الأهالي يرمّمون آثار الحرب في ليبيا

الأهالي يرمّمون آثار الحرب في ليبيا

29 أكتوبر 2019
دمّرت أجزاء واسعة من ليبيا (باتريك باز/ فرانس برس)
+ الخط -

بعدما طال انتظارهم، بالرغم من ازدياد تأثيرات الحرب لتضرب منشآت أكثر، بادر ليبيون كثيرون إلى صيانة وإعادة بناء المؤسسات والخدمات، أمام عدم تحرك الجهات الرسمية

أشارت وسائل إعلام ليبية إلى إطلاق حملة تبرعات أهلية لإعادة إعمار المسجد العتيق في مدينة درنة، الذي دمرت أجزاء منه بسبب حرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر على المدينة، العام الماضي. وتوضح كلمات المشرفين على الحملة الأهلية إلى أنّ عشرات النداءات والخطابات وُجهت إلى سلطات المدينة وحكومة شرقي البلاد من دون استجابة. وتشمل الأعمال الأهلية التي أعلن عنها في مناطق الجنوب تحديداً في بنت بيه وقارة الشاطئ، وفي غربي وشرقي البلاد، مرافق خدمية كدور الرعاية والمدارس والمستشفيات، بعضها عاد بالفعل إلى العمل، فيما شكل بعض المدن جمعيات تطوعية تولت أعمال النظافة وحماية وحراسة المرافق الحيوية.
وتعاني البلاد حالة ركود في حركة البناء منذ عام 2011، في ظلّ الفوضى الأمنية العارمة التي أعقبها انقسام سياسي وفساد مالي وإداري في شتى المرافق. ويؤكد الأهالي المشاركون في الحملات التطوعية وجود ميزانيات لإعادة الإعمار في الحكومات، متهمين المسؤولين بالاستيلاء عليها.




بدورها، أعلنت "فرقة هون للعمل التطوعي" عن تنظيمها حملة نشرت فيها ثمانين سلة قمامة في شوارع مدينة هون الصحراوية (وسط)، وأمام المدارس ورياض الأطفال. ويشير إعلان الفرقة، على صفحتها على "فيسبوك"، إلى أنّ الخطوة تزامنت مع احتفالها بالذكرى الثالثة لتأسيسها، مؤكدة أنّ أعمالها شملت صيانة الطرقات الداخلية في المدينة، ورفع اللافتات الإرشادية والمرورية، بالإضافة إلى صيانة الإنارة في شوارع عدة، وتنظيف الطرقات، وطلاء المطبات.

وفي جنوب ليبيا واستعداداً لاستقبال العام الدراسي الجديد، بادر أهالي بلدية بنت بيه، إلى صيانة مدرسة محلة الأبيض، وهي الوحيدة هناك، بعدما انتظرت فرق الصيانة الحكومية ثلاث سنين من دون جدوى. وفي مطلع أغسطس/آب الماضي، قام ناشطون ومتطوعون من أهل صرمان، غربي البلاد، بأعمال حفر وردم للطريق الرابط بين مدينة صرمان غرباً وبلدة أبو عيسى شرقاً بمسافة طولية تقدر بنحو 200 متر. وأشارت تصريحات المتطوعين، عبر تلفزيون محلي، إلى أنّ الطريق، المعروف بطريق السكة، الذي تركته شركات الدولة من دون أن تكمله منذ سنين، عملوا على استكماله وإنجازه على مدار أسبوع كامل، للحدّ مما يعانيه هذا الطريق في السابق من ازدحام مروري، خصوصاً في فترة الشتاء إذ تتكون مستنقعات مياه الأمطار والغبار وغيرها من العوائق.

بالقرب من درنة، شرقي البلاد، التي شهدت أعمالاً تطوعية لصيانة المسجد العتيق، بادر أهالي مدينة سوسة، إلى استكمال أعمال الصيانة، التي توقفت منذ أشهر، في دار للأيتام تحول إلى مقر للأسر النازحة. ويشير المتطوعون، بحسب وسائل إعلام محلية، إلى أنّ المقر أخلي من النازحين. وقبل إعادة الأطفال اليتامى إليه، والذين نقلوا إلى سجن ملاصق لإيوائهم، أجريت أعمال صيانة عاجلة، لكنّ تلك الأعمال لم تكن كافية، لافتين إلى أن ما يقومون به الآن صيانة كاملة، لأنّ الشتاء على الأبواب ولا ذنب لهؤلاء الأيتام أن يعيشوا في ظروف قاسية أقسى من ظروف اليتم نفسه، مشيرين إلى أنّ وضع المقر معروف للسلطات لكنّها لم تلتفت إليه.

بالإضافة إلى ما سبق، أطلق أهالي طرابلس عشرات الحملات التطوعية لتنظيف الأحياء، في ظلّ توقف الشركة العامة للخدمات عن عملها في نقل القمامة، إذ تشهد العاصمة عودة ظاهرة تكدس القمامة. يقول عمر درازه، أحد شبان حيّ دمشق بطرابلس: "من غير الممكن أن ننتظر الحكومة التي يبدو أنّها لا تكترث بالمواطن ومنشغلة في الحروب"، مشيراً إلى أنّ ناشطي الحي أعدّوا جدولاً يضمّ شبان الحي، لنقل القمامة المتكدسة بطرقاته، لافتاً إلى أنّ الفكرة تطبقها أحياء أخرى في طرابلس.

وفي يوليو/تموز الماضي، تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي بشكل واسع صور الشاب الليبي، لؤي فوناس، الذي بادر وحده إلى إزالة الركام وحطام المباني والمساكن في الأحياء التي دمرتها الحرب في بنغازي. وأكد لؤي، في حديث للإعلام، أنّه يتطوع لهذا العمل وحده، منذ عام 2017، بالرغم من انفجار لغم من مخلفات الحرب به.




ويعلق رامي اشميله، عضو منظمة شباب العمل التطوعي، وهي منظمة أهلية في بنغازي، أنّ عمل لؤي، جزء من أعمال أخرى ما زالت بعيدة عن الأضواء، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "ثقافة العمل الخيري أو التطوعي ثقافة مترسخة لدى الليبيين"، لافتاً إلى أنّ إحدى الناشطات تعمل بشكل تطوعي وفردي في أعمال الدعم النفسي لأطفال الأسر النازحة في بنغازي والتي عادت إلى منازلها شبه المدمرة. يتابع أنّ "أجزاء من الأحياء المدمرة في المدينة ما زال شبان من فرقة الهندسة العسكرية يعملون فيها للبحث عن الألغام والمتفجرات العالقة داخل المنازل"، ومؤكداً أنّ رواتبهم مقطوعة منذ زمن، وتكليف فرقة الهندسة العسكرية توقف منذ وقت طويل، لكنّ هؤلاء الشبان يعملون تطوعياً الآن، مستفيدين من خبرتهم في هذا المجال.