هل تنجح بلجيكا في الحد من الهجمات الإرهابية؟

هل تنجح بلجيكا في الحد من الهجمات الإرهابية؟

23 أكتوبر 2019
هجوم إرهابي في بلجيكا عام 2018 (سيباستيان سميتز/ Getty)
+ الخط -

يُحيط الغموض بمهام المجموعات التي أنشأت في مختلف بلديات بلجيكا لإقامة علاقات مع الجاليات، خصوصاً المسلمة منها، وذلك بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد، ما خلق أزمة ثقة مع الناس  

على خلفية الهجمات الإرهابية التي شهدتها بلجيكا عام 2016، أُنشئت مجموعات في كل البلديات تضم موظفين مكلفين بـ "العلاقات مع الجاليات المختلفة، خصوصاً المسلمة، وإبلاغ الشرطة في حال وجود خطر أو شك". وتفيد دراسة أعدّتها إحدى الجامعات بأن عمل هذه المجموعات يشوبه نوع من الغموض حول المهمة المنوطة بأعضائها والنتائج المنتظرة منها، لأن دورهم لا يسمح لهم بكسب ثقة المواطنين لمواجهة الإرهاب بشكل فعلي.

مهمة مبهمة

تختلف الجهات الفاعلة المكوِّنة لما يسمى خلايا الأمن المتكاملة التي أنشئت في كل بلديات بلجيكا، بدءاً من الموظفين الإداريين والمسؤولين عن تنسيق سياسة الأمن المتكاملة، مروراً برئيس إدارة المساعدة الاجتماعية وخدمات الوساطة، وليس انتهاءً برابطات الأحياء أو الشباب. لكن يعدّ حضور العمدة ورئيس الشرطة والموظفين المكلفين بمواجهة التطرف أمراً ضرورياً. ويقول الخبير في الشؤون البلجيكية بول فانوف، لـ "العربي الجديد": "يفرض القانون الصادر في 30 يوليو/تموز 2018، الذي وضع حداً للطبيعة غير الملزمة لخلايا الأمن المتكاملة، تعيين مسؤول عن مواجهة التطرف الذي يتولى وظائف إدارية أخرى داخل كل بلدية، وخبير محلي معين إما في إدارة الوقاية أو الأمن أو في إدارة الخدمات الاجتماعية. ويتعيّن على الأول تطوير نهج أمني، والثاني تطوير نهج يتعلق بكيفية التعامل داخل المجتمع".



على الرغم من ذلك، فإن هذا الغموض يضر بعمل هؤلاء الموظفين ويؤثر على علاقة الثقة القائمة مع مختلف الجاليات، كما يتضح من دراسة أجريت بالاشتراك بين الجامعة الكاثوليكية "بلوفان" وجامعة بروكسل الحرة والمعهد الوطني لعلم الجريمة والطب الشرعي. ولفهم ظروف عمل المسؤولين عن مواجهة الراديكالية والتطرّف، التقت عالمتا الأنثروبولوجيا سيلك جاميني ونادية فاضل، كثيرين منهم في كل مناطق بلجيكا (الفلاندرز في الشمال ووالوني في الجنوب ومقاطعة بروكسل في الوسط). "معظم العاملين في هذا المجال يقدرون الحرية التي تُركت للبلديات في ما يتعلق بتنظيم عمل خلايا الأمن المتكاملة، لكنهم يشيرون أيضاً إلى الغموض بين سياسات الوقاية والقمع والتوترات التي يولدها هذا التناقض"، كما تقول الباحثتان في الدراسة. تضيفان: "هؤلاء الموظفون هم الأقرب إلى المجموعة المستهدفة من سياسة إزالة التطرف. إذ يتولون دور بناء العلاقات مع الشباب أو سكان الأحياء عموماً المستهدفين من تنفيذ مشاريع الوقاية، إضافة إلى مواجهة التطرف. لكن هذه العلاقة تعد مشكلة تضع المسؤولين في بناء جسور التواصل في موقف صعب بالنسبة للمجموعات المستهدفة".

التعامل مع الشرطة

وتظل مسألة السرية المهنية وتبادل المعلومات صعبة للغاية. إذ لا يثق الشباب بسهولة في شخص يعرفون أنه على اتصال بالشرطة. "لتفادي التهمة بالخيانة، قام موظف يعمل مع الشباب في إحدى البلديات وملحق في خدمة الوقاية التي تحافظ على تعاون وثيق مع الشرطة باختيار إقامة مكتبه خارج البلدية لينأى بنفسه عن التهم"، يفسر بول فانوف. وبحسب الدراسة، "تحذر مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال من النمو المهيمن للنهج الأمني في المجال الاجتماعي. يجب أن نكون متيقظين لهذا التطور، لأنه يمكن أن يشكل نوعاً من الوصم والتجريم على حد سواء، ويولد بالتالي عدم ثقة. يجب أن يكون العاملون الاجتماعيون والعاملون مع الشباب قادرين على مواصلة وظيفتهم الجوهرية المتمثلة في دعم الفئات المستضعفة، من دون المساهمة صراحة في منع التطرف".



وتبرز الدراسة أيضاً عدم ثقة المنظمات العاملة في الأحياء بالشرطة كعضو في خلايا الأمن المتكاملة. "يتوقعون أن تتعاون الشرطة مع موظفيها في مجال الوقاية، لكن سيكون من الصعب على قوات الأمن الاتصال بهذه المنظمات بشكل مباشر. وإذا طلب منهم العمل معاً في إطار خلايا الأمن المتكاملة فلن يقوموا بذلك". هذا هو الحال في مدينة أنتويربن، شمال بلجيكا، حيث أشارت جمعية للشباب بوضوح إلى رفضها العمل مع الشرطة والمشاركة في الاجتماعات المخصصة لملف مواجهة التطرف.

مشاريع بلا مستقبل

ومن المشاكل الأخرى التي أشارت إليها الدراسة، شكوى العديد من المسؤولين المحليين بعدم جدوى سياسة المنح والتمويل لمشاريع مكافحة التطرف. "من ناحية، يشعرون بالحاجة الملحّة لمواجهة هذه الظاهرة والحاجة إلى الاستثمار في ذلك، لكن من ناحية أخرى، يعرفون أن ميزانيات القيام بذلك تظل غير مؤكدة. في هذا السياق، يقول الفاعلون الاجتماعيون إنه من الصعب الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً والعمل على المدى الطويل". وبحسب بول فانوف، "يصبح هذا الأمر أكثر صعوبة عندما يكون السكان المستهدفون مهددين بإجراءات أمنية أو العائدين من مناطق القتال أو عائلات المغادرين للقتال في سورية. على سبيل المثال، مجموعة جهاد فان دي موديرز، وهي تجمع لأمهات غادر أطفالهن البلاد إلى سورية أو كانوا على وشك المغادرة، كانت مدعومة بتمويل خاص من مؤسسة الملك بودوان ولكنها لم تتلق أي دعم هيكلي". وتشدد الدراسة على أن عدم اليقين المتعلق بالمنح المالية قصيرة الأجل يؤدي أيضاً إلى فقدان الخبرة بين الموظفين الذين ينفذون السياسة المحلية.