تجمع ضد الإسلاموفوبيا في باريس

تجمع ضد الإسلاموفوبيا في باريس

27 أكتوبر 2019
يرفضون التمييز بحق المسلمين (العربي الجديد)
+ الخط -
تعود أجواء الكراهية التي عرفتها الجالية العربية الإسلامية في فرنسا ومسلمو فرنسا قبل سنوات، وكأن القوانين التي سنّها البرلمان لم يكن لها تأثير يذكر. وبعدما كان الجدال حول حجاب التلميذات عام 2004، وبعده النقاب، وصل الأمر الآن إلى استهداف الأمهات المحجبات المرافقات لأبنائهن خارج المدرسة. وينشط اليمين الفرنسي الذي يسيطر على مجلس الشيوخ بقوة، خصوصاً رئيسه جيرار لارشي، لفرض قانون يحظُر تواجد هؤلاء الأمهات إلى جانب أبنائهن، ما لا يُرضي شرائح في اليمين، إلا نسبياً. وأصبح بعض ممثليه على غرار زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان والنائبة الأوروبية الفرنسية اليمينية نادين مورانو وغيرهما، يطالبون صراحة بحظر الحجاب في الفضاء العام.

وعلى الرغم من موقف الرئيس إيمانويل ماكرون، قبل يومين، والذي قال إن الدولة لا تتحكم في الفضاء العام، والعلمانية تقتصر على الوظائف العمومية، إلا أن وزير التربية الوطنية جون ميشيل بلانكي هاجم الحجاب بعد الاعتداء الذي تعرضت له أمّ محجبة رافقت، بطلب من المدرّس، ابنَها وزملاءَه إلى المجلس الإقليمي لتعلم الديمقراطية الفرنسية، كما تضمنت تصريحات الصحافي إيريك زمور عداء للإسلام. وصرح زميل له ومسؤول في صحيفة لوفيغارو بأنه يكره الدين الإسلامي، كما وزّع منشوراً داخلياً من قبل إحدى الجامعات فيه رصد لكل التصرفات التي يمكن أن تفسر بميل أصحابها، من الطلاب من أصول مسلمة، للتطرف، ما ساهم في بثّ مناخ ضاغط على مسلمي فرنسا، وأنصار حقوق الإنسان والعيش المشترك في ظل الجمهورية العلمانية، التي لا تميز بين أنصار ديانة وأخرى.

لهذا السبب، دعت جمعيات عدة اليوم الأحد إلى تجمع حاشد في ساحة "ناسيون" في باريس، حضره، على الرغم من الطقس الماطر، آلاف العرب والفرنسيين. وكان مناسبة للعديد من التدخلات التي أدان بعضها هذه الأجواء الكريهة، التي تذكر بماض فرنسي غير مجيد، فيما اقترحت أخرى خريطة طريق للمواجهة، من خلال عمل سلمي طويل الأمد، إضافة إلى تحالف مع كل الجمعيات الحقوقية التي تحارب مختلف أشكال العنصرية من أجل العدالة والحرية.

وكانت أوليفيا زيمور، مسؤولة جمعية "يورو ـ فلسطين"، أعلنت أن ما يمس المسلمين، اليوم، لن يستثني غيرهم غداً. بالتالي، فإن النضال يتجاوز الجالية العربية الإسلامية وحدها. وطالبت بتنظيم اعتصامات وتجمعات قرب مقرات التلفزيون التي يبث منها العنصريون، من أمثال الصحافي إريك زمور، سمومهم وعنصريتهم.

وأعربت إحدى المشاركات عن دعمها للأمّ المحجبة ضحية شتائم عضو "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وطفلها الذي "يجب أن يَكبر في سلام، مثل كل أطفال الجمهورية، من دون  تمييز". كما أعربت عن شعورها بالغضب بسبب الإهانة التي تعرّضت لها المرأة كونها مسلمة، والطفل لأنه ابن امرأة محجبة. وتقول: "أطفال مشبوهون منذ نعومة أظفارهم، ويجب أن يبرروا سبب عدم مدهم أيديهم لأصدقائهم في الاستراحة". تضيف: "نحن غاضبون لأننا نُعتَبَر، في أفضل الأحوال، طابوراً خامساً، وفي أسوء الأحوال، إرهابيين محتملين".


وتوضح: "لم نصل إلى هنا بمحض الصدفة. أُحضر آباؤنا إلى هنا وتم استغلالهم. ونحن هنا باعتبارنا ورثة لهذا التاريخ. ونؤكد أمام ماكرون وآخرين بأننا لسنا مناديل ورقية يُلقى بها بعد استخدامها. نحن هنا لإعلان إنسانيتنا".

