن في المقابل "يمكن أن نناقش حاجاتنا من اليد العاملة الأجنبية. ويجب أن نُثبِّتَ أهدافَنَا الطموحَة في استقبال الطلبة (الأجانب)".

وتجدر الإشارة إلى أنّ النقاشات في البرلمان، غداً الاثنين، لن تنتهي بالتصويت، وأنّ مجرد وجود وزير الداخلية كريستوف كاستانيير، سيكون مسبباً للاحتدام؛ بسبب مطالبة المعارَضة بشتى أطيافها باستقالته، وهو ما رفضه اليوم، كما رفضه رئيس الحكومة.

وعاد كاستانيير، الذي نفى، مباشرة بعد الاعتداء، وجود أي "صعوبات في سلوك" المُهاجم، للاعتراف اليوم، بوجود "ثغرات" و"خلل"، ما دام أنّه "قُتل ثلاثة رجال وامرأة" في الاعتداء. لكنه شدد من جديد، على أنّه "لم تَظهر في ملفه (المهاجم) الإداري أي علامات على التطرف"، رغم أنّ ميكائيل هارْبُون منفّذ الهجوم، كما نَقَلَ عنه اثنان من رفاقه، امتدح عام 2015، الاعتداء على مجلة "شارلي إيبدو"، وصدرت عنه "تصرفات عير عادية ومشادة كلامية".  

المساهمون