مياه الأردن... الاعتداء على المصادر يفاقم أزمة البلاد

مياه الأردن... الاعتداء على المصادر يفاقم أزمة البلاد

01 نوفمبر 2019
أنابيب جديدة بدلاً من أخرى مهترئة (جايسون لاركين/ Getty)
+ الخط -

ثمّة تحديات كثيرة يواجهها الأردن على خلفيّة تصنيفه من أفقر الدول مائياً في العالم، لا سيّما مع استمرار الاعتداء على مصادر المياه، ويأتي ذلك بالتزامن مع محاولات السلطات المعنية إيجاد حلول ناجعة.

فاقمت الاعتداءات التي تستهدف مصادر المياه في الأردن، ثاني أفقر دولة مائياً في العالم، الأزمة المائية التي تعاني منها البلاد في الأساس. والاعتداءات التي تتّخذ طرقاً وأساليب مختلفة صارت قضيّة تؤرّق الحكومة الأردنية التي لم تنجح بالقضاء عليها، على الرغم من حملاتها المستمرة منذ أعوام. ولعلّ أخطر ما ارتُكب هو الاعتداء الذي استهدف من خلاله مجهولون خطّ "الديسي" مزوّد المياه الرئيسي للعاصمة عمّان ولعدد من المحافظات.

يقول مساعد أمين عام سلطة المياه والمتحدّث الرسمي باسم وزارة المياه والري في الأردن، عمر سلامة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عمليات الاعتداء على مصادر المياه تقع في مناطق مختلفة، في حين يُعَدّ الأردن من أفقر دول العالم مائياً مع تسجيل حاجة متزايدة إلى المياه من قبل المزارعين". يضيف أنّ "الاعتداء على شبكة المياه يأتي بهدف التكسّب، من خلال بيع المياه بطريقة غير قانونية". ويكشف سلامة عن "ضبط نحو 50 ألف اعتداء على مصادر المياه في خلال الأعوام الستة الماضية، في إطار الحملة التي تنفذها الوزارة"، مشيراً إلى "ضبط نحو 1200 بئر مخالفة، و71 حفارة آبار مخالفة، و19 ألف اعتداء على قناة الملك عبد الله في الأغوار". ويتابع أنّه "في الوقت الراهن، ثمّة أكثر من 300 قضية اعتداء منظورة أمام المحاكم، فيما تمّ تحصيل نحو ثمانية ملايين دينار أردني (نحو 11 مليون دولار أميركي) كبدلات غرامات ومخالفات".

من جهته، يدعو أمين عام سلطة وادي الأردن الأسبق، دريد محاسنة، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى "تغليظ العقوبات على المعتدين على المياه بأنواعها، عبر تشديد القوانين والتشريعات"، مطالباً بـ"حبس المعتدين مدّة تزيد عن عشرة أعوام". ويشير إلى أنّ "المياه في الأردن تكفي مليونَي نسمة فيما عدد السكان يقارب 10 ملايين، وهو الأمر الذي يكشف حجم التحديات التي تواجه الأردن في موضوع المياه". ويبيّن محاسنة أنّ "خسائر الاعتداءات ليست مقتصرة على كميات المياه المهدورة والمسروقة، فعمليات إصلاح الخطوط الناقلة تكلّف عشرات آلاف الدنانير"، لافتاً إلى أنّ "أسعار المياه في الأردن مقبولة ونوعيتها مطابقة للمواصفات، بالتالي لا يوجد أيّ مبرّر أخلاقي للاعتداء على مصادر المياه". ويتابع محاسنة أنّ "الوزارة وحدها غير قادرة على الحدّ من الاعتداءات التي تستهدف شبكة المياه، من دون تضافر جهود الجهات المعنية مثل وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المختصة"، مشدّداً على "دور المواطن الأساسي في التبليغ والشكوى".



في السياق نفسه، يقول خبير المياه الأردني محمد أبو عريضة لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة أشكالاً مختلفة للاعتداء على شبكة المياه، لكنّها تقسم إلى نوعَين رئيسَين. النوع الأوّل هو الاعتداءات الصغيرة التي يرتكبها مواطنون عاديّون عبر مدّ أنابيب مخفيّة إمّا تحت الأرض وإمّا تغطيتها بالإسمنت، وهي تؤدّي إلى إيصال المياه إلى المستفيدين منها عبر تلك الأنابيب، من دون أن تمرّ على العدادات، وهو ما يعني استهلاك المياه مجاناً من قبل المواطنين في بيوتهم. وهذا النوع من الاعتداءات منتشر بشكل واسع. أمّا النوع الثاني فهو الاعتداءات الكبرى التي يرتكبها عدد محدود من المواطنين، غير أنّ كميّة المياه المسروقة تكون كبيرة، لأنّ الاعتداء يجري بهدف تنفيذ مشاريع إنشائية كبرى أو لبيع المياه المسروقة بواسطة الصهاريج أو لريّ المزروعات أو لسقي المواشي".