وتختم: "السؤال الوحيد الذي يجب طرحه هو التالي: هل الجمهورية متلائمة مع قِيَم الحرية والمساواة والأخوة؟ ما يحدُث في فرنسا، اليوم، رهيب، ونحن واعون لحجمه. إما أن نتركهم يصعقوننا وإما أن نقاوم". ودعت إلى حضور وازن يوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول المقبل في تظاهرة "مسيرة الأمهات من أجل العدالة والكرامة" في حي بارْبيس في باريس.

أما مهدي، الذي يعمل في القناة السادسة، والذي قضى 19 عاماً في الجيش الفرنسي، فيعرب عن تضامنه مع ضحايا الإسلاموفوبيا، ويقول إن أعوام عمله في الجيش الفرنسي لم تكن سهلة على الإطلاق. "في كل يوم يُشار إليّ بالأصابع، لأنني مغربيّ ومسلم ومكاني لم يكن هنا. إذاً، ما الذي أفعله هنا؟ انخرطتُ في الجيش الفرنسي في سن السادسة عشر، من أجل الدفاع عن مبادئ الجمهورية وفرنسا. كنتُ صغيراً، وقد فعلت هذا لإعالة والدتي وإخوتي، ولأبرهن بأنني مثل الآخرين. أنا معكم وأناضل معكم كل يوم". يضيف: "يتم انتقادنا يومياً، لكن الأمر ليس خطيراً، وأفضلُ سلاح لنا هو الابتسامة".

بعدها، حذر ياسر لواتي، عضو سابق في "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، والمسؤول عن "لجنة عدالة وحريات للجميع"، من أي استقطاب من أي جهة كانت، داعياً إلى الوحدة. ويرى أننا "لا نطالب بأي شيء فوق ما يطلبه الآخرون. نحن لا نريد سوى الحق في حرية ممارستنا لديننا، كما يفعل الآخرون". يضيف: "نحن لا نطلب امتيازات، كما يدّعي البعض، ولسنا نحن من يطالب بتغيير أو تعديل قانون 1905. لا ننتهك العلمانية عبر التدخل في قضايا الديانة، بل هم من يطالبون بتغيير قوانين اللعبة، لأن المسلمين اليوم، يريدون أن يكونوا متساوين مع الآخرين، وهذا غير مقبول".         


وشارك في التجمع فنان الفكاهة الفرنسي من أصول مغربية، ياسين بلعطار، الذي يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الفرنسيين من أصول عربية، ويتعرض لهجمات شرسة من وسائل الإعلام الفرنسية، بسبب مواقفه المؤيدة لنضالات المحجبات. وكان قد استقال من "المجلس الرئاسي للمدن"، الذي عيّنه فيه الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويقول: "أنا مسلم منذ 37 عاماً. وخلافاً لكثيرين، لم أتوقف عن أن أكون ذلك المسلم. وحان الوقت كي يتحمل كل منا مسؤوليته. أرى أن على الفنانين المتحدرين من الأحياء الشعبية وضع مسيرتهم المهنية بين قوسين، لأنه لا يجوز أن نسلّي أناساً يهاجمون أمهاتنا وأخواتنا". ويوضح: "ليس ماكرون وحده، بل كل رئيس فرنسي يَعتبر أن وجود المسلمين هنا مؤقّت، وقد حان الوقت لنبرهن لهم أننا موجودون هنا وبشكل دائم، وليست لدينا خطة ثانية بديلة، فلنوقف وهم عودة ممكنة للوطن". يضيف: "في المساء، سأكون حاضراً في برنامج بي إف تيفي، وأقول لبلانكي: على فرنسا أن تتأقلم مع حقيقة أننا باقون هنا. أنا فرنسي وأدافع أكثر مما دافع جدي عن هذا البلد، وأكثر مما بنى والدي في هذا البلد". وتحدث عن لاعبي كرة القدم الذين يرتدون قمصان الفريق الوطني من المسلمين، قائلاً إذا كان العالم يتحدث عن فرنسا في العالم، فلأنه يوجد قناصون داخل المنتخب الوطني".

ووجه بلعطار رسالة إلى الصحافة التي تدَّعي أنها يسارية، مفادها بأن اللعبة انتهت، و"أنتم من ستستمعون إلينا من الآن فصاعداً. ولا يوجد أي حزب سياسي فرنسي إلا وقد أساء إلى المسلمين، من اليسار المتطرف إلى اليمين المتطرف. الجميع انتقد المسلمين. وهم يريدون أن يجعلوا، منا، من الآن فصاعداً، حزباً سياسياً، وهذا ليس صحيحاً". ويختم بأن "فرنسا محظوظة لأن المسلمين يحبونها أكثر مما تحب هي المسلمين".