مدارس تقاوم في مخيّم الركبان

مدارس تقاوم في مخيّم الركبان

27 أكتوبر 2019
تكثر المدارس الخيم التي تستقبل نازحي سورية (الأناضول)
+ الخط -

وسط واقع مأساوي يتفاقم يوماً بعد آخر في مخيّم الركبان، لا سيّما مع معاناة ساكنيه ومآسيهم التي تكثر على خلفية عدم تمكّنهم من الحصول على أدنى مقوّمات الحياة الكريمة، تبقى إرادة النازحين السوريين صلبة إذ إنّهم مصرّون على مواصلة تعليم أولادهم وإن كان ذلك في مدارس من الطين أو في خيم.

في المخيّم الواقع على الحدود السورية مع الأردن، تطوّع عدد من النازحين كمدرّسين هدفهم الحرص على عدم حرمان صغار سورية المهجّرين من حقّهم في التعليم. يقول أحدهم وقد فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" إنّ "وضع التعليم سيّئ جداً في المخيّم، في غياب كلّ دعم معنوي ودعم مادي كافٍ من أجل تأمين مصلحة أجيال جديدة حُرمت من التعليم بسبب الحرب والنزوح المتكرر اللذَين شهدتهما البلاد". يضيف أنّ "مخيّم الركبان كان يضمّ نحو 130 مدرّساً ومدرّسة وأربعة آلاف و500 تلميذ وتلميذة يتوزّعون في 45 مدرسة، وذلك قبل عودة عدد كبير من النازحين الذين لجأوا إلى هذا المخيّم إلى مناطق سيطرة النظام السوري. أمّا اليوم، فثمّة 45 مدرّساً ومدرّسة و600 تلميذ وتلميذة إلى جانب 14 مدرسة، علماً أنّ ثمّة مدارس تفتح أبوابها أمام التلاميذ وأخرى مغلقة نظراً إلى عدم وجود عدد كافٍ من التلاميذ في محيطها". ويشرح المدرّس نفسه أنّه "إلى جانب مغادرة نازحين سوريين كثر المخيّم، ثمّة أسباب أخرى تؤثّر على سير العملية التعليمية في المدارس، منها العواصف التي ضربت المخيّم وألحقت أضراراً في المدارس والمنازل الطينية، ولعلّ أبرز الأسباب هو عدم تشجيع الأطفال على التعلّم، من قبل الأهالي خصوصاً وبعض من المدرّسين عموماً". ويطالب كلّ معنيّ بالمبادرة "لتعليم الأجيال التي حُرمت من ذلك، من خلال دعم المدارس في المخيّم ودعم المدرّسين الذين كانوا وما زالوا يعملون في المجال منذ أربعة أعوام من دون أيّ أجر. وكلّ ما قد يتقاضونه في حال حصلوا على مقابل ما، يكون ثمن أقلام أو مستلزمات خاصة بالتعليم وليس أكثر".




من جهته، يقول مدير مشروع "البيت التدمري" الذي أنشأ عدداً من المدارس في مخيّم الركبان، الدكتور محمد طه، لـ"العربي الجديد": "بالنسبة إلى مدارس المشروع، فقد ظهرت فكرتها مذ بدأ النازحون من مناطق ريف حمص وريف الرقة يتجمّعون في المخيّم، فقرّرنا التدخّل في ظلّ انعدام التعليم فيه. بداية، كانت الفكرة تأسيس مدرسة البيت التدمري مع قدرة استيعابية تصل إلى 300 تلميذ، على ألا يُشيّد مبنى للمدرسة حتى تبقى فكرة العودة مترسّخة في نفوس التلاميذ بدلاً من فكرة الاستقرار في هذه المنطقة القاحلة. وهكذا جُهّزت خيم على شكل صفوف، لكنّ الرياح راحت تمزقّها وتلحق أضراراً مختلفة بها، فنضطر إلى صيانتها بتكاليف عالية. ومن هنا، جاءت فكرة بناء مدرسة من الطين كمركز أساسيّ لمشروع البيت التدمري مع قدرة استيعابية تصل إلى 600 تلميذ، تتوفّر فيها كلّ الخدمات تقريباً. وقد قدّمت لنا جمعيات عدّة ثلث التكلفة تقريباً".

يضيف طه أنّ "المدرسة الأساسية التي أنشئت استوعبت نحو 432 تلميذاً من مختلف الأعمار، منهم من لم يقصد المدرسة قطّ ومنهم من انقطع عن التعليم، لذلك أضيف صفّان خاصان إلى الصفوف التي كانت تغطّي التعليم من الصف الأول حتى الصف السادس. فخُصّص صفّ للذين انقطعوا عن المدارس منذ أربعة أعوام وصفّ آخر للذين لم يلتحقوا بها قطّ. في العام التالي، ضمّت المدرسة 466 تلميذاً يتلقّون التعليم الأساسي، في حين راحت تنظّم نشاطات منها رحلات تهدف إلى إضفاء جوّ من الترفيه، وكذلك معارض فنية ومسابقات رياضية من أجل التخلّص ولو جزئياً من التبعات النفسية التي يعانيها الأطفال". ويتابع أنّ "المدرسة عملت كذلك على نشاطات للتوعية الصحية، من أجل الحفاظ على النظافة وتدريبهم على كيفية غلي الماء وتجنّب الأمراض المعدية، علماً أنّ التوعية شملت الأهالي. وكلّ ذلك ساهم في نجاح المدرسة، فكانت محطّ أنظار منظمات دولية عدّة من قبيل يونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة). لكنّ تلك الجهود الخاصة بدعم المدرسة وباقي مدارسنا في الركبان، للأسف، باءت بالفشل نتيجة الإجراءات الإدارية. لذلك، رحنا نعتمد على الجهود الفردية لاستمرار مدارسنا".



في سياق متصل، يقول الناشط عماد غالي المقيم في مخيّم الركبان لـ"العربي الجديد" إنّ "الأمور صعبة جداً حالياً، للأهل والتلاميذ على حدّ سواء. فثمّة أطفال تركوا المدرسة واتّجهوا إلى العمل لإعانة أسرهم، وذووهم هم الذين دفعوهم إلى العمل في سوق المخيّم بسبب الظروف المتردية".