يضيف أبو عريضة أنّ "المياه المسروقة التي تُقرَن بمصطلح الاستخدام غير المشروع، تمثّل 70 في المائة تقريباً من الفاقد في شبكة المياه عموماً، أمّا نسبة 30 في المائة فتُعرف بالفاقد الميكانيكي أي ما يتسرّب عبر الأنابيب المهترئة". ويتابع أنّ "نسبة الفاقد في المياه المضخوخة يقدّر بنحو 50 في المائة، أي أنّ نصف المياه التي تضخّها سلطة المياه وسلطة وادي الأردن يُسرق أو يُهدر بسبب تلف أجزاء من شبكات المياه. وهذه النسبة توازي ملايين الأمتار المكعّبة عند احتسابها من كميات المياه المضخوخة. على سبيل المثال، تضخّ سلطة المياه نحو 500 مليون متر مكعّب سنوياً للاستخدامات المنزلية، فتأتي كميّة الفاقد منها بحدود 250 مليون متر مكعّب، لكنّ هذا الفاقد لا يذهب كله هدراً لأنّ ما نسبته 70 في المائة من هذا الفاقد، يُستخدَم من قبل المواطنين من دون أن يسدّدوا ثمنه".




ويوضح أبو عريضة أنّ "وزارة المياه والريّ عملت خلال العقدَين الأخيرَين بجدّ واجتهاد لتخفيض نسبة الفاقد من المياه، وتمكّنت من ذلك بنسبة 60 في المائة تقريباً، في تسعينيات القرن الماضي، ليصل إلى نحو 43 في المائة قبل عشرة أعوام، لكنّ النسبة عادت وارتفعت خلال الأعوام الأخيرة". ويرجّح أن "يكون ذلك مرتبطاً بالحالتَين السياسية والأمنية اللتَين تعيشهما البلاد منذ عام 2011. فقبل هذا العام، كان أحد الأهداف الكبرى تخفيض نسبة الفاقد وكان للأجهزة الأمنية دور في هذه العملية، غير أنّ انشغال الأجهزة الأمنية خلال الأعوام الماضية في قضايا أكثر إلحاحاً سمح لعودة الاعتداءات على المياه بشكل مكثّف خصوصاً عند الأطراف".

يلفت أبو عريضة إلى أنّ "الأساس في ما يحرّك المواطنين هو الثقافة العامة السائدة المتعلقة بملكيّة المياه، والصراع على مصادرها، بالإضافة إلى ما كان سائداً قبل تأسيس الدولة وعجز الأخيرة عن تنظيم هذا القطاع حتى تسعينيات القرن الماضي. فقد ظلّت الاعتداءات على مرأى من الموظفين العموميين، خصوصاً في مناطق الأطراف المحكومة بمعايير عشائرية". ويؤكّد أنّ "أبرز تشريع سمح لسلطة المياه ببسط سيطرتها على مصادر المياه كافة، هو نظام مراقبة المياه الجوفية الذي بدأ العمل به في عام 2003. وهو التشريع الذي فرض على أصحاب الآبار الجوفية أثماناً للمياه التي يضخّونها من آبارهم والذي أثار ضجة كبيرة حينذاك، غير أنّ إصرار الوزارة على موقفها أدّى إلى تطبيق النظام. لكن ثمّة مناطق في الأطراف ما زالت لا تأبه بالنظام ولا بالضابطة العدلية التي تطبّقه".



ويتحدّث سلامة عن "تفاقم المشكلة بعد أزمة اللجوء السوري، إذ إنّ حصّة الفرد في الأردن صارت دون 100 متر مكعّب سنوياً، فيما يبلغ خط الفقر المائي عالمياً 1000 متر مكعّب من المياه"، مشدداً على "حاجة الأردن إلى مليار و400 مليون متر مكعّب سنوياً لكلّ الاستخدامات فيما المتاح هو 900 مليون متر مكعّب. بالتالي ثمّة عجز مائي يقدّر بـ 500 مليون متر مكعّب سنوياً". ويشرح سلامة أنّ "أزمة المياه انعكست بشكل كبير على شمال الأردن الذي يشهد كثافة سكانية من اللاجئين، فارتفع بالتالي الطلب على المياه بنحو 40 في المائة. أمّا على المستوى الوطني، فقد ارتفع الطلب على المياه بنسبة 20 في المائة". يضيف سلامة أنّ "مصادر المياه في الأردن بشكل عام محدودة، وقد فاقم التغيّر المناخي أزمة المياه التي تعانيها البلاد نتيجة تراجع كميات الأمطار، وهو ما أثّر بشكل كبير على واقع المياه فيها".




بالنسبة إلى سلامة، فإنّ "ثمّة شقَّين لفاقد المياه في الأردن. الأوّل فنّي متعلّق بشبكة المياه والشقّ الثاني إداري متعلّق بالاعتداءات". ويوضح أنّ "الفاقد الفني يأتي على خلفية قدم الشبكات وتلفها أحياناً، وقد ساهم في ذلك نظام الدور الواحد أي الحصول على المياه يوماً واحداً في الأسبوع. وفي بعض مناطق الشمال، يتمّ الحصول على المياه مرّة واحدة كلّ ثلاثة أسابيع، ولذلك أثره السلبي على شبكات المياه وصلاحيتها، علماً أنّ الضخّ المستمر للمياه يحافظ على ديمومة الشبكة". يضيف سلامة أنّ "الفاقد انخفض في معظم المناطق الأردنية إلى 45 في المائة. ففي العاصمة عمّان، انخفض بصورة كبيرة إلى 37 في المائة، وفي العقبة انخفض إلى 23 في المائة". ويشير إلى "مشروع يجري بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بقيمة 65 مليون دولار لتحديث الشبكات وخفض الفاقد في بعض مناطق البلاد، وثمّة مشاريع أخرى مستقبلية مع الوكالة نفسها بقيمة 60 مليون دولار".

دلالات