اللحوم المحلية... أفضلية على موائد العراقيين

اللحوم المحلية... أفضلية على موائد العراقيين

30 أكتوبر 2019
لا بديل عن اللحوم المحلية (زيد العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -
يضطر علي نوري إلى شراء لحوم مستوردة طبع على غلافها "حلال" بسبب رخص سعرها، إذ إن حالته المادية لا تسمح له بشراء لحوم محلية من محال الجزارة، التي تعتبر الأغلى سعراً بالمقارنة مع مختلف اللحوم المستوردة.
ويفضّل العراقيون اللحوم المحلية على تلك المستوردة، مهما كانت جودة الأخيرة عالية، لا سيما أن اللحوم العراقية تتميّز بمذاق خاص يجعلها مفضلة بالمقارنة مع بقية أنواع اللحوم، خصوصاً الخراف المحلية. ولشدة تفضيلها من قبل العراقيين، يحرص باعة اللحوم على وضع يافطات أو إعلانات للتأكيد أن بضاعتهم هي لحم خراف محلية.
علي نوري، الرجل الأربعيني، لا يدع شهراً يمر من دون أن يكون اللحم المحلي موجوداً على طاولة طعام أسرته. يقول: "أضع جدولاً للإنفاق اليومي، وأحرص على توفير وجبة دسمة من لحم الغنم العراقي عند استلامي راتبي كل شهر".
ويقول نوري الذي يعمل مشرفاً في "أمانة بغداد" المسؤولة عن الخدمات البلدية للعاصمة العراقية، لـ"العربي الجديد": "غلاء الأسعار لا يتناسب مع الدخل الشهري لنسبة كبيرة من أرباب الأسر، وأنا أحد هؤلاء"، لافتاً إلى أنه يعمل مساء في مخبز كي يحسن دخله. يقول: "لولا عملي الإضافي، لتوقفنا عن شوي اللحوم".
وتعدّ عبارة "لحم غنم عراقي 100%" دليلاً على تفضيل العراقيين هذا النوع من اللحوم، وهذه عبارة تضعها المطاعم في واجهاتها الخارجية، ومنها من تبرزها بخطوط عريضة على الزجاج الخارجي للمطعم، للتأكيد أن اللحوم التي يقدمها المطعم لزبائنه محلية.

في هذا السياق، يقول صهيب خليل، الذي يدير مطعماً في كركوك (شمال): "يصعب خداع المواطن العراقي عند تقديم وجبة من اللحوم"، مؤكداً أن العراقيين يميزون اللحم المحلي عن المستورد مهما اختلفت طريقة طهيه.
ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "طعم لحوم الأغنام العراقية مميز، ويظهر بشكل خاص في المشاوي مثل الكباب. ويتجنّب أصحاب المطاعم إضافة خلطات أخرى مع اللحم قبل شوائه، باستثناء القليل من البصل. ويحرص أصحاب المطاعم بطريقة أو بأخرى على مخالفة القوانين الرسمية المفروضة عليهم، وتوجيه دخان الشواء نحو الشارع لاستقطاب الزبائن".
ويستطرد قائلاً: "لحوم الأغنام والأبقار المحلية على حد سواء لا تتطلّب وقتاً طويلاً في الطهي، في حين أن العديد من اللحوم المستوردة تتطلب وقتاً أكبر، فضلاً عن النكهة التي تميّز اللحوم المحلية عن المستوردة في الطهي".
لكن يشار إلى أن باعة اللحوم وأصحاب المطاعم يلجؤون إلى الغش، كما يذكر مواطنون وأشخاص من أهل الاختصاص، منهم صهيب خليل، الذي يؤكد أنه يعلم بوجود محال تبيع لحوماً مقطعة وأخرى مفرومة، مدعية أنها لحوم محلية طمعاً بربح أكبر. يضيف أن مطاعم عدة تلجأ إلى الغش، وتدعي أنها تقدم لحوماً محلية، في حين أن اللحوم مستوردة، أو تجمع بين المحلية والمستوردة.

لحوم مغشوشة

يعلم عراقيون بحدوث غش، ويفضل كثيرون شراء لحوم من المذابح وباعة الأغنام الذين يمارسون مهنتهم في مواقع مفتوحة داخل المدن وعلى منصات الشوارع العامة، التي تعتبر مخالفة صريحة للقانون الرسمي الخاص بضوابط ذبح الماشية.
ويقول سرمد شهاب إنه يلجأ إلى مربي الماشية الذين يذبحون الأغنام والأبقار في المناطق المفتوحة، على الرغم من أنها بعيدة عن الرقابة الصحية. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنه يملك خبرة في الماشية ويعلم جيداً إن كانت جيّدة أم مريضة.
يتابع: "أختار الخروف المناسب الذي يتمتع بحالة صحية جيدة، فيذبحه القصاب أمامي"، موضحاً أنه "يحصل على لحم عراقي جيد وبسعر أقل، إذ إن مواقع القصابة هذه تبيع بأسعار أقل من محال القصابة المجازة".
فالح الهاشمي، وهو قصاب يعمل في تربية الماشية بالشراكة مع أقرباء له، يستغل طريقاً خارجياً يربط بين بغداد والأنبار (غرب)، اتخذه موقعاً لذبح الماشية وبيع لحومها أمام مرأى العامة.
والقصابة على هذه الشاكلة ممارسة معروفة في العراق ويقبل العراقيون على هؤلاء القصابين في المناسبات كالأعياد والأعراس والمآتم لشراء كميات من اللحوم العراقية.

ويشير الهاشمي إلى أن "تفضيل العراقيين للحوم المحلية ساهم في ازدهار تربية وتجارة الماشية، وقد رأى أنها أوجدت فرص عمل لكثيرين، وهذا ما يظهر في وجود العديد من القصابين الذين يتخذون من الطرقات الخارجية مواقع لعملهم". ولا يمكن خداع العراقيين بالأغنام الحية، كون الخراف العراقية لها شكل يميزها عن بقية الخراف في العالم، وهو ما يؤكده العراقيون أنفسهم. وتقول وفيقة الدوري (67 عاماً) إن "رأس الخروف العراقي متوسط الحجم وشكل وجهه مختلف إضافة إلى أنه لا ذيل له إنما تتدلى من مكان الذيل كمية من الشحوم نطلق عليها اللية، وهي مفيدة جداً وتستخدم لطهي الطعام".
وتذكر وفيقة لـ "العربي الجديد": "منذ سنوات طويلة، فقدت الثقة باللحوم التي تباع في محال القصابة"، بعد فضح غش محل قصابة كانت تثق به وتشتري منه اللحوم. تضيف: "هناك أشخاص بارعون في الغش. على الرغم من خبرتي باللحوم، من الصعب أن أكتشف حالات الغش كون بعضهم يعمدون إلى وضع كمية من اللحوم المستوردة الرخيصة المقطعة مع اللحم المحلي بطريقة لا يمكن كشفها، خصوصاً حين يفرم اللحم، كي يؤمن ربحاً أكبر".
وتختم قائلة: "لذلك، أصبحت لا أشتري اللحوم من محال القصابة، بل أشتري خروفاً أتشارك به مع إحدى جاراتي، ويذبح أمامي فأحصل على لحم عراقي طازج وغير مغشوش وبسعر أقل".

دلالات

المساهمون